قال المُستشرِق الإسرائيليّ المُخضرم آفي إيسخاروف إنّه “على الصعيد العسكريّ، كانت عملية الجيش بمخيّم جنين ناجحةً، ولكنّها بالمُقابِل أثبتت ما لاحظه الجانب الإسرائيليّ منذ وقتٍ طويلٍ، وهو أنّ المئات أوْ الآلاف من الشبان الفلسطينيين لا يخافون من الموت، أوْ الإصابة بجروحٍ، خلال مواجهاتهم مع إسرائيل”، على حدّ تعبيره.
وأضاف في مقالٍ نشره بصحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة)، ونقلته للعربيّة (مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة)، “كُتبت على عددٍ كبيرٍ من نُصب القتلى من المسلحين، وعلى جدران مخيمات اللاجئين، عبارة “احذروا الموت الطبيعيّ. لا تموتوا إلاّ تحت زخات الرصاص” (عبارة مأخوذة من الشهيد غسان كنفاني، من الجبهة الشعبية)، ويبدو أنّ العديد من الشبان في الضفّة الغربيّة يجعلون هذه العبارة شعارًا لهم في الحياة، أوْ بالأحرى في الموت”، طبقًا لوصفه.
ولفت المُستشرِق إلى أنّه “يوم الخميس، قُتل 9 فلسطينيين في جنين وآخر في رام الله، وبلغ عدد القتلى منذ بداية هذه السنة 30 قتيلاً خلال 26 يومًا فقط، وفي السنة الماضية، بلغ عدد القتلى من الفلسطينيين 155 قتيلاً، وفي سنة 2021، 80 قتيلاً، وهذا يعني أنّ وتيرة الحوادث والمعارك ترتفع بصورة لم نعرفها في الأعوام الأخيرة، والحافز لدى الشباب الفلسطينيّ على محاربة الجانب الإسرائيليّ يرتفع أيضًا، ولا يبدو أنّ شيئًا في الأفق السياسيّ أوْ الأمنيّ يمكنه أنْ يغيّر هذا التوجه”، كما أكّد المُستشرِق الإسرائيليّ.
وشدّدّ إيسخاروف، المُقرّب جدًا من المنظومة الأمنيّة الإسرائيليّة على أنّه “يمكن التقدير أنّ الهجوم الذي أُحبط أمس الأوّل جرى تمويله من جهاتٍ خارجيّةٍ، لكنّ الحافز المحليّ موجود من دون مساعدةٍ خارجيّةٍ”، لافتًا إلى أنّ “كلّ العناصر التي يمكن أنْ تدُلّ على استمرار التصعيد موجودة وتزداد: الدين، أيْ الحرم القدسيّ قبيل شهر رمضان الذي سيبدأ بعد شهر ونصف الشهر، الوضع على الأرض، المواجهات المتواصلة والمتزايدة بين فلسطينيين ومستوطنين في شتى أنحاء الضفة الغربية، الدم، أي العدد الكبير من الإصابات”، مؤكِّدَا أنّ “كلّ هذه العناصر تشكل برميلاً من البارود الذي نجلس فوقه في هذه الأيام، من دون أفق للتهدئة. وبالطبع، فإنّ تركيبة الحكومة اليمينيّة المتطرفة في إسرائيل لا تساعد على تهدئة الأجواء وإيجاد شريكٍ حقيقيٍّ في الجانب الفلسطينيّ”، كما قال.
وأشار إلى أنّ قرار السلطة بوقف التنسيق الأمنيّ لا يُمكِن أخذه بجديّةٍ، لكنْ من الواضح أنّه سيكون له أثمان. وأضاف: “مع ذلك، يجب القول إنّ السلطة الفلسطينيّة غيرُ موجودةٍ في جنين، وبالتأكيد ليس في مخيم اللاجئين، وتوقفت عن محاولة فرض حكمها على المكان، وليس المقصود فقط مسائل أمنية لها علاقة بإسرائيل، بل المقصود أمور بسيطة، مثل حركة المرور، أوْ أيّ مظهرٍ من مظاهر القانون والنظام”، على ما قاله.
ورأى أيضًا أنّه “هكذا سمحت السلطة بتحويل مخيم اللاجئين في المدينة إلى مركز للفوضى المحلية. فالشبان المحليون الذين لا ينتمون، في أغلبيتهم، إلى تنظيمٍ مُعيّنٍ، على الرغم من الصعود الكبير في قوة (الجهاد الإسلاميّ) في المدينة، فإنّ معظمهم يتحرك وفق الهوية المحلية، أيْ “ابن المخيم”، وهم يتوحدون تحت تنظيمٍ (كتيبة جنين)، وليس لديهم بالفعل مصدر سلطة واضح”، وفقًا لأقواله.
وأوضح أنّه “يجب التشديد على أنّه على الرغم من خصوصية جنين، فإنّ دوافع الشباب الفلسطينيّ إلى محاربة إسرائيل لا تنحصر فقط في شمال الضفة (جنين ونابلس)، إذ أنّ إطلاق النار على الجنود الإسرائيليين في أثناء عملهم في شرق الضفة تحول إلى ظاهرةٍ منتشرةٍ في الضفة كلّها، وأيضًا في بيت لحم (وبدرجة أقل في الخليل)، وعلى خط قلنديا وشمالها”، بحسب تعبيره.
وخلُص المُستشرِق الإسرائيليّ إلى القول إنّه “في جميع الأحوال، يمكن التقدير أنّ حادثة من نوع الحادثة التي وقعت في جنين أوّل من أمس الخميس لن تكون الأخيرة، ومن الصعب الرهان على استمرار الهدوء في غزة”، وفقًا لأقواله.