ما يضج به الإعلام الإسرائيلي من تصريحات لمسؤولين إسرائيليين وتسريبات لمصادر سياسية وعسكرية إسرائيلية حول الاستعداد لعمل عسكري يوحي بان جيش الاحتلال سيختار الوقت المناسب لتنفيذ عدوان ما في أحد الجبهات، الأرجح ان تكون غزة بحيث تكون مفاجئة وموجعة وسريعة يستعيد الكيان الإسرائيلي إثرها الردع امام اعدائه والذي تآكل بشكل ملحوظ وفق التوصيف الإسرائيلي ومن المؤشرات على ذلك:
اولا: اجتماع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع زعيم المعارضة يائير لبيد في احاطة أمنية عادية لكنها جاءت بحضور قادة أجهزة الأمن الإسرائيلية، والتي بعدها قال لبيد رغم مهاجمته نتنياهو انه سيدعم اي عمل عسكري يقوم له الجيش في أي جبهة من الجبهات.
ثانيا: تلميحات بعض الوزراء الاسرائيلي في المجلس السياسي الأمني المصغر “الكابنييت” ومنهم افي ديختر ويسرائيل كاتس ان اسرائيل ستعود إلى سياسة الاغتيالات الممركزة ضد قادة المقاومة في الداخل والخارج.
ثالثا: ما تسرب عن نتنياهو بعد اتصالاته برؤساء المستوطنات في جنوب وشمال فلسطين لطمأنتهم ورفع معنوياتهم من قوله ان الرد الإسرائيلي على الصواريخ لم ينته بعد وعليهم الانتظار بعض الوقت ليروا ذلك.
رابعا: قرار قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال اليعازر توليدانو بالتشاور مع رئيس بلدية سديروت ألون دفيدي إلغاء حفل الفنان حانان بن آري وتأجيله إلى موعد آخر خوفاً من إطلاق صواريخ، حيث كان من المفترض أن يقام الحفل في منطقة مفتوحة وأن يحضره حوالي 5000 شخص.
خامسا: استدعاء مزيد من كتائب الاحتياط في حرس الحدود وجيش الاسرائيلي ونشر جنود إسرائيليين لأول مرة في مدينة تل ابيب منذ سنوات طويلة حيث كان يقوم بالمهام الأمنية فيها حرس الحدود الشرطة الإسرائيلية وكذلك تنشيط سلاح البحرية ودورياته في عرض البحر.
سادسا: الانتشار المكثف للطيران الإسرائيلي في كل انحاء فلسطين شمالا وجنوبا بحيث عطل رحلات الطيران و٢٠٪ من شبكات الهواتف الذكية، ولوحظ بشكل أساسي بقاء طائرات المراقبة المسيرة على مدار الساعة في سماء غزة دون مغادرتها للحظة واحدة.
سابعا: امتناع شرطة الاحتلال عن اقتحام الأقصى وطرد المعتكفين والاعتداء عليهم لليوم الثالث على التوالي من أجل تهدئة الوضع في القدس تمهيدا لعدوان محتمل في جبهة اخرى مع فهم اسرائيلي متزايد بان الاقصى سيبقي فتيل الاشتعال ومحط التكتل العربي والاسلامي والتنديد الدولي به.
ثامنا: نشر مزيد من القبة الحديدية في مناطق متفرقة في فلسطين وشمال وجنوب ووسط فلسطين وكان لافتا نصب عدد منها في أحياء القدس المحتلة في إشارة واضحة لتحسب إسرائيلي من تكثيف الضربات الصاروخية للمقاومة نحو القدس التي تعتبر صاعق التفجير الأكبر في الموجة الحالية من المواجهة مع الاحتلال.
لا يعني كل ما سبق ان جيش الاحتلال يوشك بالفعل على المبادرة لعدوان فقد تكرر سيناريو التهديدات الإسرائيلية وعلى لسان نتنياهو واستدعاء الاحتياط بل ونشر الدبابات حول قطاع غزة اكثر من مرة ولم يل ذلك اي هجوم عسكري.
الأرجح ان كل هذه الأجواء التي يخلقها الإعلام الإسرائيلي تهدف الى طمأنة وتخفيف حدة الخوف والهستيريا التي يعيشها الاسرائيليون بعد العمليات الاخيرة واطلاق الصواريخ شمال وجنوب فلسطين وفي الجولان السوري، والوقت كفيل بإعادة الهدوء إليهم ونسيان حالة التوتر، وبعد اطلاق الصواريخ من لبنان على شمال فلسطين الخميس الماضي واجتماع “الكابنييت” بدا ان عدوانا إسرائيليا واسعا عنيفا سينفذ خلال ساعات قليلة لكن ما حدث كان العكس بالاكتفاء بقصف بعض المواقع الفارغة.
