مع إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تعليق تشريعات خطة ائتلافه الحكومي الرامية إلى إضعاف السلطة القضائية، ينبغي أن نعيد إلى الأذهان تقييما سابقا فحواه أن أقصى ما أراده مناهضو الخطة، سواء من أحزاب المعارضة الصهيونية كافة، أو من أجهزة المؤسسة الأمنية، أو من قطاعي الاقتصاد ورجال الأعمال، وحتى من بعض الطيف الحزبي اليميني، هو عدم تسبّب تلك الخطة بإزاحة إسرائيل إلى صيرورة أقلّ ديمقراطية من صيرورتها الديمقراطية القائمة (الإثنوقراطية) والتي حالت، حتى الآن، دون تعريضها إلى المساءلة القانونية، ولا سيما من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، على خلفية جرائمها ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ 1967. وهي صيرورة بدا، حتى وقت قريب، أن نتنياهو يدرك منافعها الجمّة، ولن يُجازف بالمساس بها، حتى لو كانت لديه دوافع شخصية، من شأنها أن تحرّك غرائز مكبوتة في اتجاه الانقلاب على الجهاز القضائي الذي تجاسر على محاكمته بتهم فساد.
ومباشرة، بعد إعلان نتنياهو تعليق التشريعات، ألمحت الوزيرة الليكودية السابقة، ليمور ليفنات، إلى ذلك، حين كتبت: “يتساءل كثيرون من قادة الولايات المتحدة والدول الغربية الذين نحمل وإياهم قيما مشتركة: لماذا يحاول نتنياهو تدمير الجهاز القضائي الذي بفضل السمعة الدولية التي يحظى بها لم يتم تقديم الطيارين والضباط والمقاتلين الإسرائيليين الذين خاضوا ويخوضون المعارك خلف خطوط العدو إلى المحاكمة في لاهاي؟”.
[قاموس إسرائيلي مستجد]
على صلة
قاموس إسرائيلي مستجد
ينطوي تلميح ليفنات بشكل جلي على ما يشير إلى اختباء الولايات المتحدة وأغلب الدول الغربية وراء ذريعة “القيم المشتركة” لتسويغ أمرين: الأول، العلاقة الخاصة لهذه الدول مع إسرائيل، بالرغم من أنها دولة غير عادية، والتي يمكن اعتبارها إلى حدّ ما علاقة استثنائية. والثاني، التعامل المتسامح مع ما ارتكبته إسرائيل ولا تزال ترتكبه من آثام إلى حدّ التغطية عليها.
وعلينا إضافة أن ما زاد الطين بلّة، وأجّج عاصفة الاحتجاجات الكبيرة التي تشهدها إسرائيل منذ ثلاثة أشهر، تركيبة الائتلاف الحكومي القائم، والتي يمكن القول إنها جاءت واشية بأن التطلعات الجديدة لتيار الصهيونية الدينية في المدى الأبعد، سواء على صعيد ماهية نظام الحكم (دولة شريعة يهوديّة) أو على صعيد الخطاب السياسي (حسم الصراع مع الفلسطينيين)، انتقلت مما يوصف بأنه الهامش السياسي الإسرائيلي إلى المتن.
ما حدث أول من أمس، إثر إعلان نتنياهو المُشار إليه بشأن تعليق التشريعات، هو دخول الخطة الحكومية، والعاصفة التي أثارتها وسارت في خطّ متصاعدٍ ونامٍ، في عطلة اختيارية؛ عطلة الأعياد. وقد تحمل هذه العطلة عوامل هدوء العاصفة أو بالعكس، قد تعيد الأمور إلى نقطة الصفر ثم تندلع مرة أخرى. وما يتعيّن التشديد عليه أن الحجّة الظاهرة للعاصفة، وهي خطة الانقلاب القضائي، باقية، فالاحتجاجات لم تؤدّ إلى إحباطها كليّا، والتأكيدات الصادرة عن أطراف الائتلاف الحكومي تؤكّد، في معظمها، أنها ستُطرح من جديد بعد انتهاء العطلة التي ستكون أشبه بـ”استراحة المُحارب”.
إلى أن تنجلي الأمور أكثر نرغب في تسجيل ملاحظتين سريعتين: أولا، منذ اندلاع عاصفة الاحتجاجات يكاد لا يمرّ يوم إلا وتتحدث فيه وسائل إعلام عن إعلان ضباط وجنود احتياط رفض المشاركة في تدريبات عسكرية، احتجاجا على خطة الانقلاب القضائي، وما يترتّب عليها. وما يجب ملاحظته أن هذا ليس رفضا فعليا للقيام بمهمات عسكرية قتالية، ولم تُسجّل بعد أي حالة كهذه، بل هو رفض للمشاركة في تدريبات روتينية، مع وجوب التنويه بأن هؤلاء جميعا متطوّعون، أي إن مشاركتهم هذه طوعية، وليست تلبية لأوامر، كي ينطبق على عدم قيامهم بها المصطلح الراديكالي رفض.
ثانيا، في حال أنه سيكُتب النجاح لحركة الاحتجاج في إحباط مشروع الانقلاب القضائي، من شأن ذلك أن يرفع من الرصيد الأخلاقي لإسرائيل في العالم، بالرغم من غلواء ما تنتهجه في الأرض المحتلة منذ 1967 من ممارسات عسكرية واستيطانية.