صناعة ملابس الإحرام – تصوير: ماهر العطار
«أحج وأطوف سبع مرات، وألبى وأشوف منى وعرفات.. وأقول ربى كتبهالى»، هكذا تكتمل الرحلة الأحب إلى قلوب المسلمين فى بقاع الأرض، لكن البداية تكون مبكرة، حين واصل عمال المصانع والورش الليل بالنهار واجتهدوا لغزل أنقى الأزياء وأطهرها.. ملابس الإحرام، لطرحها فى أسواق مختلف المحافظات، حتى يظفر بها حجاج بيت الله الحرام.
فى قلب مدينة الغزل والنسيج «المحلة الكبرى»، لا تنقطع أصوات ماكينات المصانع طوال موسم تصنيع ملابس الإحرام، الذى يمتد لقرابة أربعة أشهر، وينتظره أهالى المدينة من الأيدى العاملة بحب وتفاؤل، أملًا فى الفوز بالأجر والثواب، وفى نفس الوقت تحقيق مكاسب مادية. «» قامت بجولة فى ورش ومصانع ملابس الإحرام، واستشعرت الأجواء الروحانية التى ملأت جنباتها.
«البشكير»
خيوط وقصاصات وأتواب من القماش ناصعة البياض انتشرت فى مصانع البشاكير القطنية بمدينة المحلة الكبرى، الكل يعمل على قلب رجل واحد، لتلبية الطلبات المتزايدة على ملابس الإحرام، ويضاعف ساعات العمل «عن طيب خاطر»، لمشاركة حجاج بيت الله الحرام فرحتهم بزيارة أطهر بقاع الأرض.
بشكير الإحرام يستر به الحاج ما فوق سرته إلى كتفيه فيما عدا رأسه ووجهه، ويصممه محمد عبد الجواد، صاحب مصنع، بكميات كبيرة وجودة عالية، استعدادًا للموسم الذى بدأ قبل رمضان بشهرين تقريبًا، وحرص على توفير أفضل الخامات والاستعانة بعمالة مدربة، لضخ اكبر كمية من البشاكير فى الأسواق، والإحتفاظ بثقة عملائه: «المصنع يطرح بشاكير قطن 100% طوال العام، ونتخصص فى ملابس الإحرام خلال موسم الحج».
يضاعف «عبدالجواد» ساعات العمل خلال الموسم، ولا يتردد العمال عن مواصلة العمل لـ16 ساعة يوميًا، تبدأ من الـ 7 صباحًا وتنتهى فى الـ 11 مساءً، للوفاء بالطلبيات وتسليمها فى توقيتاتها المحددة: «يكفينا فرحة حجاج بيت الله الحرام بالبشكير، والشعور بالراحة طوال الرحلة وخلال تأدية المناسك الشاقة».
منافسة شريفة تشهدها مصانع وورش «المحلة الكبرى» التى تشتهر بصناعات الغزل والنسيج منذ قديم الأزل، خاصة خلال موسم الحج كل عام، لتصنيع أفضل أشكال وخامات ملابس الإحرام، رغم أن لكل منها عملاء دائميين، بحسب «عبدالجواد»: «المصانع التى تطرح ملابس الإحرام معروفة فى مدينة المحلة الكبرى منذ سنوات طويلة، ولكل منها عملائها الدائمين، وبالرغم من ذلك الكل يفكر ويبذل مزيدًا من الجهد والعمل لتصنيع بشاكير أجود كل عام، والإحتفاظ بالسمعة الطيبة وثقة الزبائن، وهو الأهم بالنسبة لنا ويميزنا عن المصانع والورش الموجودة فى مختلف محافظات جمهورية مصر العربية».
مهام دقيقة يؤديها عمال مصانع البشاكير بتركيز عال، أحدهما يشد الخيوط القطنية البيضاء، ويشبكها فى سطح الماكينة بشكل محكم، وآخر يرتبها بتسلسل معين، بينما يتولى ثالث فرد القماش وقصه وفقًا للشكل المراد تنفيذه، وتتوالى مراحل التصنيع، حتى يخرج بشكير الإحرام فى أفضل صورة، الحال الذى لا يختلف كثيرًا عن ما تشهده ورش تصنيع ملابس الإحرام بمختلف فئاتها، وتتمثل فى الإزار، الرداء، السروال الأبيض، وحتى «الشبشب» للرجال.
