تَعلُّم فن الخسارة ..! | مصراوى

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

“هو مثلي يتشبث بيقينه لكي لا ينتهي عالمه، لكي لا يضيع الحلم الذي دفعنا فيه عمرًا بأكمله”.

هكذا تحدث الراحل الأستاذ بهاء طاهر في روايته الرائعة “الحب في المنفى” على لسان بطل الرواية الصحفي النزيه الوطني. وهو يصف صديقة وابن جيله وشريكه في الأحلام الشخصية والوطنية المجهضة.

وَهي كلمات توضح لنا ببراعة كبيرة الأسباب الواعية وغير الواعية التي تدفع البعض لعدم الاعتراف بفشلهم، وتقبل الخسارة، والاستمرار في سياقات اكتشفوا أنهم لا ينتمون إليها، وفي خوض معارك ثبت لهم لا جدواها، والتشبث بأحلام تبين لهم أنها هشة غير قادرة على مغالبة التحديات والصعاب والتحقق في الواقع.

وأبرز تلك الأسباب أن الاعتراف بالفشل وتقبل الخسارة يعني الإقرار صراحة وضمنيًا بفشلهم، وبأن حياتهم السابقة وخياراتهم فيها كانت بلا جدوى وبلا قيمة.

ولذا يتشبث هؤلاء الناس -في حيلة من حيل الدفاع النفسي- بيقين مضلل يجعلهم يشعرون بالرضا وبجدوى التضحيات والرحلة، رغم فشلهم الظاهر في تحقيق أحلامهم .

وهؤلاء كان يجب عليهم التوقف عن كل أشكال رثاء الذات، وتقبل الواقع، وتَعلُّم “الخسارة”، وممارسة نقد الذات، والتوقف عن خداع أنفسهم بيقين مراوغ، وإعادة توجيه دفة حياتهم نحو بدايات جديدة، وأحلام جديدة، وآفاق جديدة.

وهذا ما دعت إليه الشاعرة الأمريكية إليزابيث بيشوب (1911 – 1979)، عندما قالت:

ليس الخسران فنا صعب الإتقان
و لتروّض النّفس على مزيد من الخسارة
وبأسرع ممّا كان
لأماكن، لأسماء
ولوجهة كنت تحسبها المآل
غير أن خسارتها لن تُشكّل كارثة.

وهو أيضًا ما دعا إليه شاعر الإسكندرية الشهير قسطنطين كفافيس في قصيدة “عندما تخلت الآلهة عند أنطونيو”، حين قال:

لا تندب حظك الذي ضاع
ولا خطط حياتك التي أخفقت
ولا آمالك التي أحبطت
لا تيأس بلا جدوى
ولكن مثل من تهيأ لذلك منذ زمن طويل، وتحلى بالشجاعة
عليك أن تودعها
ودع الإسكندرية التي ترحل.
وحاذر أن تخدع نفسك.
ولا تقل أبدًا: لقد كان الأمر كله حلمًا وتوهمات.
لا تستسلم أبدا لتلك الأحلام الفارغة٠
وقل لها: وداعًا
وداعًا للإسكندرية التي تضيع منك.