ماذا علقت الصحف العبرية على العملية العسكرية بغزة؟!

ركزت الصحف العبرية، الصادرة الأربعاء، على الأحداث في قطاع غزة وحالة الترقب بعد المجزرة التي وقعت أمس وأدت لاستشهاد 15 فلسطينيًا بينهم أطفال ونساء.

ورأت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، في المجزرة المرتكبة، بأنها رسالة من إسرائيل، بأن كل من يقف خلف أي هجمات لم يعد محصنًا من الاستهداف.

وقال آفي سخاروف المعلق السياسي للصحيفة العبرية في تقرير تحليلي له، إنه على عكس الكثير من الجولات في السنوات الماضية، فضل الجيش الإسرائيلي والشاباك الانتظار لمدة أسبوع بعد القصف الصاروخي الأخير من غزة يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، حتى رد عليه باستهداف الذين يقفون خلفه، في وقت فضلت حماس والجهاد عدم التعجل في الرد، وانتظار الوقت المناسب لذلك، رغم أن كل ما جرى أمس كان يمهد الطريق أمام الحركتين للرد الفوري.

ويشير سخاروف إلى أن ما جرى يجبر حركة حماس على التصرف وأن تكون جزءًا من الرد على عكس جولات سابقة، خاصة وأنها شاركت في القصف الصاروخي الثلاثاء الماضي.

ويفسر سخاروف تأخير الرد من المقاومة بغزة، إلى ما ادعى أنه صدمة الجهاد الإسلامي باغتيال 3 من كبار قادة جناحه العسكري، واستهداف بعض مخازن الأسلحة وإنتاجها، إلى جانب سعي الجهاد لضم حماس للرد وعدم الذهاب في جولة لوحدها ضد إسرائيل، لأن الحركة تخشى أن يلحق بها هزيمة عسكرية في حال خاضت الجولة بدون حماس، كما أن الجهاد حاول لساعات العثور على أهداف جذابة بدرجة كافية من الجانب الإسرائيلي لإحداث رد فعل مؤلم يسمح له بتقديم انجازاته الخاصة.

ويقول مدعيًا: “يمكن للتأخير من جانب حماس أن يشهد بشكل أساسي على الخلافات بينها وبين الجهاد الإسلامي وفهم الثمن الباهظ الذي قد يدفعه الجسم السيادي في غزة مقابل حملة شاملة ضد إسرائيل، ولدى حماس ما تخسره بالضبط من خلال كونها الهيئة الحاكمة والمسؤولة عن حياة أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة”.

ويشير إلى أنه يمكن أن يكون هناك خلافات في الرأي داخل قيادة حماس حول طبيعة الرد، خاصة وأن الحركة أمام معضلة تتعلق أنه في السنوات الأخيرة نجحت نسبيًا في إعادة تأهيل القطاع من خلال التفاهمات التي تم التوصل إليها مع إسرائيل بوساطة مصر، ومنها دخول العمال من غزة إلى الخط الأخضر، ونقل البضائع من مصر إلى القطاع، ما زاد من حالة الاستقرار بغزة، وهذا ما دفع الحركة لعدم التدخل في جولات سابقة حين كان يهاجم الجيش الإسرائيلي، حركة الجهاد الإسلامي، لكن العملية التي بدأت أمس، باتت معضلة أعمق أمام يحيى السنوار، ومحمد الضيف، ومروان عيسى، وقيادة حماس في قطاع غزة.

ويقول سخاروف: “من المحتمل جدا أن حماس، حتى الليلة الماضية على الأقل، كانت تبحث عن نوع مختلف من الرد، وربما ليس من خلال جولة شاملة، ولكن ربما رد معين من شأنه أن يسمح لها برد محسوب للغاية باعتبار أن ذلك ملزمًا لها أمام الجمهور الفلسطيني، دون جر غزة إلى جولة طويلة.

ورأى في العملية التي استهدفت جهاد غنام أحد قادة كبار الجهاد الإسلامي، وأقدمهم والذي يعتبر بدرجة مماثلة لدرجة “محمد الضيف” في حماس، وكذلك استهداف خليل البهتيني أحد قادة التنظيم، وطارق عزالدين، الذي يعتبر أكثر إثارة للاهتمام من وجهة نظر إسرائيل، خاصة وأنه أسير محرر، ومسؤول عن هجمات من الضفة الغربية انطلاقًا من القطاع، رأى بأن قرار الشاباك والجيش بمهاجمتهم بأنه يبعث رسالة مفادها بأن كل من يحاول إحراق الضفة الغربية ويعيش في غزة سيدفع الثمن، وأن غزة لم تعد مكانًا محصنًا. كما قال.

