الدبلوماسية القطرية تجاه القضية الفلسطينية: الدعم والتأييد والمناصرة..

تساؤل كبير يطرحه البعض في الساحة السياسية: كيف نجحت قطر أن تفرض حضورها في المشهد الفلسطيني، وأن تصبح لاعباً مهماً -لا غنى عنه- فيما يتعلق بواقع السلم والحرب بين الفلسطينيين وإسرائيل؟ وكيف تمكنت من أن تكون المثابة الآمنة لقيادة حركة حماس، والمرجعية التي لا يتم تجاوزها في تحركات التهدئة ووقف العدوان إذا ما استعرت المواجهات مع قطاع غزة، وغدت نُذر الحرب على الأبواب.
السؤال الآخر: كيف استطاعت قطر بناء هذا المستوى من الثقة مع قيادة حماس إلى درجة اعتبارها واحدةً من أهم الدول التي يتم تبادل الرأي والمشورة معها فيما يخص قضايا الوساطة، وكذلك في مجال بناء وتحسين علاقاتها العربية والدولية؟
لا شكَّ أن دولة قطر رغم تضاؤل جغرافيتها ومحدودية سُكّانها، إلا أنها استطاعت بسياساتها الخارجية ودبلوماسيتها الحكيمة والفاعلة من تحقيق نجاحات لم تقدر عليها دول أخرى كانت -تاريخياً- أكثر منها عراقة وأكبر مكانة في المنطقة، كما أن إنجازها لملف الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتفكيك الحصار الظالم عنها، وأدوار الوساطة التي لعبتها لفضِّ أكثر من صراع داخل المنطقة العربية، قد منحها ثقة الكثير من اللاعبين الدوليين حول العالم.
اليوم، تلعب قطر دوراً محورياً فيما يتعلق بالصراع القائم بين الفلسطينيين -وخاصة حماس- والإسرائيليين، وأصبح حضورها مطلوباً لنجاح أي وساطة بين الطرفين، وذلك في سياق تعضيد الجهود المصرية التي تتولى متابعة هذا الملف،باعتباره يشكل أمناً قومياً لها.
 
فلسطين وقطر..لفتة إنسانية مبكرة
إن المتابع للدور القطري فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية سيشهد حضوراً متميزاً، من خلال تقديم كافة أشكال الدعم السياسي والمادي والمعنوي منذ سنوات طويلة،وهذا ما عزَّز الثقة بمواقف قطر وسياستها الخارجية، وإن كانت جذور العلاقة بالفلسطينيين تعود إلى سنوات منتصف الخمسينيات، حيث توافد المئات منهم للعمل في قطاع التعليم كمدرسين، وكان من بينهم شخصيات مرموقة من التنظيم الإخواني، والذي خرج من رحمه الكثير من قيادات حركة فتح.
إنَّ دولة قطر في المخيال الفلسطيني هي أحدُ الدول الخليجية التي منحت ملاذاً آمناً للفلسطينيين بعد نكبة العام 1948، وظلت هذه الذاكرة تتغذى على كثيرٍ من وجوه الفضل التي قدمتها قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وابنه سمو الشيخ تميم،منذ منتصف التسعينيات إلى يومنا هذا.
وإذ ما تتبعنا المواقف القطرية تجاه القضية الفلسطينية في جميع المحافل الدولية، وجدنا التأكيد الدائم على لسان أميرها بأن قطر لن تتخلى عن نصرة أشقائها في فلسطين لإيمانها بقضيتهم العادلة، ووفاء لمسؤوليتها الأخلاقية التي تحتم الوقوف مع الحق ونصرة المظلومين.
وفي كل جولات وزيارات الشيخ تميم الخارجية، تمثل القضية الفلسطينية ودعمها بندا ثابتا في محادثاته مع كلِّ قادة دول العالم، كما أن التطورات الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني تظل حاضرة بلا غياب، وهو يضع العالم والمجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه فلسطين وقضيتها.