«العباية»
فى أحد مصانع الملابس الجاهزة بمدينة المحلة الكبرى، يصمم محمد الكوش، صاحب المصنع،عبايات بيضاء بكميات كبيرة بمجرد انتهاء شهر رمضان، ويخصصها لموسم الحج، حيث تختلف عن باقى التصميمات التى ينفذها طوال العام، وتمتد الوردية لأكثر من 9 ساعات يوميًا: «نجهز عباية الحج التى تتسم بالبساطة، مجرد عباية بيضاء بسوستة عند الصدر، وطرحة لتغطية الشعر، ونستعين بأفضل الخامات، فتكون قطن 100%، لتستطيع السيدة تأدية مناسك الحج براحة تامة».
قبل انتشار وباء «كورونا» كان الطلب متزايدًا على العبايات البيضاء ثم توقف مع توقف رحلات الحج والعمرة، وعاد من جديد الطلب هذا الموسم، بحسب «محمد»، الذى يمارس مهنة التفصيل منذ 20 عامًا، حيث شعر بحب لهذا المجال وأصر أن يثبت نفسه فيه.يحكى صاحب المصنع عن مشاعر الفرحة التى يستشعرها العمال خلال تنفيذ طلبيات موسم الحج: «نضاعف ساعات العمل بحب ورضا تام، لأننا نعلم أن القطعة التى نصممها ستكون فى بيت الله الحرام»، ويتراوح سعر العباية من 150 إلى 200 جنيه.
اسدالات وعبايات فضفاضة تصممها آية محمد، 23 عامًا، دون التقيد باللون الأبيض وخامة القطن 100 %، لكنها تضمن ان تكون مريحة وساترة للسيدة خلال رحلة الحج او العمرة: «نجهز كوليكشن اسدالات وعبايات كل عام، ونطرحه قبل شهر رمضان مباشرة، بحيث يناسب تأدية المسلمة لكل المناسك الفروض، ونحاول أن نتميز وتكون التصميمات مختلفة عن المطروحة فى الأسواق، فتكون العباية أو الاسدال أنيق وبخامة تشبه الفستان».بدأت «آية» مشوارها فى تصميم الأزياء مبكرًا، تحديدًا فى عام 2019، خلال دراستها فى كلية تجارة لغة انجليزية، وطرحت أول «كولكشن» قبل انتشار «كورونا»، وكان عبارة عن إسدالات للصلاة والخروج، ومع توقف رحلات الحج والعمرة بسبب الوباء، انحسرت الطلبيات إلى حد ما، ثم عادت تدريجيًا.
«عباية وحجاب وهدية»، هو ما أعلنته «آية» لعملائها مؤخرًا، كما استعدت لموسم الحج هذا العام جيدًا، بطرح عبايات «سادة ومريحة»: «بجهز التصميمات واشترى الخامات، وأتعاقد مع ورشة أو مصنع لتنفيذها بدقة، وأطرحها فى الأسواق بسعر مناسب لمختلف الشرائح الإجتماعية، يتراوح بين 450 و 520 جنيها للقطعة».
«النعل»
فى أحد مصانع مدينة الحوامدية، اعتاد العمال صناعة نعل الإحرام، كما جرى وصفه، بمواصفات خاصة والترويج له تحت شعار «شبشب الحج والعمرة بدون مخيط»، لكن الوضع اختلف مؤخرًا بحسب صاحب المصنع: «كنا نصنع الشبشب من الجلد وبخامات عالية ومواصفات خاصة، وتوقفنا فى الفترة الأخيرة».
أسباب مختلفة ساقها صاحب المصنع لتوقفه عن تصنيع نعل الإحرام، بعضها يتعلق بتوقف استيراد خامات معينة تدخل فى الصناعة: «كنا نصنعه بخامات معينة وطريقة صنع لا تحتاج إلى الخياطة، وخلال الفترة الأخيرة التى شهدت توقف عمليات الاستيراد توقفنا».
تصميمات مختلفة من خامة البلاستيك انتشرت فى الأسواق وتطرح على مواقع التسويق الإلكترونى، يلجأ لها الحجاج والمعتمرين بديلًا للمصنوعة من الجلد، التى كانت تفصل خصيصًا فى السابق لرحلة الحج، وتتراوح أسعارها بين 80 و400 جنيه، حسب الخامة والتصميم وسهولة الحركة، ومعظمها مستوردة.