لم يعد “شارون”، ينقل الموتى عبر نهر “ستيكس” إلى العالم السفلي كما في الميثولوجيا الإغريقية، بل أصبح يطلق كرات النار من الصحراء الكبرى على أوروبا محولا إياها إلى جحيم في الصيف.
يونيو ترسخ فعليا باعتباره الشهر الأكثر سخونة في تاريخ الأرصاد الجوية في أوروبا، ويعود سبب شذوذ الطقس الحالي إلى الإعصار المضاد “شارون”، الذي يتكون فوق الصحراء الكبرى في إفريقيا ويزحف إلى أوروبا، حيث يتوقع أن تسجل الحرارة رقما قياسيا يزيد عن 50 درجة مئوية.
صيف العام الحالي حطم ولا يزال الأرقام القياسية في درجات الحرارة، وداهمت في نفس الوقت درجات الحرارة المرتفعة وغير الطبيعية ثلاث قارات هي أوروبا وآسيا وإفريقيا.
بسبب إعصار “شارون” المضاد الذي يتكون فوق الصحراء الكبرى، حذر المركز الوطني الإيطالي للأرصاد الجوية من أن الأسبوع الجاري قد يصبح الأكثر سخونة في تاريخ هذا البلد، في حين أن درجات الحرارة في إيطاليا كانت بشكل عام أعلى بحوالي 10 درجات مئوية من المتوسط!
الأرقام القياسية لدرجات الحرارة تحطمت يوم 18 يوليو 2023 في ست مناطق في أوروبا في وقت واحد، وقد بلغت روما 41.8 درجة، وفي مدينة “ليكاتا” على الساحل الجنوبي لصقلية 46.3 درجة، وجرى الإعلان عن المستوى” الأحمر” لخطر درجة الحرارة في 23 من أكبر 27 مدينة في إيطاليا.
بالنسبة لدرجات الحرارة الشاذة في مناطق العالم الأخرى، فيمكن على سبيل المثال الإشارة إلى أن درجات الحرارة تراوحت في العاصمة الصينية بكين بين 35 – 40 درجة مئوية، فيما ارتفعت في مياه خليج المكسيك إلى 30 درجة، ما يهدد النظام البيئي للمنطقة بالتدمير الكامل.
أما منطقة الشرق الأوسط فتعاني هي الأخرى من درجات الحرارة غير الاعتيادية، حيث تحطم في 17 يوليو الرقم القياسي في هذه المنطقة، وسُجل رقم قياسي جديد بلغ 66.7 درجة مئوية في جنوب إيران.
السلطات المحلية هناك اضطرت جراء ذلك، إلى تقليص عدد من برامجها الزراعية، وخاصة زراعة البطيخ، تخوفا من عدم توفر ما يكفي من المياه للعام المقبل.
وفي شمال إفريقيا تحدثت تقارير عن مضاعفات لدرجات الحرارة القياسية المرتفعة تمثلت في غزو للعقارب والثعابين لمدن دول المنطقة بسبب فرارها من الصحاري سعيا وراء الماء.
درجات الحرارة المرتفعة طالت الولايات المتحدة أيضا، حيث ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الحرارة قياسية بلغت 43 درجة مئوية بقيت في ولاية أريزونا الأمريكية لمدة عشرين يوما، حتى أن أهالي مدينة “فينيكس” عاصمة الولاية أطلقوا على منطقتهم اسم “الجحيم على الأرض”.
حتى من تعود على درجات الحرارة المرتفعة أصبح بحس بوطأتها. يظهر ذلك في قول عامل مكسيكي في محطة وقود لصحيفة نيويورك تايمز: “شعرت كما لو أني تعرضت للرشق بكرات نارية”.
موجة حر شديدة كانت ضربت أوروبا العام الماضي وتسببت في وفاة أكثر من 60 ألف شخص، معظمهم من النساء وكبار السن، فيما قد تكون عواقب درجات الحرارة القياسية صيف العام الجاري أسوأ بكثير.
علماء الأرصاد الجوية يفسرون هذه الظاهرة غير الاعتيادية بعدة عوامل منها حدوث “انفجار حراري” فوق الصحراء وتكون الإعصار المضاد “شارون”، الذي يحمل كتلا هوائية شديدة الحرارة من إفريقيا إلى أوروبا.
العامل الهام الثاني يتمثل في تذبذب في درجة حرارة الطبقة العليا من مياه المحيط الهادئ، والتي تسمى “النينو”، وهذا التذبذب ناجم، بحسب الخبراء عن ظاهرة الاحتباس الحراري.
المحبط أن تقديرات الخبراء تشير إلى أن درجات الحرارة لن تضعف في المستقبل القريب، وستزداد بذلك صعوبات تقييم العواقب الكارثية لهذا الشذوذ المتصاعد.