في ليلتها الأولى التي قضتها خارج منزلها، لم يجد النوم طريقه إلى عين الحاجة انتصار المصري، بعد أن حوّلت غارة إسرائيلية منزل العائلة إلى كومة من الركام والحجارة المتناثرة في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة.
ولانتصار من اسمها نصيب، وبصوت ممزوج بكثير من الصبر والإرادة، تقول “داري ومالي فداء فلسطين وشبابها.. راح البيت لكن الكرامة باقية”، هكذا تردد السيدة الفلسطينية البالغة من العمر (65 عاما) وتكنى بـ”أم راني”.
منذ اللحظة الأولى التي رأت فيها انتصار منزلها المكون من 3 طوابق يتهاوى أمام ناظريها، لم يتوقف لسانها عن ترديد: “اللهم أجرنا في مصيبتنا.. اللهم عليك بإسرائيل وأعوانها.. اللهم سلّم شبابنا”.
وعلى مدار الأيام الثلاثة من العدوان الذي بدأته إسرائيل على غزة غدرا، فجر الثلاثاء الماضي، يلاحظ تناميا في عمليات استهداف المنازل والشقق السكنية الآمنة، وقد استشهد حتى اللحظة 30 فلسطينيا وجرح 94 آخرين بجروح، في حصيلة غير نهائية صادرة عن وزارة الصحة.
Gaza| Zein’s Grandmother “Intisar Almasri” commenting on the bombing of her family’s house:
“There is nothing that can subjugate the Palestinian people. We won’t surrender” https://t.co/kP3Kv8nH0M pic.twitter.com/xx3eAVaw0C
— Younis | يونس (@ytirawi) May 11, 2023
تفاصيل الكارثة
قضت “أم راني” ليلتها مستيقظة، وتقول: “ما نمت ولو ثانية واحدة، هذا عدو مجرم لا يراعي حرمة المنازل الآمنة ومن فيها من أطفال ونساء، اللهم انتقم من الاحتلال وأذقه من ويلات ما يفعل بنا في غزة”.
وفي تفاصيل الكارثة التي حلت بأسرة أم راني، كانت الساعة في طريقها إلى العاشرة ليلا، مساء أمس الأربعاء، عندما فوجئت بطرقات أحد الجيران، ينذرهم بضرورة إخلاء المنزل فورا، بناء على اتصال هاتفي ورده من ضابط عرّف عن نفسه أنه من “الجيش الإسرائيلي”.
هرعت الأسرة لإيقاظ الأطفال والمسارعة لمغادرة المنزل بالملابس التي تستر أجسادهم، من دون أن يكون لديهم الوقت الكافي لإخلاء المنزل من الممتلكات والأوراق الثبوتية، بحسب وصف محمد المصري “أبو راني”.
“خرجنا حفاة، وبملابسنا التي نرتديها، وبعد نصف ساعة فقط انهمرت الصواريخ وحولت المنزل إلى دمار”، وفقا لحديث أبو راني (67 عاما) للجزيرة نت.
ويبعد المنزل نحو 3 كيلومترات عن السياج الأمني الإسرائيلي شمال القطاع، وتقطنه 5 أسر مكونة من 19 فردا، جلهم من النساء والأطفال.
تفرقت تلك الأسر على منازل أقربائهم في البلدة، ويضيف أبو راني: “في لمح البصر أصبحنا مشردين ومشتتين، توزعنا على عدة بيوت، ولجأت زوجات أبنائي الثلاث إلى ذويهن إلى حين انتهاء الأزمة وتدبر أمورنا من جديد”.
هذه ليست المرة الوحيدة التي تتعرض فيها عائلة المصري لأضرار جراء الحروب الإسرائيلية، لكنها الأشد وقعا على الأسرة التي أصبحت بلا مأوى بعد دمار المنزل كليا.
براءة زين
تقول الحاجة أم راني: “كان بيتنا ملجأ للناس في الحروب السابقة، وفي الحرب الماضية (مايو/أيار 2021)، لجأ لنا 50 شخصا من الأقرباء تركوا منازلهم في مناطق خطيرة جراء قوة الغارات والانفجارات”.
ما قدمته هذه الأسرة مع غيرها في حروب سابقة وجدته في مصيبتها الحالية، وبحسب أم راني فقد انهالت عليهم اتصالات كثيرة من أقرباء وأصدقاء يعرضون عليهم الاستضافة في منازلهم.
ومن بين مشاهد مأساة الأسرة، برز الطفل زين (6 سنوات)، حاملاً بين كفيه حصالته الصغيرة التي انتشلها من بين الركام، وكان يدخر بها من مصروفه الشخصي، ليساعد والده كي يشتري له سرير نوم.
وفي مقطع مؤثر ظهر زين بعينين باكيتين وهو يتحدث بكلمات حزينة كيف أن الزنانة -الوصف الذي يطلقه الغزيون على طائرة الاستطلاع- أطلقت صاروخا على المنزل، قبل أن تهاجمه طائرة حربية بصواريخ ثقيلة وتدمره كليا.
وانتشلت أم راني من تحت الركام صورة لحفيدها زين، وتقول: “والده حلاق ودخله محدود، ولم يكن لديه سرير للنوم، وزين كان يدخر من مصروفه البسيط ليشتري سريرا ينام عليه”.
جاء زين لجدته بعد انقشاع الليل، وظهرت أمامه الكارثة التي حلت بالمنزل، ليقول لجدته: “غرفتي وألعابي ضاعوا، نحتاج بيتا جديدا”، وتقول أم راني: “البيت جنة الدنيا، ورغم التسليم بقضاء الله، فإنه شعور شديد الصعوبة أن تفقد تعب وشقاء 40 سنة في لحظة”.
الجزيرة نت