صحيح أن العملية في مخيم جنين للاجئين، التي خطط لها ونفذها جيش الاحتلال توفر إنجازات عملياتية مهمة، لكنها محلية ومؤقتة، لذلك من المرجح أن تكون هناك حاجة لعمليات إضافية في المستقبل في إطار سياسة “جز العشب” للبنية التحتية للمقاومة في جنين، وربما في مدن أخرى، رغم أن العمل العسكري وحده لا يمكن أن يوفر إجابة شاملة لتحديات الأمن والاستقرار في الضفة الغربية.
عاموس يادلين الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، وأودي أبينتال الخبير في الاستراتيجيات وتخطيط السياسات، أكدا أنه “بمرور الوقت، يجب أن يتواجد كجزء من خطة متماسكة واستراتيجية وسياسة واضحة للمستوى السياسي، لكن هذا غير موجود في الحكومة التي تتأرجح بين نموذجين، أمني ومسيحاني، رغم ما ألحقته عملية “بيت وحديقة” من أضرار جسيمة بالبنية التحتية للمقاومة في جنين التي أصبحت مقصدًا محصنًا ومدخلا خطيرًا وملجأً لنشطاء المقاومة”.
وأضافا في مقال مشترك نشره موقع القناة 12، أن “العملية بدت خطوة مكملة لجهود “كاسر الأمواج”، على خلفية تفاقم خطر المقاومة من حيث هجمات متعددة على المحاور، وإطلاق نار على المستوطنات ومواقع الجيش وقواته، واستخدام متفجرات عالية الجودة وقوية، ومحاولات لإنتاج الصواريخ الأولى، وإطلاق تهديدات باتجاه “إسرائيل”.
ورغم ما اشتملته العملية في جنين من تسلسل عملياتي، مع نطاق وكثافة أعلى من المعتاد، ودمج الكوماندوز مع القوات الجوية، لكن الإنجاز جاء أكثر تواضعا، وكما هو معتاد مع حرب العصابات، فقد اختار المقاومون الابتعاد عن الجيش، وإخفاء أسلحتهم.
وأشارا إلى أنه “في نهاية العملية، سيعود المسلحون إلى المخيم، والتحدي لا يزال قائما في بؤر ساخنة أخرى في الضفة، في نابلس وطولكرم، ومع مرور الوقت سيتجدد في مخيم جنين، وكلما طال بقاء قوات الاحتلال في الميدان فقدت ميزة المبادرة والمفاجأة، وأصبحت أهدافا متاحة للمقاومة؛ وتنتج حلقة جديدة من التصعيد”.
وقد “تنتقل العدوى” لساحات أخرى؛ وتزداد احتمالية حدوث أعطال تشغيلية، وتتآكل شرعية استخدام القوة العسكرية، حتى لو كانت محلية ومؤقتة، لكن السؤال الأكبر هو: ما الهدف الاستراتيجي والسياسي الذي خدمته العملية، وكيف تنوي إسرائيل تحقيق الاستقرار في المنطقة على المدى الطويل؟”.
واعترفا بأن “الإشكال الاستراتيجي للحكومة يتمثل في النموذجين المتصارعين داخلها، أولهما بقيادة وزراء اليمين المتطرف المسيحاني الداعي للسيطرة العسكرية المباشرة على جميع الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك المدن، كما هو موجود قبل اتفاقيات أوسلو، والضم الواسع للأراضي، والتوسع غير المقيد للمستوطنات، وتفكيك السلطة الفلسطينية كنظام حكم يدير حياة ثلاثة ملايين فلسطيني، وثانيهما يمثله وزير الحرب يوآف غالانت ورؤساء الأجهزة الأمنية والجيش، الذين يميزون بين المناطق الفلسطينية أ، ب، ج”.
وأوضحا أن “الاتجاهان الأمني والعسكري يؤيدان تقاسم المهام والصلاحيات مع السلطة، وكلّما قلّ دورها، زاد دور الاحتلال. وعندما يجري إضعافها، وحدوث فراغ بسببها، فإنه يكون في غير صالحه، ويرى هذا النهج بتعزيز السلطة والتنسيق الأمني معها عناصر مهمة لضمان الأمن والاستقرار في الميدان، ومن الواضح أن هذا النهج لن يسمح سياسيا بتحويل جنين وأي مدينة فلسطينية أخرى إلى نموذج غزة، بل إنه سيمارس العمليات الحازمة النشاط ضد العناصر المسلحة، ولكن مع تعزيز تنمية الاقتصاد الفلسطيني، والاستفادة من قمتي العقبة وشرم الشيخ لتعزيز السلطة الفلسطينية، وخلق حافز لها للعودة والسيطرة على الأراضي التي فقدت سيطرتها عليها”.
وأكدا أن “أصحاب هذا النهج داخل الحكومة سيسعون لكبح التحركات المدمرة للاستقرار والهدوء من حيث عدم تسريع البناء غير القانوني للبؤر الاستيطانية، وهدم منازل الفلسطينيين، وإلغاء فك الارتباط، والعودة للمستوطنات غير الشرعية خلافا للالتزامات الدولية، وإضعاف السلطة وأجهزتها، وتأييد الإرهاب اليهودي ضد الفلسطينيين، ومواجهة أخذ المستوطنين للقانون بأيديهم من المشاغبين الإجراميين الذين يرتكبون جرائم خطيرة ويسيئون لسمعة إسرائيل في العالم، والمساهمة بفقدان الحكم في إسرائيل”.
خلاصة هذه القراءة الإسرائيلية الموسعة أن الدعوة ما زالت لمواصلة الجيش تنفيذ عدوانه على الفلسطينيين، لكن استقرار الوضع الأمني على المدى الطويل لن يتم حلّه بالوسائل العسكرية وحدها، ويتطلب استراتيجية متماسكة للمستوى السياسي، في حين تواجه حكومة الاحتلال تسوية مستحيلة بين الشيء ونقيضه، بين استقرار وإدارة الصراع، أو تصعيده إلى نهايته من خلال استمرار الاحتلال والضمّ الكامل، ما يدفع الاحتلال إلى عدم التركيز على الأهداف الاستراتيجية التي حددها لنفسه، لمواجهة إيران النووية والتطبيع مع السعودية.
التخوف الإسرائيلي أن يغرق الاحتلال في “الوحل الفلسطيني” من قبل وزرائه الفاشيين ما يعرّض مستقبله للخطر، لأن الوضع المعقد والمتدهور والمتفجر في الضفة الغربية، وإمكانية توسع القتال لساحات أخرى يمثل تحديًا خطيرًا يتطلب وقف الدوامة التي وجد فيها الاحتلال نفسه بسبب الانقلاب القانوني، الذي أدى إلى صراع داخلي، وإلحاق الضرر بالردع.
عربي21