عبّر يهود الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق عن رفضهم لخطة الإصلاح القضائي التي بادرت بها حكومة نتنياهو، وفقًا لصحيفة “لوموند” الفرنسية.
وقالت الصحيفة الفرنسية: إن الأصوات الرافضة لخطة الإصلاح القضائي بدأت تتعالى بشكل ملحوظ في الولايات المتحدة.
وأضافت أن الصورة الأكثر لفتا للنظر في هذه التعبئة ضد الحكومة الإسرائيلية، كانت تدخل الحاخام الأمريكي ريك جاكوبس، في نهاية شهر فبراير في تل أبيب أمام حشد من المعارضين. وتم الترحيب برئيس الاتحاد من أجل اليهودية الإصلاحية، الذي يضم مليوني شخص في الولايات المتحدة، عندما عبّر بالعبرية عن قلق اليهود الذين يعيشون خارج إسرائيل.
وقال عبر الهاتف: “نحن نتحدث بدافع الحب. حان الوقت الآن للالتزام بدولة يهودية وديمقراطية. هذان المصطلحان مهددان اليوم من قبل التحالف المؤلف من متدينين متطرفين وقوميين متطرفين، والذي لديه رؤية تفوّق لليهودية، وليس رؤية شاملة للعلمانيين والإصلاحيين.
وتابع يقول: “لا أستطيع أن أتخيل دولة يهودية غير ديمقراطية. مع هذه التغييرات الدراماتيكية، ستتعرض جميع الأقليات للتهديد، بسبب عدم وجود دستور، ومحكمة عليا لم تعد قادرة على الدفاع عنهم”، على حد تعبيره.
وأشارت صحيفة “لوموند، إلى توقيع نحو 400 حاخام خطابًا مفتوحًا في نهاية ديسمبر 2022، أعلنوا فيه أنهم سيعارضون أي حديث داخل مجتمعاتهم، من قبل أعضاء متطرفين في التحالف الحاكم بإسرائيل. يستشهد النص بالعديد من المشاريع القانونية التي من شأنها أن “تسبب ضررًا لا يمكن إصلاحه” للعلاقة بين يهود الخارج وإسرائيل، ولا سيما ضم أجزاء من الضفة الغربية، وتآكل حقوق الأقليات، وبالطبع الإصلاح القضائي.
صاحب المبادرة بشأن هذه الرسالة هو الحاخام ديفيد تيوتش، في نيويورك. وهو ناشط منذ فترة طويلة ضد الاحتلال في الضفة الغربية.
يقول هذا الأخير: “بالنسبة لأولئك منّا الذين يعارضون الفاشية اليهودية على أسس سياسية وأخلاقية، فإن هذا يؤدي إلى أكبر انقسام في التاريخ بين اليهود الأمريكيين الليبراليين وحكومة إسرائيل”. ويعترف ديفيد تويتش بسهولة أنه لم يكن ليستخدم تعبير “الفاشية اليهودية” علانية قبل بضعة أشهر.
لكن الحاخام يعتقد أن الوعي لم يكتمل بعد، قائلاً: “العديد من اليهود الأمريكيين لم يربطوا بين الأزمة الداخلية في إسرائيل وما يحدث للفلسطينيين، بما يتجاوز الخط الأخضر [الفصل الذي يعود تاريخه إلى عام 1949]. لكن هذا سيحدث. بالنسبة للكثيرين، أدت المذبحة التي نظمها المستوطنون في بلدة حوارة الفلسطينية إلى إيقاظ فظّ، وغيّرت نظرة هؤلاء المستوطنين”.
وأشارت الصحيفة إلى أن البعض الآخر يفضل التركيز على الأزمة المؤسسية، على غرار أوفير جوتلزون الذي غادر إسرائيل وانتقل إلى الولايات المتحدة في عام 2011، حيث أنشأ شركة ناشئة في وادي السيليكون، تقدم مكتبة رقمية لتخزين رسومات الأطفال وصورهم. يعرّف أوفير جوتلزون، نفسه بأنه “أمريكي إسرائيلي يتمتع بفخر يهودي قوي جدًا”. وقد أسس في سان فرانسيسكو، منظمة تسمى UnXeptable، تدين تصرفات اليمين الإسرائيلي.
كانت الجمعية إحدى منسقي المسيرة في واشنطن يوم 12 مارس، أمام الفندق الذي كان يقيم فيه وزير المالية الكاره للأجانب بتسلئيل سموتريتش. ويشرح أوفير جوتلزون: “نحن لا ننتقد الاحتلال أو الضم. نستنكر الرغبة في تغيير قواعد اللعبة الديمقراطية وموازين القوى. لقد تم اتهامنا بأننا فوضويون ويساريون، لكن هذه الأزمة من عمل الحكومة وانقلابها القضائي!”.
ومضت “لوموند” موضحة أنه على الجانب الإسرائيلي، فإن الأزمة الحالية هي تتويج لاتجاهات رئيسية تعود إلى اغتيال رئيس الحكومة إسحاق رابين على يد متطرف يهودي عام 1995. ومنذ ذلك الحين، تبلورت حركة مزدوجة: صعود قوة المستوطنين حول إمكانية السلام مع الفلسطينيين.
وتابعت “لوموند” القول: كما أننا ندرك لحظة التمزق هذه في ما يسمى بالصحافة “السائدة” تحت الأقلام الشهيرة. في 7 مارس، كتب كاتب العمود توماس فريدمان مقالة لاذعة في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان “اليهود الأمريكيون.. يجب أن تختاروا جانبكم في إسرائيل”. وقال: “إسرائيل تواجه أكبر صراع داخلي لها منذ تأسيسها، وكل حاخام وكل زعيم يهودي في أمريكا يسكت عن هذه المعركة، لم يعد مهمًا”.
كانت هذه اليقظة القسرية ملحوظة في رسالة مفتوحة نُشرت في 13 مارس من قبل ما يقرب من 250 مستثمرًا يقيمون في الولايات المتحدة، جاءوا من جميع الخلفيات السياسية، حيث أرسلوا تحذيراً غير مسبوق إلى بنيامين نتنياهو، جاء فيه: “سيصبح من الصعب بشكل متزايد الدفاع عن إسرائيل دوليًا إذا نجح مشروع التحالف”. وقتها سيشعر هؤلاء المستثمرون بأنهم مضطرون لإعادة تقييم ثقتهم في إسرائيل كوجهة استثمارية استراتيجية.
حتى في الكابيتول – توضح لوموند- حيث استفادت إسرائيل دائمًا من الدعم القوي من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ينتشر القلق. في مجلس النواب، كتب الديموقراطي جيرولد نادلر، المنتخب من نيويورك والطالب السابق في مدرسة دينية (يشيفا)، عمودًا في صحيفة “هآرتس” العبرية اليومية في 25 يناير، قال فيه “أخشى بشدة أن هذه العلاقة الأساسية [بين البلدين] يمكن أن تتوتر بشكل لا رجعة فيه إذا مضت إسرائيل قدما في تعديلات وزير القضاء المناهضة للديمقراطية”.
واستنكرت ميريام أديلسون، أرملة شيلدون أديلسون، المؤسس الراحل لصحيفة “إسرائيل اليوم” ما قالت إنه “تسرع الحكومة الإسرائيلية في المصادقة على الإصلاحات، مما أثار الشكوك حول عمل غير مسؤول”. وتعتبر عائلة أديلسون، التي ما تزال معادية للدولة الفلسطينية وتدعم المستوطنين، من بين أهم المانحين لدونالد ترامب. وقد انتهج هذا الأخير سياسة مواتية تمامًا لليمين الإسرائيلي، ودعمه في ذلك الإنجيليون الأمريكيون.
من ناحية أخرى، يحتفظ الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بمرارة شديدة تجاه اليهود الأمريكيين الذين يعتبرهم جاحدين للجميل، توضح “لوموند”، مشيرة إلى أنه دعاهم في شهر أكتوبر الماضي إلى “توحيد صفوفهم وتقدير ما لديهم في إسرائيل قبل فوات الأوان”. ففكرة الولاء المزدوج هذه عبّر عنها ترامب بالفعل في نهاية عام 2021 بقوله: “اليهود في الولايات المتحدة إما لا يحبون إسرائيل أو غير مهتمين بإسرائيل”.
لقد ارتبطت أيضًا صعوبة إجراء مناقشة حول مستقبل إسرائيل داخل المجتمعات اليهودية الأمريكية الليبرالية، في السنوات الأخيرة، بعودة ما يسمى بـ”معاداة السامية”، وهي مزيج من الكليشيهات في العصور الوسطى والفاشية الحديثة، بحسب “لوموند”، مضيفة أن دونالد ترامب نفسه تحمّل ذلك وزاد من تأجيجه. ويشهد على ذلك إشاراته الشديدة إلى شخصية الملياردير اليهودي من أصل مجري جورج سوروس، وإلى مصطلح “العولمة”. إنها تعزز في صفوف اليهود الأمريكيين، أهمية القتال بلا حدود ضد الصعود غير الليبرالي.