تشير التقارير إلى أن نحو 16% من سكان العالم – أي ما يصل إلى 1.3 مليار شخص – يعيشون مع شكل من أشكال الإعاقة، وما يصل إلى 1% من سكان العالم يعانون من مشكلة في الكلام أو اللغة أو التواصل، ومع التطور التقني الذي نشهده وخاصة تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي طُرح سؤال مهم؛ كيف يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين حياة هؤلاء الناس؟
ظهر في نهاية عام 2022 روبوت الدردشة التفاعلية (ChatGPT) الذي يستند في عمله على النموذج اللغوي الكبير (GPT-3.5) للتنبؤ باللغة، حيث يستخدم مجموعات من مليارات الكلمات الخاصة به لمعالجة النصوص والتنبؤ بالتسلسل التالي للكلمات في سياق معين لتقديم استجابات شبيهة بالبشر.
روبوت (ChatGPT) هو شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي يعززه التعلم الآلي، ويستخدمه أكثر من مليون شخص الآن ويثير مخاوف المعلمين والمحررين والكثير من العاملين في مجالات أخرى لأنه يستجيب لأسئلة المستخدم وأوامره ويقدم نصوصًا يصعب تمييزها عن تلك التي يكتبها البشر مما يسهل الغش دون القدرة على كشفه.
وعلى الرغم من عيوبه وظهور تحديات كثيرة حول استخداماته، إلا أن هناك بعض المختصين الذين تساءلوا حول كيفية استخدام ChatGPT لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في التواصل على التواصل بشكل أفضل مع الآخرين.
من أبرز المختصين الذين طرحوا هذا الأمر، وبدأوا بدراسته الباحثات في جامعة التكنولوجيا في سيدني، وهن: (برونوين هيمسلي) Bronwyn Hemsley رئيسة قسم أمراض النطق، و(إيما باور) Emma Power الأستاذة المشاركة في قسم أمراض النطق، و(فيونا جيفين) Fiona Given الباحثة المساعدة في القسم.
موضوعات ذات صلة بما تقرأ الآن:
وقد كتبت الباحثات في مقالتهن: “إذا أصبح هذا النوع من الذكاء الاصطناعي متاحًا للجميع، فيمكنه القيام بأكثر من كتابة التقارير والمقالات أو حل الواجبات المدرسية، يمكن أن يساعد الأشخاص الذين يعانون من إعاقات في التواصل وغيرهم ممن يعانون من صعوباتٍ في القراءة في تعزيز معدل التواصل بشكل كبير”.
يوجد حلول تقنية بالفعل ولكن هل تكفي؟
هناك العديد من أنواع إعاقات التواصل التي تؤثر في قدرة الشخص على التحدث أو الفهم أو الكتابة، حيث ترتبط صعوبة الكلام والتواصل الاجتماعي بمجموعة واسعة من الحالات، منها: الشلل الدماغي والسكتة الدماغية ومرض العصب الحركي وغيرها.
يمكن أن تؤثر إعاقات التواصل في وضوح الكلام وما يمكن قوله، ومهارات في القراءة والكتابة، وكذلك القدرة على فهم الآخرين أو التعبير عن النفس، ويمكن أن تعني إعاقة التواصل أن الشخص بحاجة إلى نص طويل لشرح وجهة نظره، حيث تتطلب كل كلمة مزيد من الجهد والوقت لإنتاجها أو كتابتها.
تعاني أجهزة توليد الكلام المتاحة حاليًا في السوق من معدلات التحدث البطيئة، فغالبًا ما يقتصر الأشخاص الذين يستخدمون أجهزة توليد الكلام على إدخال ما لا يزيد عن 10 كلمات في الدقيقة بشق الأنفس، ويصل معدل التنبؤ بالكلمات فقط إلى 18 كلمة في الدقيقة، وهو ما ينتج عنه معدلات تحدث بطيئة.
أحد أسباب عدم وجود محادثات موسعة؛ هو أن تصميم معظم أنظمة الاتصالات المعززة والبديلة (ACC) يركز على التواصل لإظهار الاحتياجات والرغبات فقط، ونادرًا ما نجد أنواع أكثر تعقيدًا من الاتصالات، مثل: مشاركة السرد الشخصي، لذلك البناء التشغيلي للخطاب السردي بطيء ومرهق جسديًا في هذه الأنظمة، وبدون الخبرة والدعم التكنولوجي لاستخدام السرد، تظل القدرة والرغبة في تمديد المحادثة بعيدة المنال.
كيف يمكن أن يساعد روبوت ChatGPT؟
يمكن أن تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي مثل: روبوت (ChatGPT) في جمع المعلومات معًا في نص أنيق، وتحويل النص المكتوب إلى نص مقروء للذين يعانون من مشكلة في الكلام أو اللغة أو التواصل.
لقد أتاحت المساعدات الصوتية – التي تعتمد في عملها على الذكاء الاصطناعي أيضًا – مثل: (أليكسا) Alexa، و(سيري) Siri للأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الكلام إمكانية التوصل بكفاءة أكبر. وبما أن الذكاء الاصطناعي يقوم بدور مهم في الاتصال والتفاعل، فإن استخدام المساعد الصوتي يتيح الوصول إلى المعلومات بشكل أسهل، وذلك يتم بمجرد التحدث إلى أجهزتهم.
