بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي:
اعتاد جيش الاحتلال في السنوات القليلة الماضية أن يشكو من أنفاق المقاومة ومن صواريخها التي باتت تتطور وتتنوع، ويزداد مداها ويتعاظم أثرها، ثم أصبح يشكو من الطائرات المسيرة التي تصل إلى العمق، ترصد وتصور، وربما باتت تستطيع أن تلقي أسلحةً إلى المقاومين، وفي الأيام القليلة الماضية تضايق كثيراً من مضادات الصواريخ المختلفة، التي أصبحت قادرة على أن تحد من قدرة طائراته المغيرة وعدوانه الدائم ، أو على الأقل أن تشوش عليها وتعيق حركتها وتعطل بعض فعاليتها، أو تسبب لها اضطراباً في وظيفتها وفشلاً في مهمتها، إضافةً إلى غيرها من الأسلحة الجديدة المهربة إليها أو المصنعة محلياً التي باتت تقلقه وتزعجه.
لن يتوقف جيش الاحتلال عن الشكوى والأنين، والتذرع بقدرات المقاومة وأسلحتها، وجاهزيتها واستعدادها، في محاولةٍ منه لتبرير عجزه وضعفه، وتردده وفشله، وعدم قدرته على تحقيق أهدافه وإنجاز مهماته، علماً أن قيادته تعمل منذ سنوات على ما يسمى إعادة ترميم الجيش واستعادة قدرته وهيبته، واسترجاع ماضيه الذي تميز فيه بالتفوق والردع والقدرة على الحسم السريع في أصعب الظروف وأقل الخسائر.
ولعل خطة تنوفا التي عمل عليها رئيس أركان جيش الكيان السابق أفيف كوخافي على مدى أربع سنواتٍ، لم تفلح في ترميم جيشه وتحسين صورته واستعادة هيبته، على الرغم من عشرات المناورات المختلفة بالذخيرة الحية في أكثر من مكان، بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية وعشرات الدول العربية والأوروبية، ورغم ذلك ما زال جيشهم يقف عاجزاً أمام المقاومة، ولا يستطيع تفكيكها والسيطرة عليها، أو نزع سلاحها وقتل واعتقال عناصرها، رغم حملاته المتكرة وعدوانه الدائم، وعنفه المفرط وقوته الفائضة.
آخر الشكاوى الإسرائيلية من المقاومة الفلسطينية أنها باتت تمتلك أنواع متعددة من قذائف الهاون، ذات الأعيرة والقدرات المختلفة والمديات المتفاوتة، التي يصل مدى بعضها إلى أكثر من 10 كلم، وتستطيع إصابة أهدافها بدقة نسبية، في الوقت الذي لا يستطيع الجيش تتبع مساراتها وتحديد أماكنها وقصفها، إذ يلزم لإصابتها وتدميرها قصفها بصورة مباشرة، وإلا فإنها تبقى مهيأة للاستخدام دائماً.
ومما يزيد من الصداع الإسرائيلي أن هذه القذائف لم تعد مهربة فقط، حيث وصل بعضها قديماً من إيران، بل باتت المقاومة الفلسطينية قادرة على تصنيعها وتطويرها، ومحاكاة القذائف الإسرائيلية نفسها، أي أنها قذائف متجددة وكثيرة العدد وتستطيع المقاومة إنتاج وتخزين الآلاف منها، وهي قد تفاجئ العدو إذ لا تتسبب في إطلاق صافرات الإنذار، كما أن القبة الفولاذية لا تستطيع اعتراضها وإسقاطها، ويستطيع مطلقوها تغيير مرابضهم بسهولةٍ وسرعةٍ كبيرةٍ، بحيث لا يستطيع الجيش تحديد مكانها وضربها.
تلحق قذائف الهاون التي يصعب تحديد أماكنها أو وقف إطلاقها أضراراً كبيرة بالكيان الصهيوني، وتعتبر إلى جانب صواريخ الكورنيت وغيرها من أخطر الأسلحة المرتجلة التي تملكها المقاومة، حيث يسهل نقلها وسحبها وإخفاؤها واستخدامها في الأماكن المكشوفة والمغلقة، ويمكن إطلاقها من فوق المباني ومن فوهات الأنفاق، كما يسهل نقلها وتخزينها بكمياتٍ كبيرةٍ في غرفٍ محصنةٍ تحت الأرض، حيث تتراوح أوزان مختلف أجيالها بين 5-17 كجم.
ويبدو أن لدى المقاومة الكثير منها، الجاهزة للإطلاق والمعدة للتخزين، ولدى معاملها القدرة على تصنيع الجديد وتعويض المستودعات، بما يعمق أزمة الكيان، ويفاقم حالته سوءً، ويجعل صداعه مزمناً، ومعاناته دائمة، وشكواه مريرة لا شفاء منها ولا علاج لها إلا بتفكيكه وزواله، إيذاناً بالفجر الآتي والصبح القريب، والعودة المجيدة والدولة العتيدة، والقدس العاصمة والأقصى الشريف، والأسرى الأحرار والأرض المطهرة.
لن يرتاح الكيان الصهيوني ولن يطمئن إلى أمنه، ولن يأمن المقاومة ولن يسلم من جديدها، فهو لا يكاد يخرج من كابوسٍ حتى يداهمه كابوسٌ آخر، يقلقه ويزعجه وربما يخيفه أكثر.
فالمقاومة العربية عموماً والفلسطينية خصوصاً الواثقة بالنصر، باتت تسبب للعدو صداعاً مستمراً وأرقاً دائماً، فهي قريبة جداً من مدنه ومستوطناته، وتعترض طرقهم وتتقاطع مع شوارعهم، وترصد مواقعهم وتحدد احداثياتهم، وتصور مراكزهم وتتابع حركتهم، وتخترق حواسيبهم وتتجسس على مكالماتهم، وتراقب أنشطتهم وتجمع المعلومات من حواراتهم، وتعرف لغتهم وتفهم عقلهم وطريقة تفكيرهم، وتستطيع الوصول إلى أهدافها بسهولةٍ ويسرٍ، لقرب الأماكن المستهدفة، ودقة القذائف الصاروخية الجديدة، ومدياتها المتعددة، وقدراتها المتفاوتة، وخبرة المقاومة المتراكمة، وتجربة المقاومين المتمرسة.