ركزت الصحف العبرية الصادرة الأربعاء، على عملية إطلاق النار التي وقعت أمس عند مستوطنة عيلي وأدت لمقتل 4 مستوطنين، واستشهاد اثنين من منفذيها من نشطاء حركة حماس في نابلس، في عملية سميت فلسطينيًا بـ “الثأر المقدس”.
ورأت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية في تقرير لمراسلها ومحللها العسكري يوسي يهوشع، أن هجوم أمس يتطلب التركيز على جبهة الضفة الغربية وفهم مدى التعقيدات هناك، وليس الاكتفاء بالتركيز على القضية الإيرانية.
وأشارت إلى أن هذا ثاني أسوأ هجوم منذ بداية العام الجاري بعد أن كان قتل 7 إسرائيليين في عملية إطلاق نار بالقدس بداية يناير/ كانون ثاني الماضي، ليرفع عدد القتلى منذ ذلك الحين إلى 28 مقارنةً بـ 20 في نفس الفترة من العام الماضي، كما أن عدد التحذيرات بشأن مزيد من الهجمات مرتفع أيضًا مقارنةً بالعام الماضي، على الرغم من أن الأرقام لا زالت لا تذكر بأيام الانتفاضة الثانية، لكن من الواضح أن الخلايا المسلحة تعمل بثقة متزايدة في النفس وجرأة أكبر، وهذا ما ظهر في جنين أول أمس، وفي رد حماس بالهجوم الذي وقع أمس عند مستوطنة عيلي، في عملية مخطط لها، وليس كما كان قبل من خلال عمليات تنفذ بشكل فردي أو مجموعات صغيرة مثل “عرين الأسود”. كما تقول.
ويقول يهوشع، إن ما جرى أمس مجرد دعوة للاستيقاظ، ويجب أن لا يفاجئ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير جشيه يؤاف غالانت، خاصة وأنه مضى وقت طويل منذ أن قدم الجيش إلى المستوى السياسي تقييمه حول الوضع بالضفة الغربية.
ويضيف: تلزم هذه التطورات إسرائيل بإجراء تقييم متجدد للوضع في السياسة المتبعة بشكل خاص تجاه حماس في غزة، خاصة وأن يحيى السنوار ومحمد الضيف يغذيان “الإرهاب” في الضفة الغربية، ويتمتعان بالهدوء في غزة، في ظل ثروة من التنازلات الإسرائيلية التي تقدم لهم.
وتابع: على الرغم من أن من مصلحة إسرائيل تحسين الوضع الاقتصادي في قطاع غزة، وجلب مزيد من العمال، وإنشاء آلية ضغط داخلي على حماس تمنعها من الدخول في جولات قتال، إلا أن حماس في هذه الأثناء منشغلة بتشجيع “الإرهاب” في الضفة الغربية بينما تنعم بالسلام والمزايا في غزة، وتحاول أن تتسبب بعملية إسرائيلية هدفها إسقاط السلطة الفلسطينية، ولذلك الموقف الإسرائيلي يجب أن يكون مغايرًا.
وأشار إلى أنه تم عرض هذا التقييم على المستوى السياسي، لكن هذا لا يعفي الجيش والشاباك الداعمين الرئيسيين لخطة شراء الهدوء بغزة، من المسؤولية عن الوضع الحالي.
وتطرق يهوشع، إلى المطالبات بتنفيذ عملية عسكرية واسعة شمال الضفة الغربية، مشيرًا إلى أن ما يتوفر من خطط في قيادة الجيش تتعلق بعملية محدودة وقصيرة وفي منطقة محدودة، ولا يمكن أن تكون هناك عملية “سور واقي2″، ويجب أن ينسى مثل هذا الخيار، كما أن الجيش والشاباك مقتنعون بأني منفذي الهجمات يتواجدون فقط في مخيمات نابلس وجنين، بينما 3 ملايين فلسطيني لا يهتمون بالحرب، بل يسعون لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. كما قال.
ولفت إلى أن نتنياهو وغالانت يتفقان مع المستوى العسكري على عدم تنفيذ عملية واسعة النطاق، مشيرًا إلى أن هناك ضغوطًا أميركية تمارس لتفادي مثل هذه الخطوة، وهناك جهود تبذل لمحاولة إيجاد حل مؤقت يساعد على شراء السلام وتهدئة المنطقة، من خلال حلول اقتصاية مثل زيادة عدد دخول العمال إلى إسرائيل، لكن ليس من المؤكد أن هذا سيكون كافيًا ويلبي الاحتياجات اللازمة من أجل استعادة الأمن.
وأشار إلى أن تركيز الجيش الإسرائيلي سيكون في الوقت الحالي على مزيد من الاعتقالات ونشر مزيد من القوات، والحصول على معلومات استخباراتية أكثر مما هي عليه اليوم، لإحباط مزيد من الهجمات ومنع محاولة إلحاق الضرر بالقوات التي تقتحم جنين ونابلس من خلال استخدام العبوات الناسفة كما جرى أول أمس.
