;jf أ. نبيل أحمد صافية:
أ. نبيل أحمد صافية
من المعلوم والطّبيعيّ أن تعود سورية للجامعة العربيّة ، ورغم أنّ هذا ليس مطلباً شعبيّاً سوريّاً ، لكنّ الواقع بات يفرض ذلك ، والغريب أنّ بعض المحلّلين السوريين كانوا ينعتون الجامعة بالحظيرة ، وانطلاقاً من ذلك ، يمكن أن يُوجَّه لهم السّؤال :
ما رأيهم بها بعد عودة سورية إليها ؟ وهل ستبقى _ من وجهة نظر أولئك المحلّلين _ حظيرة ؟ ولماذا أطلقوا عليها تلك المسمّيات ؟، ألم يدركوا أنّها وإن خرجَت منها _ ولو مؤقّتاً _ ستعودُ مهما طالَ الزّمن … ؟!. و يمكن للشّعب العربيّ السّوريّ أن يتساءل أيضاً :
ماذا عن الدّماء التي أُريقت في سورية ؟، فمن يتحمّل تبعاتها وتداعياتها ؟، ولماذا قبلت سورية بالعودة ووافقت عليها ؟، وماذا ستجني منها ؟!..
إنّ قراءة تحليليّة للأوضاع السّياسيّة على السّاحة الإقليميّة العربيّة حاليّاً تشير إلى مشاركة سورية في القمّة العربيّة التي ستُعقَدُ في الرّياض في التّاسع عشر من مايو/ أيّار القادم ، بعد انطلاقة عودة العلاقات العربيّة العربيّة إلى ما كانت عليه بعد قطيعة دامت لسنوات منذ الرّبيع العربيّ مع نهاية العقد الأوّل من القرن الحالي ، وأراها قمّة عربيّة سوريّة بامتياز.
وسيكون لتلك العودة السّوريّة للجامعة العربيّة انعكاساته وارتداداته الطّبيعيّة ، وإنّي أرى أنّ هناك تحوّلاتٍ سياسيّةً كبيرة في المنطقة خصوصاً والعالم عموماً ، باتت تفرض على سورية والجامعة العربيّة أن تعودا لسابق عهدهما ، وسنشهد بعض المتغيّرات السّياسيّة والاقتصاديّة العربيّة ، لتمثّل نتائج لتلك العودة ، وهي _ كما أرى _ وفق الآتي :
فعلى المستوى الدّاخليّ لسورية : نلاحظ أنّ تلك العودة مرتبطة بالظّرف الإقليميّ ، وإنّ أهمّ ما يمكن أن يتمّ إعادة الأمن والاستقرار إلى الأراضي العربيّة السّوريّة جميعها ووحدتها تحت راية الوطن الواحد الموحّد سياسيّاً واقتصاديّاً ، وإخراج القوّات التي تحتلّ سورية إن كانت الأمريكيّة أو التّركيّة وقوّات هيئة تحرير الشّام من إدلب وقوّات سورية الدّيمقراطيّة من شرق الفرات وكذلك تنظيم داعش من البادية السّوريّة ، وكذا الحال للقوّات الصّديقة كروسيا مع بقاء القواعد العسكريّة الضّرورية لها سواء في حميميم وغيرها ، بما يتمّ الاتّفاق عليه مع سورية ، وكذلك بعض القوّات الإيرانيّة مع ضمان سياسيّ واقتصاديّ لهما ، رغم أنّ هيئة مستشارين إيرانيين أكثر من كون تسميتهم قوّات ، وتحريك المجال السّياسيّ والدّبلوماسيّ من أجل فتح قنوات الاتّصال لإعادة الإعمار ، وكسب المزيد من العلاقات والتّحالفات العربيّة والإقليميّة والعالميّة ، وحلّ الأزمة السّوريّة وإيجاد حلّ سلميّ يضمن الاستقرار والسّلام الدّاخليّ أيضاً وليس الخارجيّ فحسب ، فكلاهما متوازيان ، وذلك الحلّ يؤدّي _ بطبيعة