وفي تقرير آخر لصحيفة يديعوت أحرونوت، نقلت عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله، إن الجهاد الإسلامي تبحث عن ضربة افتتاحية قاسية ترد بها على العملية أمس، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب واسعة.

وأشارت الصحيفة، إلى جهود دبلوماسية تبذل لمحاولة منع الرد من غزة، وسط تشاؤم تجاه ذلك حتى من الوسطاء.

ولفتت الصحيفة إلى حالة الخوف التي يعيشها سكان مستوطنات غلاف غزة، التي بدأ إخلاء بعضها من السكان بطلب طوعي، مشيرةً إلى أن المحال والشوارع فارغة من السكان الذين فرض عليهم حصار مشدد.

وفي تقرير ثالث للصحيفة أعده مراسلها للشؤون الأمنية يوسي يهوشع، قال إن العملية في غزة أمس كانت ضرورية ومطلوبة في مواجهة تآكل الردع الإسرائيلي الذي سجل في الأشهر الأخيرة، حتى ولو كان ذلك على حساب التصعيد.

وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي شعر بأن رده على إطلاق الصواريخ المكثف يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، على البنية التحتية لحماس والجهاد لم يكن كافيًا، ولا بد من جلب ثمن أكبر، ولذلك نفذت العملية.

وبين أنه منذ ذلك اليوم، بدأ الشاباك والجيش الإسرائيلي، في البحث عن فرص للقضاء على كبار المسؤولين في الجهاد الإسلامي، ولم يكونوا بحاجة إلى توجيه خاص من بنيامين نتنياهو أو يؤاف غالانت، لأنه لا توجد خيارات أخرى كثيرة في سلة الردود، ومع ذلك فإنه كان هناك تعاون مهني جيد بين نتنياهو وغالانت، وأجريا الجمعة مناقشة في مقر الشاباك للموافقة على الخطة، وبدأت الفرصة تتاح، وتم تأجيل العملية في ذاك اليوم لوجود العديد من “الأبرياء الفلسطينيين” – وفق زعمه – وتحويل العملية إلى فرصة أخرى، وطوال الوقت تم الحفاظ على مستوى عالٍ من التأهب والاستعداد، ولم يتم مشاركة أي من الوزراء في الخطط بما فيهم وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير على الرغم من أن مثل هذه العملية لها آثار على الأمن الداخلي.

واعتبر أن العملية أمس ضد قادة الجهاد بأنها نتيجة “استخبارات ممتازة”، خاصة وأنها نفذت بالتزامن، مشيرًا إلى أن الجهاد الإسلامي يبحث حتى اللحظة عن توجيه ضربة من خلال تنفيذ هجوم باستخدام صاروخ مضاد للدبابات، وحين تم التخطيط لمثل هذا الهجوم أمس تم إحباط خلية حاولات إطلاق صاروخ، في تحسن ملحوظ بقدرات الجيش الإسرائيلي بمطاردة وملاحقة خلايا إطلاق تلك الصواريخ والتي بلغت ذروتها في عملية “الفجر” في آب الماضي. كما يقول يهوشع.

ويضيف: تشير التقديرات إلى أن حركة الجهاد تسعى إلى الضربة الافتتاحية ردًا على ما جرى، لهذا السبب يلعب الجيش الإسرائيلي حتى الآن دور الدفاع ويسعى لإنهاء الجولة في أقرب وقت ممكن من أجل الحفاظ على الانجاز العملياتي، وفي الوقت نفسه تعمل المؤسسة الأمنية على إبعاد حماس عن الصورة، بطريقة مماثلة لعملية “الفجر”.

وانتقد يهوشع، المؤتمر الصحفي لنتنياهو وغالانت وهاليفي وبار، الليلة الماضية، باعتبار أنه مبكرًا خاصة وأنه لم يطلق أي صاروخ من غزة ويمكن أن يتصاعد الموقف، قائلًا: “يمكننا أن نفخر بانجازاتنا، لكن يجب أن نكون أكثر تواضعًا”.

من ناحيتها، قالت صحيفة هآرتس العبرية في تقرير لمحللها ومراسلها العسكري عاموس هرئيل، إن عملية الاغتيال الأخيرة قد تؤدي إلى جولة قتال لعدة أيام، مشيرةً إلى أن إسرائيل تركز على الجهاد الإسلامي وتحاول استثناء حماس، لكن السؤال القائم في مؤسساتها الأمنية هو فيما إذا كانت حماس ستشارك في الرد.

ولفتت الصحيفة، إلى أن إسرائيل استعدت لرد مكثف نسبيًا، ولكنها تفاجأت إلى عدم الرد حتى هذا الصبح، مشيرةً إلى أن ذلك قد يعود للتنسيق المكثف بين حماس والجهاد لتنفيذ هجوم قوي، أو أن يكون هناك نقاش بينهما حول كيفية التصرف، ولذلك التقدير أن الحدث لم ينته بعد، ومن المتوقع أن يأتي رد من غزة، ولكن السؤال الوحيد هو متى؟.

ويقول هرئيل: سيكون من الصعب على حماس بصفتها الطرف الذي يسيطر على القطاع أن تتجاهل تمامًا ما حدث.

ويشير إلى أن دخول حماس في جولة القتال، سيحسن من قوة النيران الفلسطينية، وقد يجبر ذلك إسرائيل على اتخاذ خطوات إضافية، مثل حشد المزيد من قوات الاحتياط ووضع الألوية النظامية على أهبة الاستعداد للقيام بعملية برية محتملة، وليس من المستبعد إطلاق الصواريخ على غوش دان “تل أبيب الكبرى”، ومع ذلك يبدو أنه على الصعيد الاستراتيجي، حماس مهتمة بجولة قصيرة، خاصة وأن الواقع الحالي مريح لها نسبًا في ظل استمرار دخول 17 ألف عامل من القطاع للخط الأخضر، إلى جانب المساعدات الشهرية من قطر، وتحسن الوضع الاقتصادي، ما جعل من السهل على حماس الاستمرار في السيطرة على الوضع.

ورجح أن موقف حركة حماس من الجولة قد يكون متعلقًا بخطر انتشار “العنف” من ساحات أخرى، كما جرى في نيسان الماضي بعد أحداث المسجد الأقصى، وإطلاق الصواريخ من لبنان، مشيرًا إلى أن المخابرات الإسرائيلية كانت تتحدث منذ فترة طويلة عن إمكانية تقارب الساحات واشتعال الأوضاع من عدة جبهات.

وقال هرئيل: يمكن لسلسلة الاغتيالات بغزة، تسريع تحقيق مثل هذا السيناريو، وينطبق الشيء نفسه على الضفة الغربية مع ارتفاع مستوى الهجمات، منذ آذار من العام الماضي. 

ويرى هرئيل، أن نتنياهو اتخذ القرار بشأن الاغتيالات تحت ضغط داخلي كبير، ولم يكن أمامه الكثير من الخيارات في ظل الاحتجاجات من جهة، والأزمة السياسية الداخلية بحكومته خاصة مع حزب القوة اليهودية بزعامة إيتامار بن غفير، مشيرًا إلى أن كل ذلك دفعه لعدم مشاركة أي وزير في خططه ضد غزة.

وقلل هرئيل من الخطوات المتخذة تجاه غزة بما فيها الاغتيالات، قائلًا: “من الصعب تصديق أنه سيكون هناك تغيير كبير في الوضع بغزة، كما هو الحال في عمليات سابقة، ويبدو أن إسرائيل قد استنفذت بالفعل خزان الإبداع فيما يتعلق بالحلول الاستراتيجية في قطاع غزة، وكل عام تنفذ هناك عملية، وعندما تنتهي، تبقى غزة هي نفس غزة، وتبقى مشاكلها كما هي”.

وأضاف: “من الأفضل لإسرائيل أن تسعى جاهدة لإنهاء دوامة العنف في أسرع وقت ممكن”.

وفي تقرير آخر، رأت الصحيفة، أن القيادية السياسية في إيران تضغط على الجهاد الإسلامي لتنفيذ رد انتقامي كبير، وفق التقديرات السياسية الإسرائيلية.

وبحسب ذات التقديرات، فإن الأضرار التي لحقت بالجهاد إثر اغتيال قادتها تسبب في تأخير الرد، ويواجه التنظيم صعوبات في التعافي من الهجوم، كما أنه يواجه صعوبات في تنفيذ هجوم بدون مساعدة من حماس التي ليست في عجلة من أمرها للتحرك.

كما تشير التقديرات الإسرائيلية، أنه من غير المستبعدة أن تقدم حماس المساعدة للجهاد، لكنها مترددة بشأن عواقب مثل هذه الخطوة على سكان القطاع.

ونقلت هآرتس، عن مصادر في حماس والجهاد، أنهما تعلمتا من حزب الله عدم الرد الفوري على الهجمات الإسرائيلية، وغرس شعور طويل الأمد بالتهديد لإسرائيل، رغم الضغوط التي تمارس من الجمهور الفلسطيني.

واعتبرت الصحيفة في تقرير آخر لها، أن عملية الاغتيال تمثل نقطة تحول في قواعد اللعبة التي أرستها عملية “حارس الأسوار/ سيف القدس” في أيار 2021، مشيرةً إلى أن جميع الجولات التي شهدناها في العامين الماضيين كان يتم تحديد نطاق إطلاق النار ومنطقة التأثير، ومحاولة تجنب خرق قواعد اللعبة.

ورأت الصحيفة، أن عملية أمس تدفع بالجهاد الإسلامي بخيار واحد هو الرد، وأن حماس قد تنضم لهذا الخيار رغم أنها تحاول الحفاظ على الهدوء لمدى طويل، ولا تريد أن تنشأ بغزة عملية تحول الانتباه عن الضفة الغربية خاصة في الأيام الحساسة المقبلة منها ذكرى النكبة، ومسيرة الأعلام.

وتقول الصحيفة: “ستحاول حماس إيجاد حل وسط بين رد الفعل الذي سيضر بإسرائيل والحفاظ على تشكيل المنظمة، وذلك على أمل أن تساعد الوساطة العربية والدولية الأطراف على التوصل لاتفاقيات جديدة”.

وتضيف: “المشكلة، كما في كل جولات القتال، هي عدم وجود حل سياسي أو مخطط يمكن أن يهيئ الأرضية للخروج من دوامة إراقة الدماء ..  كل ما هو موجود هو تفاهمات هشة مبنية على السلام الأمني مقابل منافع اقتصادية، وطالما كان هذا هو الحال، فإن الجولة الحالية والجولة التي تليها لن تغير الواقع”.

وفي تقرير آخر للصحيفة، نقلت عن دبلوماسيين غربيين، أن إسرائيل ستجد صعوبات في حشد دعم دولي لأي عملية واسعة بغزة، خاصة في ظل استهداف المدنيين الفلسطينيين.

من جهتها، ركزت صحيفة معاريف على تعطل حياة المستوطنين بغلاف غزة، وفتح الملاجئ بمدن رئيسية منها تل أبيب، وتحركات الوسطاء، وتأخير الرد من الجهاد الإسلامي ما تسبب باستمرار الأزمة القائمة في عدم معرفة نوايا الحركة.وأشارت لتصريحات الناطق باسم الجيش الإسرائيلي حول استمرار تقييم الأوضاع، والاستعداد والتأهب المتواصل منذ أمس.

فيما قالت صحيفة يسرائيل هيوم العبرية، إن هدف إسرائيل بعيد المدى أن تكون غزة منطقة منزوعة السلاح من أجل الأمن وأن تكون تحت سيطرة كيان يعترف بها ولا يستخدم “العنف” ضدها، مؤكدةً أن هذا الهدف ليس واقعيًا ولا يمكن تحقيقه.

وتقول الصحيفة، طالما أن قطاع غزة تحت سيطرة حماس، والتي تستثمر كل طاقاتها في محاربة إسرائيل، ولذلك المستوى السياسي في تل أبيب يواجه بديلين في التعامل مع التحديات الأمنية على هذه الساحة، وكلاهما غير جذاب، الأول احتلال قطاع غزة وهذا خيار تكلفته باهظة في ظل عدم وجود طرف آخر يمكن أن يتولى زمام القيادة، والثاني خيار مفهوم الجولات، من أجل الحفاظ على الهدوء عن طريق الردع الذي تحققه هذه الجولات مع بذل جهد لتقليل مدة كل جولة، واستخدام أدوات ضغط وحوافز بشكل روتيني، مما سيزيد من تكلفة الخسارة ويجعل الهجمات على إسرائيل غير مجدية، وهذا النهج الذي يميز السياسية الإسرائيلية حاليًا ولا يتوقع أن يتغير حتى بعد الجولة الحالية.

ورأت الصحيفة، أن هذه الاستراتيجية ستبقي الأوضاع هشة، ولذلك على إسرائيل أن تزيد من جلب الثمن الذي تفرضه على غزة، ولتحقيق انجازاتها بعملية أمس، يجب منع “الخصم” من تحقيق انجاز قد يغير التوازن، واغتنام أي فرصة لتعميق الضرر بالعناصر “الإرهابية” بغزة. وفق تعبيرها.

وفي تقرير آخر للصحيفة نفسها، فإن الهجوم بالأمس يحمل رسالة واضحة ومدوية للفصائل بغزة، وأنه يحمل رسالة أبعد من مجرد هجوم  لمرة واحدة، وأنه يؤكد بأن القوة الرادعة لا تزال موجودة، وهذه رسالة تشمل جبهات أخرى وليس غزة فقط.

وتقول الصحيفة: إن “حماس بعد حارس الأسوار تعلمت الدرس، وحان الوقت لأن تتعلم حركة الجهاد الإسلامي نفس الدرس”.

“القدس