ويختم يهوشع: في النهاية، يعود كل شيء إلى ما يقوله الجيش مرارًا وتكرارًا، والمستوى السياسي لم يعد بإمكانه غض الطرف عن تفكك السلطة الفلسطينية، التي أصبحت أضعف من أي وقت مضى، والنبأ السيئ هو أن نهاية حكم أبو مازن تقترب، وعلى الجانب الإسرائيلي أن يستعد لذلك. كما قال.
وفي تقرير آخر بصحيفة يديعوت أحرونوت، ذكرت الصحيفة أن الاجتماع الذي عقده نتنياهو أمس مع كبار الوزراء والضباط، واستثنى منه المتطرف إيتامار بن غفير، بحث جميع الخيارات بما في ذلك عملية واسعة النطاق في جنين، لكن يبدو أن هذا الخيار لن يكون قريبًا بسبب رغبة نتنياهو وغالانت في عدم التحرك من باب رد الفعل، وقبل كل شيء للحفاظ على عنصر المفاجأة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار في الحكومة الإسرائيلية، قولهم: “كل شيء سيكون في الزمان والمكان المناسبين وبالوقت الذي نختاره”.
وردًا على تصريحات بن غفير من مكان الهجوم الذي طالب بتنفيذ عملية واسعة وقصف المباني بالضفة جوًا، قالت ذات المصادر: “هناك اعتبارات سياسية دولية هنا وهناك، أيضًا هناك مغزى لعنصر المفاجأة”.
وأضافت المصادر الحكومية الإسرائيلية ذاتها ردًا على تصريحات بن غفير: “مثلما لم يستمعوا إليه حول غزة، لن يستمعوا إليه فيما يجري بالضفة .. نحن نعمل لاعتبارات مهنية وذات صلة فقط، وكل الخيارات مطروحة على الطاولة”.
وتشير الصحيفة، إلى أن المستوى السياسي يواجه معضلة تتعلق بأنه يصل إلى التصعيد في وقت يكون مستوى الشرعية الدولية لأي عمل عسكري واسع منخفضًا جدًا، ويتوقع أن أي عملية واسعة تعرض المدنيين الفلسطينيين للأذى وفي ظل سياسة البناء في المستوطنات، ستواجه انتقادات شديدة في العالم.
وتقول الصحيفة في ختام تقريرها: في المقابل ينفذ صبر شركاء نتنياهو في الائتلاف، وخاصة بن غفير، وسموتريتش، وكذلك داخل الليكود، خاصة وأن هذه حكومة يمينية كاملة وإحدى وعودها الأساسية إعادة الحكم والأمن الشخصي للإسرائيليين، فيما يتوقع الجمهور الإسرائيلي ردًا حادًا بشكل خاص عسكريًا واستيطانيًا.
من ناحيتها، رأت صحيفة هآرتس العبرية في تقرير لمراسلها ومحللها العسكري عاموس هرئيل، أن عملية أمس قد تسرع الاستعدادات لعملية عسكرية واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية، وفي حال حدثت فإنها ستتعرض لضغوط سياسية دولية، مشيرةً إلى أن المؤسسة الأمنية تريد الاكتفاء بعملية محدودة من أجل الحصول على تهدئة مؤقتة في المنطقة.
ولفتت الصحيفة،ـ إلى أن الهجمات الفلسطينية تتركز مؤخرًا على الطرق الاستيطانية وهي مناطق مفتوحة، ولا تجد الخلايا المسلحة أي صعوبة في تحديد أهدافها لتنفيذها، مشيرةً إلى أن منفذي عملية أمس أظهروا شجاعة أكبر واختاروا هدفًا كثيفًا وثابتًا لزيادة عدد القتلى.
وتقول الصحيفة، إن معظم العمليات التي نفذت هذا العام، نفذها فلسطينيون بشكل فردي أو ينتمون لخلايا محلية مثل عرين الأسود في نابلس، وكتيبة جنين، لكن هذه المجموعات تتلقى تمويلًا من حماس وأحيانًا حزب الله وإيران، ولكن هذه المرة الهجوم نفذ من قبل حماس نفسها.
واعتبر هرئيل، أن عملية أمس بمثابة نجاح تسجله حركة حماس في أعقاب أحداث جنين، وقد تؤدي العملية إلى محاولات لتقليدها، فيما سيزداد الضغط على الجيش الإسرائيلي لتقديم حلول واضحة لمواجهة هذه الهجمات، بعد أن أقنع سابقًا الحكومة الحالية والسابقة بأن عمليات الاعتقال وتكثيفها سيؤدي لمنع انتشار الهجمات، لكن في ضوء التوترات المتواصلة ربما يبحث عن حل آخر، قد يتمثل بعملية محدودة لقتل واعتقال وجمع الأسلحة، وما يأمله من ذلك هو فترة راحة مؤقتة.
