تُعزز الحكومات الإسرائيلية بشكل رسمي، بواسطة وزارة التربية والتعليم، النزعات القومية – العنصرية لدى الحريديين، بموافقتها على منهاج موضوع المدنيات الذي يُدرّس في المدارس الحريدية فوق الابتدائية. ويستند كتاب المدنيات إلى مقولات من أساطير التوراة التي تزعم أن لا حق لغير اليهود بفلسطين التاريخية كلّها، وأنه بالإمكان طرد السكان غير اليهود من “أرض إسرائيل” المزعومة.
ومن المقولات التي الواردة في الكتاب، أن المحكمة العليا الإسرائيلية “تدوس على الأغلى والأقدس لشعب إسرائيل على مر الأجيال كلّها”؛ وأن المبادئ الأساسية للدولة يجب أن تستند إلى “دستور إلهي أبدي، لا يمكن تغييره” فقط لا غير؛ وأنه لليهود فقط “ملكية أبدية على أرض إسرائيل”؛ وأن “قيما سامية للحرية والمساواة، التي يتعامل البشر معها بصورة غير محدودة، من شأنها أن إلى استعباد أحلك الغرائز”.
وأفاد تقرير نشرته صحيفة “هآرتس” حول هذا الكتاب اليوم، الثلاثاء، بأن معلمين وخبراء في التربية، علمانيين وحريديين، ينتقدون بشدة هذا الكتاب، والموافقة الصامتة على مضامينه من جانب وزارة التربية والتعليم. وهم يحذرون من تجاهل هذه المضامين منذ سنوات عديدة، التي تدرس في المؤسسات التعليمية الحريدية الآخذة بالاتساع.
ولفتت الصحيفة إلى أن الاتفاقيات الائتلافية لحكومة بنيامين نتنياهو الحالية قلصت ما تبقى من الإشراف على جهاز التعليم الحريدي.
حسب معطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، فإن عدد الطلاب في جهاز التعليم الحريدي في العام الدراسي الحالي يقارب 387 ألف طالب، أي ربع جهاز التعليم العبري وخُمس إجمالي جهاز التعليم. ويبدو أن عددا قليلا جدا من الطلاب الحريديين يطلعون على كتاب المدنيات، لأنه يُدرس في المدارس التي يتقدم طلابها لامتحانات البجروت (التوجيهي)، والذين كان عددهم 2900 طالب في السنة الدراسية 2019 – 2020. ويشكل هؤلاء 12% من أصل 24 ألف طالب في سن 18 عاما في جهاز التعليم الحريدي. وتشير المعطيات إلى أن حوالي 23% من الطالبات الحريديات حصلن على شهادة البجروت، مقابل 4% من الطلاب الحريديين.
ووضع كتاب المدنيات للمدارس الحريدية مناحيم هكوهين أوستري، وهو بعنوان “كمواطن جديد”، وتم إجراء تعديل أخير عليه في العام 2017. ويعتبر كتاب التدريس الأساسي في الأطر الحريدية التي يتقدم طلابها لامتحان بجروت رسمي. لكن وزارة التربية والتعليم توجه طلاب من أطر تعليمية أخرى للاطلاع على هذا الكتاب. ونقلت الصحيفة عن المستشار السابق للوزارة في موضوع التعليم الحريدي، د. ميري هوروفيتس، قوله إنه حذر من استخدام هذا الكتاب، “فهو غير معقول بصورة متطرفة، لكن كانت هناك ضغوطات سياسية سمحت بتدريسه”.
ويقارن الكتاب بين الحريديين واليهود غير الحريديين: “لا يوجد تشابه بين توجه اليهود المؤمنين، الذين يسيرون في درب الآباء، وبين توجه أولئك من أبناء شعبنا، الذين ما زالوا بعيدين عن جذور اليهودية ويعتقدون أن شعب إسرائيل هو مثل باقي الشعوب. ومن شأن عدم طاعة الرب فقط أن يقود للبحث عن حلول بديلة، مثل الليبرالية والاشتراكية والشيوعية”.
وأشارت مقدمة الكتاب إلى “أننا نبدأ دراسة المدنيات بدءا من فترة التأسيس الحقيقية لشعب إسرائيل، من مقام جبل سيناء، وليس من نقطة الانطلاق الاصطناعية لإقامة الدولة”. ويقارن الكتاب بين “أمم العالم” و”شعب إسرائيل”. ويعتبر الكتاب أن ميزة اليهود “كشعب يسكن لوحده”، وأن الدستور لدى أمم العالم هو “نتيجة اتفاق بين فئات الشعب”، بينما الدستور لدى “شعب إسرائيل هو رباني، أبدي وغير قابل للتغيير”.
وفي سياق الأسطورة التوراتية حول “الوعد الإلهي بأرض إسرائيل لشعب إسرائيل”، جاء في الكتاب أن هناك “الحق بطرد الشعوب السبعة التي تسكن البلاد (حسب الأسطورة التوراتية). ولذلك لا توجد لدى المستوطنين في الأرض، التي باتت ملك أحد آخر قانونيا، أي ذريعة للمطالبة بحق الملكية عليها”.
ويتطرق الكتاب إلى الفترة الحالية ويعزز فكرة الترانسفير، معتبرا أنه “ينبغي السماح للسكان (غير اليهود) بالاختيار بين إذا كانوا معنيين بالبقاء في المكان كرعايا أجانب وتقبل القيود السلوكية التي تُمليها التوراة عليهم، أو أنهم يفضلون مغادرة البلاد”.
ويرفض الكتاب فكرة الديمقراطية. ويقتبس في هذا السياق من أقوال الزعيم الروحي السابق للحريديين الليتوانيين، الحاخام إليعزر شاخ. “ما هي الديمقراطية؟ الحرية ألا تكون مقيدا أبدا! لكن الحقيقة هي أن التوراة فقط تمنح حرية حقيقية للبشرية. والإنسان ملزم بأن تكون هناك قوانين تقيده. ويمكن للرب فقط أن يأمر بذلك”.
ورغم أن الكتاب صدر في العقد الماضي، إلا أنه يأتي كمقدمة لخطة “الإصلاح القضائي” التي تدفعها الحكومة الحالية لإضعاف جهاز القضاء. وبحسب الكتاب، فإن القضاء النشط والتدخل في قرارات الحكومة التي تتعارض مع قوانين أساس، في فترة رئيس الحكمة العليا الأسبق، أهارون باراك، أدى إلى توسيع “الرقابة القضائية، لدرجة وصف المحكمة العليا بأنها ’ديكتاتورية قضائية’”، وأنه “للمحكمة العليا في إسرائيل قوة غير محدودة”.