عن الأزمة الاقتصادية في مصر..صادق الشافعي

لا يأتي الاهتمام العالي والخاص بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر فقط من حال التعاطف الإنساني والمحب لمصر وأهل مصر من مئات آلاف ممن درسوا في مصر وتخرجوا من جامعاتها، وعاشوا بين أهلها في سنوات الخمسينات والستينات، وتمتعوا بنعيم التعليم المجاني مقترناً بدفء الاحتضان المرحب المحب والكريم من أهلها. كما تمتعوا واستفادوا من حال النهوض الذي كانت تعيشه مصر في كل المجالات الوطنية بأفقها القومي، والمجتمعية والثقافية والفنية.
الزعيم القائد الوطني الفلسطيني ياسر عرفات – أبو عمار- كان يقول في مناسبات كثيرة ومتنوعة “أنا مصري الهوى”. لم يكن في ذلك مبالغاً ولا مجاملاً، بل كان يعبر عن الحال الموصوف وهو كان واحداً منه.
الاهتمام العالي يأتي أيضاً من حال القناعة الفكرية والسياسية والوطنية بأهمية وأساسية الدور المصري ومركزيته في عموم الوضع العربي على اتساعه وتنوعه وفي القضية الوطنية الفلسطينية ونضال أهلها بشكل خاص.
يأتي هذا الحديث في زمن وتوقيت تتعالى فيه المخاوف الشديدة والجدية والمخلصة على حال الاقتصاد المصري وما يمر به من صعوبات حقيقية يصل الكثيرون إلى وصفها بالأزمة.
ويتركز الحديث عن “أزمة” في عناوين رئيسية أوضحها التراجع الكبير في سعر الجنيه المصري وما يرتبط بذلك من ارتفاع في غلاء المعيشة وفي الشك بالقدرة على سداد الديون وفي الحصول على قروض جديدة.
ان هذا الحديث عالي الوتيرة الذي يدور عن هذا الحال للاقتصاد المصري يأتي في نفس التوقيت تقريباً الذي يتم فيه الاحتفال في مصر ومعها كل الشعوب العربية بانتفاضة الشعب المصري في خريف العام 2011 المباركة ضد الأوضاع غير الطبيعية التي كانت قائمة ومستمرة لسنوات عديدة من أجل إعادة مصر إلى وضعها الطبيعي داخلياً ووطنياً واقتصادياً وقومياً.
ويأتي أيضاً، ليذكر مؤكداً على قدرة مصر وأهلها وقواها وجيشها على تصحيح والتخلص من اوضاع شاذة سيطرت على مواقع السلطة والحكم فيها بسرعة وخلال فترة زمنية قصيرة.
ان الحديث الصريح من أعلى منصب مسؤول عن وجود أزمة اقتصادية يقدم المفتاح الصحيح والبداية الصحيحة للتصدي لها والخروج السليم والمعافى منها.
وسوف يجد كل استعداد وتجاوب وتعاون من أهل الوطن ليكون الحل والتعافي والخروج من الأزمة وطنياً مصرياً بالدرجة الأولى والأساس، حتى لو تطلب ذلك الصبر والتحمل، وأيضاً التجاوب والتعاون من أهل الوطن بالدرجة الأولى، وأن يجد مد العون والتعاضد والمساعدة المادية من الأشقاء العرب.
لا يفيد بهذه الحال التسرع في إلقاء اللوم في تسبيب الأزمة الاقتصادية على إنجازات اجتماعية وتطورية واقتصادية تم إنجازها في السنوات الأخيرة، مثل التوسع الكبير في شبكة الطرق، ومثل التعامل الإنساني والضروري في نفس الوقت مع مشكلة العشوائيات وحلها، ومثل بناء العاصمة الجديدة و..و.. غيرها من المشاريع الضرورية، وغير ذلك من الإنجازات، فكلها كانت ضرورية وتلبي حاجة لأهل الوطن ولتطور البلاد الطبيعي، ودون ان يلغي ذلك او يقلل من أهمية المراجعة المسؤولة والمتخصصة في نفس الوقت. ومن ذوي اختصاص ووطنيين بالدرجة الأولى، سواء من أهل الحكم والمسؤولين المباشرين او من خارجهم وبأوسع دائرة مختصة ممكنة.
ومن الطبيعي ان لا تقتصر عملية المراجعة والتقييم على العناوين الاقتصادية المحددة والمباشرة فقط، بل من المفيد وقد يكون من الضروري ربطها بعنوان رئيسي وعلى صلة مؤثرة بالعنوان الاقتصادي. مثل المسار والخط السياسي للدولة وعلاقاتها الدولية والقارية وتأثيرها على العلاقات الاقتصادية، وعلى ما يمكن تحصيله من تسهيلات اقتصادية مباشرة او غير مباشرة.
ويحتل موقعاً مميزاً في هذا المجال التعاون الاقتصادي مع الدول العربية والغنية منها بالذات سواء في مجال إقامة استثمارات لهذه الدول في مصر أو المساهمة في تمويل مشاريع اقتصادية مصرية أو إعطاء قروض بشروط تفضيلية، أو…
وقد يكون من الضروري ربط العنوان الاقتصادي وتأثره المباشر بموضوع -أو مشكلة النمو- السكاني لأهل مصر ومعدله شديد الارتفاع، بدون أي ضابط او مؤثر أو تدخل.
ويبقى التصرف غير المقبول اللجوء إليه لمعالجة الأزمة الاقتصادية هو اللجوء إلى بيع أو رهن أو القبول بدخول شريك في أي من أصول الدولة ومقومات الاقتصاد المصري الأساسية، من مثل اللغط الذي دار حول الاستعداد لبيع حصص من مؤسسة قناة السويس وقبول دخول شريك فيها.
ولحسن الحظ فإن هذا اللغط لم يكتسب أي مؤشر على حقيقته او جديته. فالقناة ومؤسسات أخرى شبيهة هي مؤسسات قومية تعود ملكيتها للشعب المصري وتشكل ركائز أساسية حاملة لاقتصاده لا تحتمل الشراكة.
وتبقى في المحصلة ان الثقة عالية جداً في قدرة أهل مصر ومؤسساتها وخبرائها على الخروج من هذه الأزمة بكل اقتدار.