لكن يبدو أن روبوت ChatGPT سيكون أكثر شمولاً للتنوع من خلال القدرة على فهم الأوامر المكتوبة بشكل غير صحيح، أو الجمل التي تحتوي على العديد من الأخطاء النحوية أو الإملائية، حيث يمكن لروبوت (ChatGPT) قراءة المدخلات سيئة التنظيم، وإعادة كتابتها، كما يقوم بتحسين الكتابة غير الكاملة، ويبسط النصوص المعقدة إلى ملخصات بسيطة للقراء.
يمكن اعتبار روبوت (ChatGPT) أداة تقنية مساعدة إذا كانت تساعد الأشخاص الذين يعانون من إعاقات التواصل في توصيل رسالتهم بشكل أكثر كفاءة أو فعالية.
كيف يرى الأشخاص الذين يعانون من إعاقات التواصل روبوت ChatGPT؟
تعتمد (فيونا جيفين) Fiona Given الباحثة المساعدة في قسم أمراض النطق في جامعة التكنولوجيا بسيدني بصفتها شخصًا مصابًا بالشلل الدماغي ولا يتكلم على تقنيات الاتصال المساعدة ومنها: أجهزة الاتصالات المعززة والبديلة لتوليد الكلام، وتعليقًا على ذلك تقول فيونا:
“كل كلمة ورسالة أقوم بكتابتها تستغرق وقتًا وجهدًا أكبر بكثير من الشخص الذي يتحدث، لذلك أقتصد في الكلمات، وغالبًا ما تكون رسائلي المكتوبة باستخدام التقنيات المساعدة الحالية قصيرة ومباشرة، وهذا يسبب العديد من المشكلات، حيث قد يُنظر إلي على أنني شخصية فظة، وأنا أيضًا لا أشرح ما أعنيه كاملًا”.
بعد اختبار ChatGPT، تقول فيونا:
“يمكن أن يكون روبوت ChatGPT مفيدًا بشكل خاص في إضافة الأجزاء المهذبة من رسائل البريد الإلكتروني والرسائل المرسلة عبر التطبيقات، ويمكن أن يوفر لي الوقت والجهد مع الحفاظ على احترافي. في يوم من الأيام، قد تتُثبت أدوات الذكاء الاصطناعي؛ مثل: ChatGPT في جهاز توليد الكلام الخاص بي. نعم، إنه يثير تساؤلات حول التأليف ويثير الشكوك حول من قام بالكتابة. هذا هو الحال أيضًا مع برامج توليد الكلام؛ من فكر في الكلمة أولاً؟ أرى أنه نوع من التأليف المشترك، وسيظل الأشخاص مثلي بحاجة إلى أن يكونوا قادرين على التعبير عن ما في أنفسهم، والتحقق من أنه يعكس ما يريدون قوله وتحرير المخرجات وتفويضها وفقًا لذلك”.
قد تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل: روبوت (ChatGPT) الأشخاص الذين يعانون من إعاقة في التواصل على:
- التوسع في الجمل القصيرة، مما يوفر الوقت والجهد.
- صياغة النصوص أو تحسينها لرسائل البريد الإلكتروني أو لمهام العمل.
- اقتراح نصوص للتمرن على ما يمكن قوله في المواقف الاجتماعية.
- التدرب على المحادثات، مثل: طرح الأسئلة والإجابة عنها.
- تصحيح الأخطاء في النصوص المنتجة لمجموعة من الأغراض المختلفة، مثل: كتابة رسائل الشكوى بشكل أفضل.
- المساعدة في التعامل مع الأشخاص الاجتماعيين الذين يتكلمون بسرعة.
يجب أن يكون ChatGPT شاملًا ويمكن الوصول إليه:
من المهم أن يستفيد الأشخاص الذين يعانون من إعاقات في التواصل من تطورات أنظمة الذكاء الاصطناعي التي نشهدها جاليًا، و نظرًا إلى قدرة روبوتات الدردشة التفاعلية (Chatbots) في تقديم المساعدة المستندة إلى النصوص، من المهم معرفة هل يمكن لهؤلاء الأشخاص الوصول إلى ChatGPT بشكل أفضل، وهل يمكن أثناء تطويره الأخذ في الاعتبار إمكانية تضمينه في أجهزة توليد الكلام؟
يتجاوز أعداد مستخدمي ChatGPT الآن مليون مستخدم، ولكن لا نعرف كم من هؤلاء المستخدمين يواجهون مشكلات في التواصل، وحتى الآن يبدو ChatGPT وكأنه أداة لمساعدة الأشخاص في إنتاج نصوص بجهد أقل في أسرع وقت.
لذلك تعد تجارب الأشخاص الذين يعانون من إعاقة في التواصل في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT أمرًا حيويًا في التصميم المستقبلي للتقنيات المساعدة. حيث إنه باستخدام قارئ الشاشة، يمكن أن تصبح مخرجات ChatGPT عبارة عن صوت المستخدم، وهو ما سيكون تطور مهم في أجهزة توليد الكلام.