شكّلت عملية القدس الفدائية مساء الجمعة، والتي أوقعت 7 قتلى إسرائيليين و5 جرحى بينهم 3 بحالة خطرة، وصفت حالتان بأنهما ميؤوس منهما، صدمة كبيرة للاحتلال مستوطنين وقيادةً سياسية وأجهزة أمنية وعسكرية، واصفةً نتائجها بأنها “فظيعة وقاسية”.
وعبّرت التعليقات الأولى للمراسلين العسكريين والأمنيين لقنوات الاحتلال ووسائل إعلامه عن حجم الكارثة التي حلّت بهم، إذ كشف الكثير مما قيل حتى الساعة عن فداحة تبعات العملية على أمن الاحتلال واستخباراته وأسطورة قبضته الأمنية المحكمة في الداخل المحتل.
“الشاباك” كان مستنفراً ويتوقع عملية!
جاءت العملية في وقت وظرف يفترض أن يكون التأهب الأمني من قبل الاحتلال وأجهزته في أعلى مستوياته، إذ إنّ ارتكاب الاحتلال لمجزرة جنين فجر أمس، والتي أوقعت 10 شهداء فلسطينيين، عنت أنّ أجهزة الاحتلال الأمنية ستكون مستنفرة حتى قبل تنفيذ العملية، لمحاولة تدارك أي تحرّك فلسطيني متوقّع للردّ عليها.
وهذا ما أشارت إليه “القناة 13” الاسرائيلية، في تأكيدها أنّ “الهجوم تمّ تنفيذه من تحت أنف الشاباك في القدس”، لأنّ العملية وجهت للجهاز الأمني الإسرائيلي ضربة مزدوجة.
كما أكّد المراسل العسكري لـ “يديعوت أحرونوت” أنّ “المؤسسة الأمنية كانت على علم بأن إطلاق الصواريخ من غزة كان مجرّد ردّ رمزي، لأنّ الفصائل تريد إشعال الأوضاع في الضفة والقدس”، مضيفاً أن “الأنظار في الحقيقة كانت متجهة إلى القدس وإسرائيل (الأراضي المحتلّة عام 1948)”.
وهنا تقع المشكلة الكبرى للاحتلال، ففي حال كان أمنه لا يتوقع الردّ بشكل جدي على مجزرة جنين، فهذه سقطة مرتبطة بتقديرات مطبخه الأمني الذي يدعي أنه يحفظ “عن ظهر قلب” العقل الفلسطيني ويتوقع خطواته مسبقاً.
وفي حال كان الاحتلال يتوقع أن يقوم الفلسطينيون بالردّ، بحسب ما قالوا، فقد جرت العملية في القدس المحتلة، المدينة الأمنية شبه المغلقة والتي تغرقها كاميرات الاحتلال الذكية فضلاً عن عناصره الأمنية الظاهرة والمتخفية، وحواجزه التي تفصل بين أحيائها وزواريبها.
منفّذ محترف لا يملك “الشاباك” خلفية أمنية عنه
وأشارت “القناة الـ13” الإسرائيلية إلى “احترافية منفّذ العملية” الشهيد خيري علقم (21 عاماً)، لافتة إلى أنّ “منفذ الهجوم أطلق الطلقة وراء الأخرى، وأصاب بصورة دقيقة. وعلى ما يبدو، لديه خبرة في الإصابة”.
بينما ذكرت وسائل أخرى أنّ المنفّذ، وهو خيري علقم من سكّان القدس، “يحمل هوية زرقاء وليس له خلفية أمنية”.
وهنا يظهر فشل كبير لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، التي ادّعت أنّ “كون المنفّذ من سكان القدس المحتلة و يحمل هوية زرقاء يجعل منع العملية صعباً جداً”.
وهذا ما يدعو للقلق بشكل أكبر بالنسة لـ”إسرائيل”، إذ إنّ الفدائي الفلسطيني الذي نفّذ العملية، بدا واضحاً أنه كان خاضعاً لتدريب دقيق حول ضبط النفس واغتنام الفرصة واستخدام المسدس بشكل دقيق وفعال.