لا يعني هذا الاستنتاج أيضا ان الاحتلال لن يقوم باي عدوان فهو خيار ربما يكون مطروح بقوة لدى نتنياهو لتحقيق الاجماع الإسرائيلي في قضية ما وسط بحر الخلافات والانقسامات التي لم تتوقف منذ توليه رئاسة الحكومة قبل أكثر من ثلاثة أشهر، إلا أنه هناك الكثير من الموانع امام مثل هذا العدوان يؤخذ في الحسابات الإسرائيلية والتي تتفاوت في درجة أهميتها في هذا السياق ومنها:
اولا: النتائج التي سينجم عنها اي عدوان ومدى انجاز أهدافه والتي تتلخص باستعادة الردع وهو عنوان كل الحروب السابقة مع المقاومة، إلا أن ذلك لم يتحقق رغم الزعم الإسرائيلي بعكس ذلك لكن سرعان ما يعترف كيان الاحتلال بتآكله بعد أيام من قليلة من انتهاء العدوان.
ثانيا: تصدي المقاومة للعدوان بالأدوات العسكرية التي تمتلكها وطورتها على مدى السنوات السابقة وأوقعت خسائر كبيرة بين الجنود والمستوطنين وأصابت الجبهة الداخلية الإسرائيلية بشلل كامل يلحق أضرارا إضافية بالاقتصاد الإسرائيلي الذي يعاني من تراجع ملحوظ جراء تداعيات ما يسمى التعديلات القضائية.
ثالثا: انقلاب الصورة مع استمرار العدوان ووقوع خسائر بين الجنود والمستوطنين والتي بات المجتمع الإسرائيلي لا يتقبلها وتقابل بتحميل المسؤولية للحكومة الإسرائيلية عنها وتحول العدوان الى مستنقع مع امتداده لأسابيع وتغير المزاج الحربي لدى الإسرائيليين نتيجة انغلاقهم في البيوت والملاجئ وارتفاع الخسائر في الأرواح.
رابعا: اشتعال الساحات الأخرى حال العدوان في واحدة منها وكانت معركة سيف القدس مؤشرا على ذلك، وقد ينضم عامل جديد بمشاركة جبهات أخرى في المعركة وكان إطلاق الصواريخ من لبنان والجولان مؤشرا على ذلك.
خامسا: الانعكاسات التي تضر بمسار التطبيع الإسرائيلي مع بعض الأطراف العربية فأي عدوان سيؤدي على الأقل الى تبريد هذا التطبيع وصولا الى التراجع عن بعض مجالاته بجانب ما قد يفرزه ذلك العدوان في الشارع العربي والإسلامي من حراك شعبي وكانت الحشود الكبيرة التي تجمعت في العاصمة الأردنية عمان مطالبة بطرد السفير الإسرائيلي وقطع العلاقات مع الكيان مؤشرا على ذلك.
سادسا: الموقف الدولي الذي ينتقد بشكل أكبر من ذي قبل الاعتداءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى فلن يكون تفهم دولي لاي عدوان كما كان يحدث سابقا خاصة في ظل حكومة اليمين المتطرف ووزيرها بن غفير وسموتيرتش، وفي ظل التوتر الحالي بين نتنياهو والرئيس الأمريكي جون بايدن فان إمكانية التساوق الأمريكي مع أي عدوان قد يتراجع بشكل ملحوظ.
سابعا: الانعكاسات التي يتركها أي عدوان على السلطة الفلسطينية بمزيد من الضعف لها وإمكانية انهيارها في ظل حراك شعبي واسع يشتبك مع الاحنلال في نقاط المواجهة الكثيرة في الضفة المحتلة والاحتكاك مع المستوطنين وما يفرزه العدوان من انضمام مزيد من أعضاء أجهزة الامن لعملية الاشتباك مع الاحتلال.
في كل الأحوال ما يسرب إسرائيليا حول عدوان قريب في أحد الساحات قد يدخل في باب الحرب النفسية وتحقيق ما يمكن ان يسمى الردع النفسي في خلق حالة ترقب وحذر لدى المقاومة لإشغالها بالتخفي أكثر من المقاومة وجعل حساباتها أخرى في ظل الحضور الكبير لتهديدات الاحتلال، إلا انه في المقابل كل ما صدر عن استعدادات عسكرية إسرائيلية ناتج عن فعل المقاومة وما اوقعته من ضربات مؤلمة في الاحتلال لم يستطع استنفاره الواسع وانتشار قواته وقفها ونداء الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين مرة أخرى بحمل السلاح يؤكد على فشل المنظومة الأمنية الإسرائيلية في هذا السياق.