الأزمة الداخليّة في دولة الاحتلال الإسرائيليّ باتت أبعد من الموافقة أو معارضة الانقلاب القضائيّ، الذي تقوده الحكومة الحاليّة، علمًا أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أعلن ليلة أمس الاثنين عن تأجيله، ولكنْ ليس إبطاله، علمًا أنّ القوى المُناهِضة له تُطالبْ بإلغاء الانقلاب من الأساس.
القضية اللافتة جدًا للمُتابِع لما يدور في الدولة العبريّة هو الأمر الجارِف الذي أصدرته الرقابة العسكريّة الإسرائيليّة والذي يمنع الإعلام من نشر “التهديدات الحساسّة والفوريّة” التي يتعرّض لها الكيان في هذه الفترة بالذات، علمًا أنّ الأمر صدر بُعيْد عملية (مجدو) يوم الثالث عشر من شهر آذار (مارس) الجاري، وهي العملية المنسوبة، بشكلٍ غيرُ رسميٍّ لحزب الله اللبنانيّ، والذي لم يُعلِن مسؤوليته عنها.
وفي هذا السياق لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ جميع المُحلِّلين والخبراء والمُراسلين العسكريين في دولة الاحتلال، يُشدّدون في تقاريرهم على مدار الساعة بأنّ التهديدات خطيرة جدًا، دون أنْ تسمح لهم الرقابة بالنشر أكثر من ذلك.
علاوةً على ذلك، وَجَبَ التنويه في هذه العُجالة إلى أنّ نتنياهو أقال وزير الأمن، يوآف غالانط، في خطوةٍ غيرُ مسبوقةٍ على خلفية قيام الأخير بالاجتماع معه وعرض التقديرات الأمنيّة التي قام بصياغتها قائد هيئة الأركان، الجنرال هرتسي هليفي، وقائد جهاز الاستخبارات الخارجيّة (الموساد)، دافيد بارنيع، ورئيس جهاز الأمن العّام (شاباك)، رونين بار، والذّين أكّدوا فيها أنّ التهديدات الفوريّة ضدّ إسرائيل حقيقيّة وخطيرة، طبقًا للإعلام العبريّ.
إلى ذلك، في اجتماعٍ عقده ليلة أمس في تل أبيب قادة الأجهزة الأمنيّة في السابق، من حركة (قادةٌ من أجل أمن إسرائيل)، شنّ رئيس جهاز الاستخبارات الخارجيّة الأسبق، تامير باردو، هجومًا عنيفًا على رئيس وزراء دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وقال مُوجّهًا لكامه له: “لقد قُمتَ بعملٍ غيرُ مسبوقٍ، وزير الأمن يوآف غالانط حاول أنْ يُخبِرك بأنّ إسرائيل تُواجِه خطرًا حقيقيًا وفوريًا، ولكنّك آثرت الهرب إلى لندن، وبعد ذلك قُمتَ بإقالته من منصبه، لم يعُد لديك ضميرًا، قْمْ واذهب”، على حدّ تعبير باردو.
وكان باردو قد قال مؤخرًا إنّه يخشى أنْ يؤدّي الانقلاب على الجهاز القضائيّ الذي تقود الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة، إلى تحويل إسرائيل لدولةٍ لا يرغب في العيش فيها، مشيرًا إلى أنّه لن يترك إسرائيل ولا يشجع الآخرين على الهجرة.
وأضاف باردو: “أعتقِد أنّ حزمة الإصلاح الشاملة ستدفع إسرائيل نحو الدكتاتوريّة”، مُشيرًا في الوقت ذاته إلى أنّنا “نخون قيمنا الأساسية كما حددتها إعلان استقلال إسرائيل، وأنّ الدفاع عن هذه القيم كلّف الكثير من الدماء والكثير من الجنود”، طبقًا لأقواله.
أمّا رئيس جهاز الأمن العّام الأسبق وقائد سلاح البحريّة الإسرائيليّة في الماضي، الجنرال احتياط عامي أيالون، فقال في الاجتماع عينه إنّ حركتيْ حماس الفلسطينيّة وحزب الله اللبنانيّة تتحدّثان علنًا عن قرب زوال إسرائيل، وتابع قائلاً: “يجِب علينا أنْ نُفضِّل الاعتبار لأمن إسرائيل على أيّ اعتبارٍ آخر، بما في ذلك الانتماء السياسيّ والحزبيّ”، طبقًا لأقواله.
من ناحيته قال الجنرال احتياط متان فلنائي، نائب رئيس الهيئة العامّة لجيش الاحتلال سابقًا في مؤتمر الحركة إنّ “الحكومة الإسرائيليّة أوصلتنا إلى حالةٍ من الانكسار العميق، ذلك أنّه لا يُمكِن أنْ يكون لدينا جيش الشعب في ظلّ الديكتاتوريّة، جيش الشعب يكون فقط تحت نظام حكمٍ ديمقراطيٍّ فقط”، على حدّ تعبيره.
وأضاف الجنرال فلنائي إنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ لا يعرف ولا يعلم أين يعيش ويحيا، مُشدّدًا على أنّ قرار نتنياهو “منح وزير الأمن القوميّ، الفاشيّ إيتمار بن غفير الصلاحية لإقامة ما يُسّمى بالحرس الوطنيّ هو تمامًا كمنح المافيا الإيطاليّة جيشًا خاصًّا”، وفق أقواله.
في الخلاصة يُمكِن القول إنّ إسرائيل إلى جانب أزمتها الداخليّة تعيش تهديداتٍ “مجهولةٍ”، لا يُمكِن النشر عنها وفقًا لأوامر صُنّاع القرار في الكيان، ولذا فإنّه يتحتّم
التساؤل: هل قضية التهديدات تنحصِر في حزب الله؟ أمْ أنّ إيران عادت إلى الواجهة بعد اقترابها بسرعة إلى دولةٍ على عتبة النوويّ، وهو الأمر الذي أعلنت إسرائيل رفضه القاطِع؟
وأيضًا: هل التحذيرات من خوض الكيان حربًا متعددة الجبهات باتت ملموسةً على أرض الواقع؟ كما أنّه يجِب الأخذ بعين الاعتبار أنّ إسرائيل ما زالت تُهدِّد بتوجيه ضربةٍ عسكريّةٍ لتدمير البرنامج النوويّ الإيرانيّ، علمًا أنّ حليفتها، الولايات المُتحدّة الأمريكيّة، تُعارِض آنيًا اللجوء للخيار العسكريّ ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة.