نفذ جهاز الموساد الإسرائيلي في 16 أبريل عام 1988عملية كبرى، انتهت باغتيال خليل الوزير “أبو جهاد” الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية، والمسؤول عن قيادة جهاز “القطاع الغربي”.كان “أبو جهاد” واسمه الكامل خليل إبراهيم محمود الوزير، وراء التخطيط للعديد من العمليات “الفدائية” ضد إسرائيل في الداخل والخارج، بصفته المسؤول العسكري في حركة فتح، وكان له دور في الدفاع عن بيروت أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وفي عمليات نفذت بعد الخروج من العاصمة اللبنانية والتمركز في تونس.
ولد خليل إبراهيم محمود الوزير في 10 أكتوبر عام 1935 في مدينة الرملة، وكان والده صاحب مخبز. بعد استيلاء الإسرائيليين على الرملة عام 1948، طردوا أهلها منها، ولجأت عائلة خليل الوزير إلى قطاع غزة، واستقرت في مخيم البريج.
أكمل خليل الوزير دراسته الثانوية في القطاع، ثم التحق بجامعة الإسكندرية في مصر، وانتقل في عام 1959 إلى الكويت حيث عمل مدرسا حتى عام 1963.
في الكويت أسس مع الزعيم التاريخي لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، منظمة “فتح” بشقيها السياسي والعسكري.
قررت إسرائيل في عام 1982، القضاء على “أبو جهاد”، وأوكل تنفيذ المهمة، بجانب جهاز الموساد، إلى وحدة القوات الخاصة الإسرائيلية “سايرت متكال”، أو الوحدة 269.
البداية كانت في إعلان مدير الموساد ناحوم أدموني في اجتماع للجنة خاصة في 10 ممارس 1988، أن عملاء جهازه بالتعاون مع الجيش والاستخبارات العسكرية “أمان” والقوات الخاصة، يمكنهم تنفيذ عملية للقضاء على “أبو جهاد”.
أعضاء تلك اللجنة والتي تسمى “فاراش” وافقوا على التحضير لعملية سميت “سيف جدعون”، وأوكلوا مهمة التخطيط لها إلى رئيس الأركان العامة الجنرال دان شومرون، ونائبه في ذلك الوقت، إيهود باراك ورئيس الاستخبارات العسكرية، أمنون ليبكين شاحاك.
استرشد الإسرائيليون في التخطيط لعملية اغتيال أبو جهاد، بعميلة سابقة أطلق عليها اسم “ينبوع الشباب”، كانت نفذت في بيروت، وجرى خلالها اغتيال ثلاثة قادة لفتح هم، كمال عدوان، كمال ناصر وأبو يوسف النجار في 10 أبريل عام 1973.
الفريق الذي أوكلت له عملية الاغتيال تدرب في هذا السياق على اقتحام فيلا مشابهة، لتلك التي يقيم فيها أبو جهاد في ضاحية، سيدي بوسعيد بالعاصمة التونسية.
خلال الاستعدادات لاغتيال خليل الوزير، أبو جهاد في تونس، أرسل الموساد إلى هناك في 12 أبريل 1988، ثلاثة عملاء، هما رجلان وامرأة، تحت ستار سياح لبنانيين، قيدت على جوازات سفرهم أسماء، جورج نجيب، عاطف علام، وعائشة شريدي.
هؤلاء استأجروا حافلتين صغيرتين من طراز “فولكس فاغن”، وسيارة نوع بيجو 305، وقاموا بعملية استطلاع في محيط سيدي بوسعيد، حيث توجد فيلا أبو جهاد.
في نفس ذلك اليوم، أبحر 30 فردا من وحدة القوات الخاصة “سايرت متكال” على متن زورق صاروخي تابع للبحرية الإسرائيلية، في اتجاه الساحل التونسي.
عملية “سيف جدعون” بدأت الساعة 01:00، يوم 16 ابريل 1988، بنزول قوات الكومندوز الإسرائيلي على شاطئ رواد، على بعد 12 ميلا من ضاحية سيدي بوسعيد. هناك كان عملاء الموساد في انتظارهم في السيارات التي تم استئجارها.
بالتزامن مع ذلك، أرسلت طائرة بوينغ 707 إسرائيلية، مزودة بمعدات استطلاع لاسلكي، ومعدات للحرب الإلكترونية والتشويش، إلى ممر جوي على بعد 30 كيلو مترا من الساحل التونسي. تلك الطائرة كانت أيضا بمثابة مركز قيادة للعملية. وكان على متنها إيهود باراك وأمنون شاحاك.
ما أن وصلت القوات الخاصة التابعة لوحدة “سايرت متكال”، إلى سواحل تونس، حتى عملت الأجهزة على متن البوينغ، وتم تعطيل الاتصالات اللاسلكية في منطقة العملية.
في الساعة الثانية من صباح ذلك اليوم، توقفت حافلة “فولكس فاغن” صغيرة وسيارة بيجو 503 أمام االمبنى الذي يسكنه أبو جهاد، وكان على متنها مع فريق متقدم بملابس مدنية، قام بقطع كابل الاتصالات، وبعدها انتظروا وصول الفريق الذي سينفذ عملية القتل.
وصلت في الساعة 02:45 حافلة صغيرة ثانية إلى منزل أبو جهاد، وكانت تحمل ثمانية رجال وامرأة، يرتدون الزي الرسمي لقوات مكافحة الإرهاب التونسية.
هؤلاء انقسموا إلى مجموعتين تتكون من 4 أفراد، واندفعوا نحو فيلا القيادي الفلسطيني، قتلوا سائق أبو جهاد في سيارته، وحارسا عند البوابة، واندفعوا داخل المنزل.
قتل المهاجمون حارسين آخرين، ثم خرج “خليل الوزير” بعد سماعه الضجة إلى مكتبه في الطابق الثاني، وحمل مسدسه من الدرج، إلا أنه قتل على الفور. اخترقت جسده 75 رصاصة وتسببت قي قطع يده اليمنى التي كانت تحمل المسدس.
خرجت انتصار، زوجة أبو جهاد، وابنته حنانة البالغة من العمر 14 عاما، من غرفتيهما بعد سماع إطلاق النار.
اعترضهما الإسرائيليون ووضعا في مواجهة الحائط، ثم أمرتا بالصعود إلى الطابق الثاني، إلى الغرفة التي كان ينام فيها ابن أبو جهاد الصغير، ويبلغ من العمر عامين.
هناك أطلق ثلاثة من أفراد القوات الإسرائيلية الخاصة النار على السقف والجدران، ثم غادر الجميع الفيلا بعد خمس دقائق من بدء عملية الاغتيال.
طيلة ذلك الوقت، كانت المرأة الوحيدة في فريق الاغتيال تصور كل ما يجري بكاميرا فيديو.
عادت القوات الخاصة الإسرائيلية بعد العملية إلى شاطئ رواد قرب سيدي بوسعيد، وهناك تركوا السيارات المستأجرة، واستقلوا قاربا نقلهم إلى القارب الصاروخي الذي كان ينتظرهم في عرض البحر.