أصدر مجلس النواب الأمريكي خلال الأسبوع الماضي توجيهًا بحظر استخدام تطبيق (تيك توك) TikTok في أي جهاز محمول تابع لمجلس النواب، لأنه يشكل خطرًا كبيرًا على أمن المستخدمين بسبب عدد من المخاطر الأمنية.
وقد قالت (كاثرين إل سزبيندور) Catherine L. Szpindo المسؤولة الإدارية الرئيسية في مجلس النواب في المذكرة الداخلية التي أرسلتها للموظفين: “لا يُسمح لموظفي مجلس النواب بتنزيل تطبيق تيك توك في أي أجهزة محمولة خاصة بالمجلس، لأنه يمثل خطرًا كبيرًا على المستخدمين بسبب عدد من المخاطر الأمنية”.
ولكن في يوم 10 مارس 2022 – بعد أسبوعين من بداية الصراع الروسي الأوكراني – عقد البيت الأبيض مكالمة عبر (Zoom) مع 30 من صناع المحتوى البارزين في تيك توك، حيث قامت (جين بساكي) وهي المتحدثة باسم البيت الأبيض آنذاك، وأعضاء من مجلس الأمن القومي بإطلاع صناع المحتوى – الذين كان لديهم معًا عشرات الملايين من المتابعين – على آخر أخبار الصراع وأهداف البيت الأبيض وأولوياته.
ولم يكن هذا هو الاجتماع الأول للبيت الأبيض مع صناع المحتوى في تيك توك، فقد جاء هذا الاجتماع في أعقاب اجتماع مماثل تم في صيف 2021، حيث قام البيت الأبيض بتجنيد العشرات من صناع المحتوى في تيك توك للمساعدة في تشجيع الشباب على التطعيم ضد فيروس كورونا (Covid 19).
وقد برر (روب فلاهيرتي) مدير الإستراتيجية الرقمية في البيت الأبيض ضرورة القيام بمثل هذه الاجتماعات قائلًا: “نحن ندرك أن تيك توك وسيلة بالغة الأهمية في الطريقة التي يكتشف بها الجمهور الأمريكي آخر التطورات، لذلك أردنا التأكد من حصول صناع المحتوى في التطبيق على أحدث المعلومات من مصدر موثوق”.
موضوعات ذات صلة بما تقرأ الآن:
وفي الوقت نفسه؛ كانت إدارة بايدن تجري مفاوضات مع شركة (ByteDance) الصينية المالكة لتطبيق تيك توك حول مخاوف الأمن القومي المحيطة بالتطبيق. في حين مُنع موظفي البيت الأبيض الذين نظموا الاجتماعات مع صناع المحتوى وتحدثوا معهم من تنزيل التطبيق في هواتف العمل الخاصة بهم.
كل هذا يجعلنا نجد أنفسنا أمام سؤال مهم؛ لماذا هذا النهج المتناقض من أكبر حكومة في العالم تجاه تطبيق تواصل اجتماعي؟
قد يكون نهج الإدارة الأمريكية المتناقض تجاه تطبيق تيك توك – الذي يتمثل في احتضانها للتطبيق كقناة حيوية للتواصل مع الجمهور الأمريكي، وخوفها من التطبيق كأداة محتملة للتأثير الأجنبي – استجابة مناسبة للمشكلة الفريدة التي طرحها الطبيق بعد النجاح الاستثنائي الذي حققه عالميًا .
فقد تمكن تطبيق تيك توك من إعادة تشكيل الثقافة الأمريكية، وأصبح النجاح الاستثنائي للتطبيق أكثر بروزًا من خلال حقيقة أنه تطبيق تابع للصين المنافس الجيوسياسي الأول لأمريكا، وعلى الرغم من عقود من المحاولات لم تغزو أي شركة صينية المجتمع الأمريكي مثل: تيك توك.
أثارت حقيقة أن تطبيق تيك توك هو تطبيق صيني مخاوف مستمرة وطويلة الأمد بشأن استغلال الحكومة الصينية له، وعلى مدار العام الماضي، واجه التطبيقات تحقيقات صحافية مستمرة، فكل أسبوع تقريبًا كان هناك كشفًا جديدًا حول ممارسات البيانات المشكوك فيها للشركة. وخلال الأشهر الستة الماضية فقط، اُتهم تطبيق TikTok وشركة (ByteDance) أكثر من مرة بالكذب بشأن وصول الموظفين الموجودين في الصين إلى بيانات المستخدمين الأمريكيين.
تحركات حكومية غير مسبوقة لحظر تطبيق تيك توك:
إذا كانت شعبية تطبيق تيك توك قد وفرت له بعض الحماية ضد الإجراءات الحكومية حتى الآن، إلا صبر بعض المسؤولين الحكوميين بدأ ينفد وقبل نهاية عام 2022 بأيام قليلة جدًا شهدنا الكثير من التحركات غير المسبوقة، مثل منع مجلس النواب الأمريكي موظفيه من استخدام التطبيق في أي أجهزة تابعة للمجلس.
وصوت مجلس الشيوخ بالإجماع في وقت سابق في شهر ديسمبر 2022 على مشروع قانون يحظر تطبيق تيك توك في الأجهزة الحكومية. وقدم المشرعون الفيدراليون تشريعات خلال شهر ديسمبر الماضي من شأنها حظر التطبيق من العمل في الولايات المتحدة أيضًا بسبب مخاوف من المخاطر الأمنية.