ويقول هرئيل: المزيج الحالي للظروف، بوجود حكومة يمينية متطرفة تعتمد على المستوطنين، وضعف السلطة الفلسطينية لا سيما في شمال الضفة الغربية، لا يمكن أن يؤدي إلى الاستقرار .. يصبح الحفاظ على الاحتلال مهمة أكثر صعوبة ودموية بعد فترة طويلة، ومنذ نهاية الانتفاضة الثانية بدا فيها بشكل عام أن إسرائيل تستطيع الحفاظ على الوضع العام بأقل تكلفة، مشيرًا إلى تصريحات سابقة لسموتريتش بهذا الصدد حول رغبته بتوطين مليون يهودي في الضفة وقلب حكم السلطة واستعادة السيطرة على الضفة بأكملها والتي قد لا تكون منفصلة عن هذا الواقع. كما يقول.
ويضيف: لنتنياهو اعتباراته الخاصة، وعلى رأسها الرغبة في التهرب من المحاكمة بوقف الإجراءات الجنائية ضده، لكن شركاؤه في اليمين لديهم حسابات أخرى، وكان الهدف من إضعاف النظام القضائي هو التمكن من توسيع المستوطنات وإدامة الاحتلال، وما يحدث في مناطق الخط الاخضر لا ينفصل عما يجري في الضفة، وهذان جانبان متكاملان لنفس الخطة الخطرة.
من جانبها، قالت صحيفة يسرائيل هيوم العبرية، إن خيار تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق شمال الضفة الغربية قيد النظر منذ عدة أشهر، خاصة في ظل زيادة الهجمات الفلسطينية ومع وجود كمية جنونية من الأسلحة والعبوات الناسفة والتحريض على مزيد من الهجمات وغياب سيطرة السلطة الفلسطينية الأمر الذي أدى إلى حالة من الفوضى. كما تقول.
وتضيف الصحيفة: كل هذه الأمور ستؤدي في نهاية المطاف إلى قيام الجيش الإسرائيلي بعملية واسعة النطاق في شمال الضفة، ويمكن أن يكون لهذه العملية محفزان: الأول، هجوم غير عادي كما جرى أمس، والثاني هو تراكم معلومات استخباراتية عالية الجودة ومركزة من شأنها أن تؤدي إلى إحداث ضرر منهجي عميق للبنية التحتية للخلايا المسلحة.
ولفتت إلى أن المستوى السياسي قد يعطي الضوء الأخضر لمثل هذه العملية في حال توفرت معلومات استخباراتية دقيقة لتنفيذ عملية واسعة وسريعة، مع فهم المخاطر أنه في حال عدم وجود مثل هذه المعلومات قد يؤدي إلى إطالة أمد العملية وقد تكون نتائجها غير كافة، وأن تتعرض لنقد دولي، وربما بضرر على الساحة الفلسطينية أمام التشابك الميداني ما بين غزة والضفة، وهذه أمور يجب أخذها بالحسبان مسبقًا، وعلى إسرائيل أن تبني شرعية دولية لمثل هذه العملية.
ورأت الصحيفة، أنه على إسرائيل أن تدرس آلية الرد على اللعبة المزدوجة التي تقودها حماس في الضفة الغربية بينما تحافظ على الهدوء بغزة، مشيرةً إلى أن إسرائيل هاجمت الجهاد الإسلامي في غزة لنفس الأسباب، ولذلك عليها أن تسأل نفسها كيف ستقوم بعمل تكتيكي ضد حماس حتى ولو كان على حساب تصعيد متجدد من الجنوب.
وتقول الصحيفة: هناك حاجة ماسة من أجل إعادة الأمن الفوري في الضفة الغربية، لكن التدهور الأمني في الأشهر الماضية في جميع الجبهات يظهر أن تراجع مستوى الردع في الضفةـ،يشجع على مزيد من الهجمات، وسيمنح جبهات أخرى ومنها حماس بغزة لقبول أي تحدي.
وفي تقرير آخر للصحيفة ذاتها، أشارت إلى أن قضية العملية الواسعة في الضفة مطروحة منذ أسابيع، لكن هناك خلافات بشأنها حتى داخل المؤسسة الأمنية حول ضروريتها وفعاليتها، بينما يرى البعض أنها مهمة وأنه في النهاية لا مفر منها لمنع وقوع مزيد من القتلى الإسرائيليين.
وأشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي يفحص فيما إذا كان الهجوم نفذ أمس بتوجيه من قيادة حماس بغزة، لافتةً إلى أن المؤسسة الأمنية تناقش منذ فترة طويلة فيما إذا كان سيتم الرد على لعبة حماس المزوجة بتشجيع الهجمات بالضفة وشراء الهدوء بغزة.
“القدس”