وذكرت وسائل إعلام أنّ “منفذ العملية واصل إطلاق النار لمدة 20 دقيقة قبل وصول السرية الإسرائيلية”، في حين أنّ فترات الاستجابة لعمليات فدائية سابقة في القدس كانت مختلفة، وفق الإعلام الإسرائيلي.
ووصفت “القناة 12” الإسرائيلية “الأمر بأنه جولة قتل (أي أنّ المنفذ تنقل من مكان الى آخر لمسافات بعيدة واستمرّ في إطلاق النار)”، فيما أكّدت وسائل أخرى أنّ المنفّذ “تنقل من ساحة إلى أخرى”، وأنه “استمرّ “في إطلاق النار إلى أن تمّ تحييده”.
وهذا ما يعني أنّ المنفّذ تمكّن إلى حدّ كبير، أي لـ20 دقيقة كاملة في شوراع القدس المحتلة، من تجاوز “عقدة الأمن الذاتي” الذي يقوم به المستوطنون بشكل رديف لقوات أمن الاحتلال النظامية لمحاولة الإسراع في التصدي لأي عملية. ففي مرات سابقة، قام مستوطنون بإطلاق النار على منفّذي العمليات الفدائية والاشتباك معهم خلال دقائق، لقتلهم أو تعطيلهم بانتظار وصول قوات الاحتلال.
لا معلومات عن أي مساعدين محتملين للمنفّذ
وفي جزء من التحليل، يبدو الالتفات إلى ما لم يُقل، أهمّ من الالتفات إلى التصريح بنفسه.
فقائد شرطة الاحتلال في القدس أشار بدوره إلى أنّ “منفّذ العملية عمل لوحده”، مشيراً إلى أنهم “يبذلون جهوداً لتحديد مساعدين له”، في تصريح يتناقض جزءه الأول مع جزئه الثاني.
ولكن يبدو أنّ قائد الشرطة لم يرغب في أن يقول أنّ أجهزته تبذل جهداً لتحديد مساعدي المنفّذ، لغياب أي معلومات عن الذين ساعدوه في العملية.
وفيما استبعد الاحتلال أن يكون منفذ هذه العملية قد عمل بشكل منفرد، فقد أشارت وسائل إعلام الاحتلال نفسها إلى أنّ “المنفّذ لا بدّ أن يكون ذا خبرة في استعمال السلاح وتلقى تدريباً”، وهذا ما يضيف الزيت إلى نار مصيبة الاحتلال الأمنية.
العملية نفّذت بمسدّس حربي
وأخيراً، يبدو الخبر الأكثر دسامةً لدى أمن الاحتلال أنّ “المهاجم نفّذ العملية بمسدس”.
وقد انتشرت صورةً قيل إنها لمسدّس المنفّذ الذي أطلق بواسطته النار على المستوطنين وأردى منهم أكثر من 10 إصابات قاتلة، ويظهر أنّ المسدّس هو من نوع “بيريتا” عيار 9 ملم، ويمكن ان تصل حمولة مخزنه إلى 17 رصاصة.
وقد قام المنفّذ بتبديل المخزن أكثر من مرة بحسب وسائل إعلام الاحتلال، لا سيما أنّ الحديث جرى عن إطلاق نار استمرّ لمدة 20 دقيقة بشكل متقطّع، وإصابات قاتلة لأكثر من 10 أشخاص.
وهذا الخبر يحمل في تفاصيله قلقاً هائلاً للاحتلال، فضلاً عن كونه إنجازاً كبيراً للمقاومة الفلسطينية على مستوى التدريب وإعداد العنصر الفدائي المحترف القادر على تنفيذ عملية يريد الاحتلال إيهام العقل الفلسطيني بأنها “مستحيلة”.
ولكن بالنسبة للاحتلال، يعني ذلك أنّ إيقاع ما نحو 7 قتلى في صفوف مستوطنيه لا يحتاج إلى سلاح رشاش يصعب إخفاؤه، أو عبوة ناسفة يمكن تتبعها، أو مجموعة قتالية، بل يمكن القيام به بواسطة عنصر فدائي واحد، وبواسطة مسدس حربي من عيار 9 ملم.