حماس وقطر.. إطلالة تاريخية
عندما فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية في يناير 2006، وتشكلت الحكومة العاشرة برئاسة إسماعيل هنية، كانت هناك اعتراضات أمريكية ورفض دولي لها، وهذا الأمر انعكس على علاقاتها بالسلطة والرئيس محمود عباس، إضافة للضائقة المالية التي أصبحت تهدد مؤسساتها. كانت اتصالات رئيس الحكومة إسماعيل هنية بسمو الشيخ حمد لاطلاعه على الأوضاع المالية الصعبة التي يمر بها قطاع غزة، وخاصة القطاعين التعليمي والصحي، تجد لها استغاثاتٍ قطرية عاجلة، وظل هذا الحال قائماً للتخفيف من ضغوطات الحصار الظالم الذي تعرضت له حكومة إسماعيل هنية، والذي اشتدت ضراوته بعد الأحداث الداخلية المأساوية التي وقعت في يونيو 2007، إلا أنَّ قطر ممثلة بأميرها كانت بمثابة “الأيدي الرحيمة” و”شبكة الأمان الإغاثي والإنساني” للفلسطينيين، ليس فقط في قطاع غزة بل أيضاً في الضفة الغربية، وهذا ما عاظم من صمود الفلسطينيين وثباتهم على أرضهم، واستنهاض مقاومتهم الباسلة للاحتلال.
خلال الحروب الثلاثة الكبيرة التي تعرض لها قطاع غزة في الأعوام (2008-2012-2014)، وما تمخض عنها من حجم المآسي والخسائر بالأرواح والتدمير الرهيب الذي تعرضت له البنى التحتية في مختلف القطاعات، كانت قطر “أول المُغيثين وأسخى المانحين” لإعادة إعمار ما خرَّبته الحرب، وما يعين الفلسطينيين بالقطاع من العيش في مستوى يحفظ للكثيرين منهم كرامتهم الإنسانية.
هذا من جانب المساعدات والدعم الإغاثي وإعادة الإعمار الذي تجاوز المليار ونصف المليار دولار من دون منٍّ أو أذَّى،والذي تُشرف على كثير منه اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، إضافة إلى عطاءات خيرية أخرى من جمعيات ومؤسسات قطرية غير حكومية.
وبحسب تقارير اللجنة القطرية، فإنَّ هناك أكثر من 65 شركة محلية تعمل في المشاريع الإغاثية والبنية التحتية ودعم قطاعي الطاقة والصحة، وقد أسهمت بذلك في تشغيل أكثر من 100 ألف كادر مهني وفني بشكل مباشر وغير مباشر في غزة، وهي تعد اليوم أحد أهم ركائز الاستقرار، كما أنَّ جزءاً من مصادر الدخل للعديد من المؤسسات البلدية والمستشفيات والشؤون الاجتماعية في قطاع غزة تعود إليها.
إن ثقة قيادة حركة حماس بالحاضنة القطرية لم تأت من فراغ، بل من تركم المواقف والسياسات الإيجابية تجاه الحركة، والدعم السياسي والإنساني والإعلامي الذي لم يتوقف لشعبنا وقضيتنا الفلسطينية، إذ يُعدُّ الموقف القطري من أقوى المواقف العربية وأكثرها ثباتاً وانسجاماً مع الشرعية الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني..
ففي الوقت الذي تؤكد فيه قطر أن القضية الفلسطينية ستظل القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية وجميع الشرفاء في العالم، وتجدد موقفها الداعم والثابت تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتشدد على أنها لن تدخر وسعاً في العمل على تخفيف المصاعب التي يواجهها الشعب الفلسطيني حتى يسترد كافة حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف، وتعلن بقوة عن سياستها الرافضة للسياسات الإسرائيلية، في الوقت الذي تحولت فيه منطقة الخليج -للأسف- إلى حاضنة للسفارات الإسرائيلية والمسؤولين الصهاينة، وباتت أعلام دولة الاحتلال ترفع في بلدان خليجية مجاورة لقطر!!
ختاماً.. إذا تتبعنا مواقف قطر وسياساتها الخارجية في معظم القضايا الإقليمية والدولية، وعلى رأسها قضية فلسطين، فسنجد أنها قد وضعت نفسها في الجانب الصحيح من التاريخ.، فأيَّما مكانٍ يشهد معاناة ما، فإننا نلاحظ أنَّ قطر حاضرة بقوة إلى جانب من يحتاجون للعون والمساعدة ممن يتعرضون للظلم والاضطهاد.
واختم في هذا السياق بكلمة وفاءٍ أخيرة لقطر وأميرها وحكومتها وشعبها كيف أن مشهد المونديال الرياضي العام الماضي كانت فيه فلسطين أحد أهم الشهود في حضرة الغياب.