الحال _ لاعتماد دستور يحقّق العدالة الديمقراطيّة والمساواة بين مختلف الشّرائح الاجتماعيّة والسّياسيّة في تحمّل المسؤوليّة والرّقابة والمتابعة بحيث يتمّ تطبيقه بصورة دقيقة ، وتحسّن في المستوى الاقتصاديّ بصورة عامة بعد رفع العقوبات المفروضة على سورية ، وتحقيق مطالب الشّعب العربيّ السّوريّ داخليّاً بالإفادة من الثّروات الباطنيّة لدعم المستوى الاقتصاديّ الشّعبيّ بما يسهم في تحقيق الازدهار والتّطوير الاقتصاديّ لسورية ، ومن الأهمّيّة أيضاً المضي في الإصلاحات الدّاخليّة الكثيرة المطلوبة من الدّولة السّوريّة _ بعد انتهاء الأزمة _ في مختلف المجالات سياسيّاً واقتصاديّاً وخدميّاً وإداريّاً ، وعودة سورية لمكانتها الطّبيعيّة عربيّاً ودوليّاً وتحقيق التّعاون الإقليميّ وتعاون سورية مع محيطها لمزيد من التّرتيبات الأمنيّة في العراق وغيره أيضاً ، ومن الطّبيعيّ أن تتمّ عودة العلاقات العربيّة معها بعد رفع الحظر المفروض على الدّول العربيّة للانفتاح العربيّ نحو سورية بحضور القمّة وتبادل السّفراء .
وإنّ عودة سورية للجامعة يحقّق لها دعماً عربيّاً وتأييداً لها في ردّها القريب على الاعتداءات الصّهيونيّة المتكرّرة ، والتي كانت سورية تحتفظ فيها بحقّ الرّدّ ، لكنّ ذلك الرّدّ بات وشيكاً جدّاً ، ويتبعه اتّفاق السّلام السّوريّ الإسرائيليّ بعد وقف إطلاق النّار ، وهذا ما أشرت إليه في بحث من أربعة أجزاء نشرته في عام ألفين وعشرين تحت عنوان : ” التّطبيع السّوريّ الإسرائيليّ القادم ( اتّفاق السّلام ) ، وأكّدت أنّ الأزمة السّوريّة لن تنتهي إلّا بحرب مع إسرائيل ، وقد غدا معظم الشّعب العربيّ السّوريّ قابلاً أيّ شيء يحقّق أمنه واستقراره وسلامه بغضّ النّظر عن التّطبيع والتّطبيل .
وعلى المستوى العربيّ : تشكّل العودة خطوة مهمّة جدّاً في إنهاء حالة التّمزّق العربيّ ، وتؤدّي إلى حالة استقرار في الشّرق الأوسط ، وتغيير المعادلات الإقليميّة والدّوليّة في المنطقة ، وسيكون للإمارات العربيّة المتّحدة أهمّيتها في المنطقة والعالم كونها _ وفق ما أرى بوابة السّلام العالميّ الجديد وعاصمته الاستراتيجيّة ، تَبَعاً لما ستقوم به من وساطة بين الطّرفين السّوريّ والإسرائيليّ لاحقاً ، وهي التي سعت أيضاً لوساطة عربيّة بين سورية والمملكة العربيّة السّعوديّة ، وهو ما سيمهّد الطّريق لسورية عربيّاً أيضاً ، ولعلّ تلك العودة للجامعة العربيّة عبر البوابة السّعوديّة ستعيد رسم السّياسات نحو سورية ، بعد أن تلقى دعماً عربيّاً مطلقاً ، وسيكون له تأثيره الاقتصاديّ في المنطقة ، عندما يتمّ العمل على تعزيز الأمن والاستقرار والمشاركة في التّكامل الاقتصاديّ والاستثمارات بين دول المنطقة .
باحث ومحلّل سّيّاسيّ
وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية