نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، مقالا للمحامي وسام شرف، الذي ينحدر من قرية عين قنية بالجولان السوري المحتل، تحدث فيه عما يقوم به الاحتلال في تلك المنطقة، بهدف تبييض احتلاله للمرتفعات الواقعة بين فلسطين وسوريا.
وتحدث المقال عن مشروع توليد الكهرباء بطاقة الرياح في القرى الدرزية، وكيف يتخذها الاحتلال مبررا آخر للسيطرة، واحتلال المزيد من الأرض وطرد السكان المحليين.
وتاليا نص المقال مترجما:
في وقت مبكر من صباح الثلاثاء، اجتاحت السلطات الإسرائيلية، بما في ذلك المئات من عناصر الشرطة وما يزيد على المائة عربة أمنية، حقول التفاح والكرز التي تعود ملكيتها الخاصة إلى أبناء المجتمع الدرزي في مرتفعات الجولان المحتلة.
ثم أغلقت السلطات جميع الطرق المؤدية إلى الحقول من أجل تمكين شركة إسرائيلية خاصة، هي شركة إنيرجيكس للطاقات المتجددة، من الدخول، وتوفير الحماية لها أثناء إقامتها لمزرعة رياح هناك.
ويدفع إيتمار بن غفير، وزير الأمن الوطني اليميني المتطرف، باتجاه إقامة مزرعة الرياح هذه، ويطلق على هذه الحملة اسم “رياح الجولان”، زاعماً أن المشروع ضروري من أجل الاقتصاد الإسرائيلي. بل ومؤكداً، فوق ذلك، أن مرتفعات الجولان المحتلة “تحتاج إلى مزيد من الحكم الإسرائيلي”.
على مدى يومين، نفذت الشركة مشروع إنشاء المولدات الهوائية بينما وقف عناصر الشرطة يوفرون لها الحماية أثناء عملها. وبطبيعة الحال، فإنه تم تنفيذ هذا المشروع ضد رغبة المواطنين السوريين، أصحاب الأرض الشرعيين.
ونتيجة لذلك، فقد شارك الكثيرون من أهل المنطقة في مظاهرات احتجاجية ضد حواجز الشرطة وضد مزرعة الرياح. وفي العاشرة من صباح الحادي والعشرين من يونيو/ حزيران قمعت قوات الشرطة بعنف المحتجين مستخدمة القوة المفرطة والذخيرة الحية ضدهم، ما تسبب في إصابة ما لا يقل عن خمسة أشخاص بجراح مهددة للحياة.
“مشروع وطني”
بدأت السلطات الإسرائيلية في عام 2013 بالتخطيط لتطوير مزرعة رياح في مرتفعات الجولان المحتلة، فيما أعلنت إدارة التخطيط الإسرائيلية أنه “مشروع وطني”، سامحة لوزير المالية بمصادرة الأراضي ذات الملكية الخاصة من أجل تطوير المنطقة كما تريد.
منذ ذلك الحين والمواطنون السوريون يعبرون علانية عن معارضتهم للمشروع انطلاقاً من مبررات قانونية وثقافية. وسلم محامون ومنظمات غير حكومية، بالنيابة عن المجتمع المحلي، مئات الاعتراضات لسلطات التخطيط الإسرائيلية، مبينين أسباب معارضتهم.
إلا أن سلطات التخطيط لم تأخذ ما عبروا عنه من مخاوف في الحسبان، وأقدمت في عام 2019 على إقرار تطوير 21 مولد طاقة هوائية على الأراضي التي تعود ملكيتها الخاصة إلى مواطنين سوريين. من المهم ملاحظة أن هذه هي أول مزرعة رياح تقام على أرض ملكيتها خاصة داخل إسرائيل (من بين ما يزيد على الخمس مزارع هوائية).
وطبقاً للخطة التي تم إقرارها، فإن المشروع سوف يحتل مساحة إجمالية تبلغ 3674 دونماً (3.674 مليون متر مربع) موزعة على النحو الآتي: 3644 دونماً هي مساحة مزرعة الرياح – تكفي لتقام فيها مولدات يصل ارتفاع الواحد منها عن سطح الأرض إلى 200 متر – وعشرين دونماً للطرق، وثمانية دونمات للبنى التحتية، ودونم واحد لاستخدام الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن.
لماذا المعارضة؟
بعد احتلال مرتفعات الجولان السورية في حرب عام 1967، طرد معظم سكان المرتفعات شرقاً إلى داخل سوريا. ولم تبق بعد الحرب سوى خمس قرى. ومنذ ذلك الحين والحكومة الإسرائيلية تتخذ الكثير من الإجراءات لفرض سيطرتها على ما تبقى من مجتمع محلي، على غرار السياسات التي فرضت على الفلسطينيين الذين تبقوا بعد عام 1948، بما في ذلك مصادرة الأراضي، والتقسيم غير العادل للموارد، والفصل العنصري، والتعامل معهم بقسوة من قبل قوات الشرطة.
يثبت هذا التاريخ للمواطنين السوريين المحليين أنه حتى في عام 2023 فإن من شأن مشروع مزرعة الرياح أن يوفر ذريعة للسيطرة على الأرض، وهو ما تؤكده الخطط التي وضعت لتنفيذ المشروع.
ويخطط لتنفيذ المشروع ما بين قريتي مجدل شمس ومسعدة، ما يفصم العروة الجغرافية بين القريتين ويجعل إمكانية التوسع المستقبلي في القريتين مستحيلاً. ومع استحالة التوسع فإن القريتين المكتظتين بالسكان حالياً سوف تزدادان اكتظاظاً. فقرية مجدل شمس، على سبيل المثال، مسدودة من جميع الاتجاهات، فمن الشرق والشمال الحدود، ومن الغرب توجد قاعدة عسكرية ومستوطنة غير قانونية، ومن الجنوب تقام مزرعة الرياح.
بالإضافة إلى ذلك، وخلال العقود الخمسة التي مرت منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي، لم يزل المجتمع الدرزي السوري المحلي يعتمد على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل، وذلك في حد ذاته أتاح للاقتصاد المحلي بعضاً من الاستقلال المالي. وسوف تحتل مزرعة الرياح مساحة واسعة من الأرض الزراعية، ما يستحيل معه على المزارعين الاستمرار في فلاحة أراضيهم.
والسبب الآخر من وراء هذه المعارضة ذو علاقة بالبيئة. فقد بات شائعاً الآن على المستوى العالمي أن مولدات الطاقة بالرياح قد تسبب أضراراً لا حصر لها للبيئة وللحياة البرية، وخاصة للخفافيش والطيور، رغم أن ما تولده من طاقة مقابل ذلك ضئيل جداً. وتعتبر مرتفعات الجولات موطناً لمئات الأنواع المختلفة من الطيور والخفافيش، بعضها مستوطن وبعضها مهدد بالانقراض.
ولهذه الأسباب عارض المجتمع المحلي المشروع علانية، بدءاً بمظاهرة عارمة نظمت في يناير/ كانون الثاني من عام 2020 ما لبث أن تبعها عدد آخر منذ ذلك الحين.
تبييض أخضر للاستعمار
روجت الشركة الإسرائيلية، وكذلك الحكومة الإسرائيلية، لمزرعة الرياح باعتبارها مشروعاً “أخضر” وكجزء من خطة إسرائيل لاستخدام 30 بالمائة من الطاقة الخضراء بحلول عام 2030. إلا أن الحقيقة، بالطبع، مختلفة تماماً. فهذا المشروع من شأنه أن يلحق دماراً واسعاً بالطبيعة بدلاً من أن يكون في خدمتها.
ولقد ورد ذكر الأسباب غير المعلنة لهذا المشروع في تصريحات العديد من القادة الإسرائيليين، مثل بن غفير الذي يطالب بمزيد من “الحكم”، وبالتالي المزيد من الأرض المحتلة وطرد أهلها منها.
وما مزرعة الرياح إلا مشروع آخر يهدف إلى استغلال الموارد العزيزة لمرتفعات الجولان المحتلة. ناهيك عن أن إسرائيل لم تزل تسعى منذ عام 1967 إلى تعزيز قبضتها على المنطقة من خلال إقامة العديد من المستوطنات غير القانونية، وفرض توزيع غير عادل للموارد، وتنفيذ المشاريع الاستعمارية مثل هذا المشروع.
لا يقتصر دور الرابطة بين المجتمع المحلي وما يملكونه من أشجار وأراض على كونه وسيلة أساسية لاستمرار وجود مجتمع يرزح تحت الاحتلال، بل وكذلك يحمل في طياته دلالة ثقافية وتاريخية بالغة الأهمية.