قالت صحيفة هآرتس العبرية، الجمعة، إن السلطة الفلسطينية التي لا زالت توالي اتفاق “أوسلو” لم تجد أي وسيلة للدفاع عن شعبها في بلدة حوارة جنوب نابلس، خلال هجمات المستوطنين المروعة الذين أحرقوا المنازل والمركبات.
ورأت الصحيفة في تقرير تحليلي لمعلقة الشؤون الفلسطينية في “هآرتس”، عميرة هاس، أن الساعات الخمس التي شهدت هجمات المستوطنين، والتي عكست عقودًا من التشجيع والتسامح مع مثلها من الجيش الإسرائيلي والشرطة والنيابة والمحاكم والحكومات في تل أبيب، أثبتت مرة أخرى مدى طاعة قيادة السلطة الفلسطينية للتقسيم المصطنع للضفة الغربية إلى فئات (أ .ب. ج)، وهو التقسيم المؤقت الذي أنشأته اتفاقية أوسلو والذي كان من المفترض أن تنتهي صلاحيته عام 1999.
وتقول هاس: “إليكم سبب آخر يحتقر ويمقت قيادة السلطة الفلسطينية: بينما أعضاء أجهزتها الأمنية الذين خضعوا للتدريبات في كل من الدول العربية والغربية، لم يجدوا وسيلة لحماية شعبهم من هجمات المستوطنين، إلا إنهم موجودون دائمًا لقمع شعبهم، وهذا ما حصل صباح الأربعاء بعد أن تمع منع مؤتمر صحفي مباشر لمؤيدي مبادرة 14 مليون، لمحاولة إحياء منظمة التحرير والدعوة لانتخابات عامة، وكأن كلمة انتخابات تهديد نووي، حاصر عناصر الأجهزة الأمنية المبنى الذي يقع فيه استديو وطن، واقتحموا مكاتبه لإفشال المؤتمر الصحفي”.
وتضيف هاس: “الرسالة الواضحة للسلطة الفلسطينية هي أنها مستمرة في التمسك بالاتفاقات مع إسرائيل (بما في ذلك التنسيق الأمني، الذي يستمر على الرغم من إعلانها رسميًا تعليقها مؤقتًا)، لكنها غير ملتزمة باتفاقياتها مع المعلمين، أحد أهم القطاعات لرفاهية شعبها”.
وتتابع: “الأزمة المالية حقيقية: إسرائيل مستمرة في حجب مئات الملايين من الشيكلات من عائدات السلطة الفلسطينية كل عام، وهو مبلغ يتزامن مع خصم مدفوعات المخصصات لأسر الأسرى، لكن الجمهور الفلسطيني لا يعتقد أنه لا يوجد مال من أجل رواتب المعلمين”.
وأشارت إلى أن بلدة حوارة والطريق المزدحم الذي يمر عبرها، تم تصنيفهما منذ أكثر من 25 عامًا بأنها “منطقة ب”، ويحظر على الشرطة الفلسطينية العمل هناك، وعلى ضباطها التجول بأسلحتهم والزي الرسمي، ولكن يتواجد باستمرار الجيش الإسرائيلي والقوات الخاصة المدججين بأسلحتهم، ويعلم الجميع ما هي وظيفتهم ومن يجب أن يحمون (في إشارة للمستوطنين).
ولفتت لانتشار المستوطنات والبؤر الاستيطانية في منطقة جنوب نابلس خاصة يتسهار وبؤرها التي وصفتها مثل “عش الغراب”، والتي قالت إن سكانها يخلقون الرعب الذي يفرضونه هناك في قرى بورين ومادما وحوارة وعقربا وبيتا وغيرها، منذ سنوات طويلة، إلى جانب قطعهم للأشجار وسرقة محاصيل الزيتون، والحرق المتعمد، وإطلاق النار على المزارعين وغيرها، وهي عمليات ليست “انتقامية” ولكنها محسوبة للاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية من خلال العنف والترهيب، وكل ذلك جرى ويجري تحت رعاية الجيش الإسرائيلي واحتكاره للأمن، ومن الواضح أنه لم يحاول أي جهاز أمني فلسطيني الاعتراض عليه من أجل حماية سكان تلك المنطقة من مهاجميهم المحتملين.
وتقول هاس: “بدلاً من توجيه حكومة نتنياهو – سموتريش – بن غفير، الشكر للسلطة الفلسطينية على طاعتها وولائها، فإنها تلقي عليها المسؤولية واللوم عن كل وفاة إسرائيلي في الأراضي الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة – أي الضفة الغربية بأكملها و إسرائيل – وفي الوقت نفسه تطالبها بالسيطرة على الشباب الفلسطينيين اليائسين وغير المهرة الذين سلحوا أنفسهم داخل المدن، ولا عجب أن يكون الجمهور الفلسطيني مليئًا بمشاعر الحب والإعجاب بهؤلاء الشباب المسلحين، على الرغم من أنهم أيضًا غير قادرين وكفؤين ومهرة ومستعدين لحمايته جسديًا من اعتداءات المستوطنين وإحباط الزحف والسيطرة وسرقة أراضيه”.
وأشارت إلى سخرية أهالي نابلس من دعوة جهاز الأمن الوطني الفلسطيني الذي عرض على سكان حوارة الذين فروا من منازلهم بفعل اعتداءات المستوطنين أو الذين لم يستطيعوا العودة إليها، أن يتم إيواؤهم في مقره.
واعتبرت أن من الأسباب المعقولة التي لم تدفع الأجهزة الأمنية الفلسطينية للتدخل أنهم سيتعرضون للقتل من الجنود الإسرائيليين، وقد يعتقل بعضهم ويتم محاكمتهم لسنوات طويلة.
ولفتت إلى أن قيادة السلطة الفلسطينية منذ سنوات لم يغيروا من المعادلة ويضعوا شروطًا واضحة ومحددة لاستمرار التنسيق في وجه هذ الاعتداءات وكانت فقط أفعالهم تقتصر على الإداناة والمطالبات بتفير الحماية الدولية.
وقالت معلقة الشؤون الفلسطينية في صحيفة هآرتس: إنه كان على السلطة أن ترسل عناصرها بدون أسلحة وزي عسكري لتشتيت المستوطنين في القرى التي يتم مهاجمتها بشكل منتظم.
وأضافت “هاس”: “كان بإمكان السلطة الفلسطينية إبلاغ إسرائيل بفعلها ذلك، لأن الجيش والشرطة لا يؤدون واجبهم وفق القانون الدولي وحتى اتفاقيات أوسلو .. كان من الممكن أن إرسال كبار المسؤولين وقادة الأجهزة الأمنية وعناصرها للقيام بدوريات منتظمة، والمشاركة في الحرث والحصاد ورعي الأغنام معهم، والتوضيح للجانب الإسرائيلي أن القادة غير متاحين لاجتماعات التنسيق الأمني مع الجيش الإسرائيلي والشاباك والإدارة المدنية التي يجب عليهم حماية شعبهم”.
وتختم “هاس”: “الاستنتاج الواضح هو أنه في نظر الأجهزة الأمنية الفلسطينية وقائدها العام محمود عباس، ليس فقط التنسيق الأمني ولكن أيضًا حدود البانتوستانات التي أنشأها الانقسام الأبدي المؤقت إلى A.B.C، باتت مقدسة، لأن هذه هي الطريقة التي يتم بها الحفاظ على المصالح الاقتصادية والشخصية الضيقة للغاية للطبقة الحاكمة المنقطعة عن شعبها”.