كما حذر (كريستوفر راي) مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) أعضاء الكونجرس بعد الانتخابات النصفية الأمريكية من أن الحكومة الصينية قد تستخدم تطبيق تيك توك للسيطرة على أجهزة المستخدمين لأغراض التأثير أو التجسس.
ومن المتوقع قريبًا أن تحظر الحكومة الأمريكية تطبيق تيك توك من جميع الأجهزة الفيدرالية، كجزء من التشريعات المدرجة في مشروع قانون الموازنة الشامل البالغ 1.7 تريليون دولار، الذي ينتظر توقيع الرئيس الأمريكي جو بايدن ليدخل حيز التنفيذ.
وتأتي سلسلة التحركات هذه من الحكومة الأمريكية بعدما حظرت 19 ولاية أمريكية استخدام التطبيق في الأجهزة الحكومية خلال الأسبوع الماضي، بسبب مخاوف من أن الحكومة الصينية قد تستخدم التطبيق لتتبع الأمريكيين وتوجيههم من خلال معلومات مضللة، وفقًا لوكالة رويترز.
وقد سبق أن وصفت شركة (ByteDance) الملكة لتطبيق تيك توك جهود حظر استخدام التطبيق في الأجهزة الحكومية الأمريكية بأنها (لفتة سياسية لن تفيد شيئًا في تعزيز مصالح الأمن القومي)، ورفضت التعليق على القيود التي فرضها مجلس النواب.
هل يتعلق حظر تيك توك المقترح في أمريكا بالسياسة أكثر من أمن البيانات؟
وفقًا للخبراء نعم، يقول (أنوبام تشاندر) Anupam Chander أستاذ القانون بجامعة جورج تاون: “إنه لا يوجد أي دليل ملموس على مشاركة مستخدمي تيك توك الأمريكيين لبياناتهم، أو أن الحكومة الصينية تستخدم هذه البيانات لتحقيق مكاسب سياسية، فالادعاءات كلها حتى الآن تتحدث عن وصول أشخاص في الصين إلى البيانات وليس وصول الحكومة الصينية نفسها، بل الادعاءات تقول وصول أشخاص داخل هيكل شركة (ByteDance) وهذا أمر طبيعي تقوم به الشركة المطورة للتطبيق”.
تتعلق العديد من مخاوف المشرعين بخدمات تتبع الموقع داخل التطبيق، التي يخشون استخدامها في التجسس. ولكن عندما يتعلق الأمر بتطبيقات التواصل الاجتماعي؛ فإن تتبع الموقع هو ميزة أساسية فيها وموجودة في كل من: فيسبوك وإنستاجرام وسناب شات وهي تطبيقات أمريكية.
وفي هذا الصدد قال تشاندر: “من المنطقي بالتأكيد أن يُقال للجنود الأمريكيين لا تستخدموا تطبيق تيك توك في هواتفكم لأنه قد يشارك معلومات موقعكم مع كيانات أخرى، ولكن هذا ينطبق أيضًا على تطبيق الطقس ومن ثم الكثير من التطبيقات الأخرى الموجودة في الهاتف، سواء كانت مملوكة للصين أم لا”. وحذر أيضًا مما أسماه “تسييس الأمن القومي”.
كما قال (ريان كالو) Ryan Calo أستاذ القانون وعلوم البيانات بجامعة واشنطن: “إن خصوصية البيانات في الولايات المتحدة لا تزال بحاجة إلى الكثير من التحسين، لذلك فالتشريع المقترح ضد تيك توك يتعلق أكثر بالتوترات الجيوسياسية مع الصين ولا علاقة له بالتطبيق نفسه”.
وأضاف كالو: “يزعم مكتب التحقيقات الفيدرالي أن تطبيق تيك توك يشكل مخاوف تتعلق بالأمن القومي، ولكن حقيقة الأمر هي أنه إذا أراد قطاع المخابرات الصيني المتطور جمع معلومات عن موظفين حكوميين معينين في الولايات المتحدة، فلن يضطر أبدًا إلى اللجوء إلى تطبيق مثل: TikTok”.
إلى أين سيصل هذا الصراع السياسي؟
يتساءل الكثيرون هل يمكن أن تقوم الشركة المالكة لتطبيق تيك توك بفعل أي شيء لإرضاء المخاوف الأمريكية؛ نظرًا إلى أنها شركة صينية، خاصة مع استعادة الجمهوريين لمجلس النواب الأمريكي في يناير. حيث تأتي معظم الاعتراضات ضد تيك توك من الحزب الجمهوري، الذي له تاريخ أكثر صرامة مع بكين من الحزب الديمقراطي.
يمارس الجمهوريون أيضًا ضغوطًا على الديمقراطيين، بينما يتفاوض الرئيس الأمريكي جو بايدن مع تيك توك على بروتوكول طويل الأجل من شأنه معالجة مخاوف الأمن القومي ومواصلة التطبيق العمل تحت الملكية الصينية في الولايات المتحدة.
ولكن إدارة بايدن منقسمة حتى الآن أمام أمرين، الأول: إعادة هيكلة تطبيق تيك توك للتغلب على المخاوف الأمنية، والثاني: إجبار شركة (ByteDance) المالكة للتطبيق على سحب استثماراتها في الولايات المتحدة، وفقًا لتقرير Politico.
وسواء طلبت الإدارة الأمريكية إعادة هيكلة تطبيق تيك توك، أو سحب الشركة لاستثماراتها، فإن هذه الخطوة ستمثل أحد أكثر الإجراءات عدوانية حتى الآن من الحكومة الأمريكية للحد من المصالح التجارية الصينية في الولايات المتحدة تحت شعار “أسباب تتعلق بالأمن القومي”.