تتصاعد التحذيرات والمخاوف لدى الاحتلال الإسرائيلي من تفكك خطير يصيب الجيش بسبب الأزمات المتشعبة التي أحدثتها خطة التغييرات القضائية التي تقودها حكومة اليمين، التي يتزعمها بنيامين نتنياهو، والتي تسببت بإشعال فتيل التوتر والغضب لدى جمهور الاحتلال.
وفي ظل تصاعد عدد قوات الاحتياط الرافضة للخدمة العسكرية من مختلف الأقسام (وحدات خاصة، طيران، طب، استخبارات) بسبب خطة حكومة نتنياهو، أكد جنرال احتياط تمير هايمن، مدير “معهد بحوث الأمن القومي”، في مقاله بصحيفة “إسرائيل اليوم”، أن “إسرائيل تقف أمام أيام دراماتيكية، ونموذج الجيش، مثل كل الأمور المسلم بها، حين تختفي يبدو نقصها وهشاشتها”.
وقال: “تفكيك نموذج جيش الشعب سيكون حرجا لأمن إسرائيل، التفكيك بدأ منذ الآن، فمحاولات إبقاء الجيش خارج الخطاب السياسي لم تعد ذي صلة”، منوها إلى أن “الجيش الإسرائيلي في قلب الحدث، والتوقع بأن يبقى خارجه كان على ما يبدو ساذجا”.
واعتبر أن “سر قوة الجيش، ليس الطاعة العمياء، بل روح التطوع والمبادرة المنتشرة في كل عناصر قوته المميزة، من اليمين ومن اليسار، من المركز ومن بلدات المحيط، متدينين وعلمانيين، هي التي تجعل الجيش الإسرائيلي جيش الشعب”، وفق وصفه.
وأكد الجنرال، أن “روح التطوع هذه في خطر وجودي، بدونها الجيش الإسرائيلي الذي نعرفه سيتفكك، كل ما سيتبقى هو جيش عادي، عديم البريق المميز وسر ردعنا، وعلى المستوى العملي، بدون منظومة احتياط، التي تكاد تقوم تماما على أساس التطوع، الجيش الإسرائيلي هو جيش صغير مع قدرات محدودة أكثر بكثير من تلك الموجودة اليوم”.
ونوه إلى أن “جيش الاحتياط يسمح لإسرائيل دفعة واحدة، عند صدور الأمر بأن يجعل الجيش الإسرائيلي أحد الجيوش الكبرى والنوعية في المنطقة”، لافتا إلى أن “التحدي كبير على نحو خاص، كون الحديث يدور عن عمود فقري مهني وحرج لأهلية الجيش، علما بأن إضعاف الدافع للخدمة من شأنه أن يكون هداما”.
وأضاف: “سلاح الجو الإسرائيلي، الذي هو أحد الأسلحة الأفضل في العالم، يكاد يقوم كله على أساس التطوع، من التطوع لدورة طيران، عبر الوحدات الخاصة لسلاح الجو وحتى مدربي الطيران الذين يرافقون متدربي الطيران لسنوات طويلة بعد أن كان بوسعهم الاعتزال، وفي وحدات شعبة الاستخبارات المختلفة أيضا، وأساسا في الوحدات التي تمنح إسرائيل قدرات سايبر وتكنولوجيا ذات مغزى، القاعدة هي التطوع لخدمة ذات مغزى، وأحيانا أطول من المعتاد”.
وأوضح هايمن، أن “الوحدات المختارة جدا في الجيش الإسرائيلي، تقوم أيضا على أساس التطوع، كما أن الخروج إلى الضابطية في الجيش الإسرائيلي هو أيضا يقوم كله على أساس التطوع وعلى إرادة الشباب لمواصلة المساهمة بالجيش، في هذه الحالة أيضا. غياب الدافع للتطوع سيضعف عناصر القوة الجوهرية للجيش الإسرائيلي؛ الجو، الاستخبارات، القوات الخاصة”.
وحذر من أن “مواصلة هذا الميل الخطير من شأنه أن يؤدي إلى تآكل معادلة الردع الجوية، كقاعدة، والردع ليس مفهوما قابلا للقياس، بل عنصر يرتبط بالنفسية ولا يمكن قياسه إلا عندما يفشل”، موضحا أنه “توجد أماكن يؤدي فيها تغيير طفيف في ميزان الردع إلى مضاعفات قاسية”.
وتابع: “مثلا؛ جبهة الشمال مع حزب الله، حيث يبدو أن حسن نصرالله بات لديه إحساس مبالغ فيه بالثقة بالنفس، ساحة أخرى من شأن كل تغيير طفيف فيها أن يؤثر على ميزان الردع هي إيران، وهذه غير مقتنعة بالتهديد العسكري المسلط عليها”.
وزعم الجنرال، أن “الساحة الفلسطينية ستتأثر أقل بالحدث، بسبب الاحتكاك اليومي الذي يجسد لها قدرات إسرائيل. رغم ذلك، تجري محاولات لتفعيل الساحة الفلسطينية، ومن فوق كل هذه، تحوم الأزمة المتعمقة في علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة، التي ترتبط هي أيضا بالخوف في الإدارة من فقدان القيم المشتركة التي تقوم على أساسها العلاقات الخاصة”.
وفي ضوء كل هذا، فقد لفت إلى أنه “لا يوجد أي بديل آخر؛ حكومة إسرائيل هي الوحيدة التي بوسعها أن تمنع استمرار ميل هذا التفكيك، رئيس الوزراء يعرف جيدا خريطة التهديدات، والتوقع منه واحد، أن يتوقف ويعيد النظر في المسار. يجب السعي إلى تغييرات في جهاز القضاء بتوافق واسع، والجراح سيستغرق سنوات لإشفائها، لكن الميل إذا لم يتوقف الآن، فربما لن يشفى”.