سلّم هاتفه لوالدتي وطلب منها أن تدعو له لحين عودته”، بهذه الكلمات بدأ محمد طروش حديثه عن شقيقه الشهيد لؤي طروش، الذي اغتالته قوات الاحتلال الإسرائيلي مساء أمس الأحد رفقة اثنين من أصدقائه على مدخل قرية عرابة جنوب مدينة جنين.
وأضاف محمد أن شقيقه في “حوالي الساعة الثانية ظهرا بدأ بتجهيز نفسه في المنزل، والاستعداد للخروج، أحست والدتي أنه ينوي على أمر ما، وحين سألته قال لها إنه سيذهب لرؤية صديقه ويعود، بدون أن يتأخر، لكنه كان مصرّا على أن تدعو له حتى يعود، وتركنا وخرج”.
خرج لؤي برفقة اثنين من شباب كتيبة جنين التابعة لحركة الجهاد الإسلامي في مخيم جنين، واستقلوا سيارة خاصة، متوجهين إلى منطقة “مستوطنة دوتان” المقامة على جزء من أراضي بلدة عرابة إلى الجنوب من مدينة جنين، وقبل وصولهم إلى مدخل بلدة عرابة حاصرتهم سيارات مدنية تابعة للقوات الخاصة الإسرائيلية، وأطلقت عليهم كميات كبيرة من الرصاص بشكل مباشر، قبل أن تعلن عن اغتيالهم.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد أعلنت عن اغتيال خلية تضم 3 من أفراد كتيبة جنين، بعد مهاجمة سيارة خاصة كانوا يستقلونها عند مدخل بلدة عرابة جنوب جنين، وقال بيان الجيش الإسرائيلي إن قواته الخاصة تمكنت من قتل قائد خلية في كتيبة جنين ومساعده.
لحظة الاغتيال
بعد نشر أسماء الشهداء الذين اغتالتهم إسرائيل، تبين أن الشهيد نايف أبو صويص وهو قائد خلية في كتيبة جنين، هو المستهدف الأول في عملية الاغتيال.
وأوضح شهود عيان كانوا في منطقة الاغتيال، أنهم وجدوا فوارغ 30 رصاصة على الأرض في محيط توقف السيارة لحظة محاصرتها من قبل القوة الخاصة الإسرائيلية.
وأكد مقاتلو كتيبة جنين الذين كانوا في بيت عزاء الشهداء الثلاثة، أن الشهيد لؤي طروش كان واحدا من أهم المقاتلين في الكتيبة، وأنه مسؤول عن عدد من العمليات التي نفذتها الكتيبة في أوقات سابقة ضد أهداف عسكرية إسرائيلية.
يقول شقيقه محمد، “لؤي كتوم لم يخبر أحد منا أنه من أفراد الكتيبة، ونحن في المنزل لا نعلم عنه شيئا، كان يخرج لملاقاة أصدقائه ويتأخر في الليل، لكن لم يشعر أحد أنه من أفراد الكتيبة”.
ويضيف “كان شعور والدتي قويا أمس بأن لؤي ينوي على أمر خطير، لكن لم تتوقع أنه سيخرج ولا يعود مرة أخرى، لقد صدمنا بالخبر بدرجة كبيرة”.
القائد نايف أبو صويص
ووفق زملائه من كتيبة جنين، فإن الشهيد أبو صويص (26 عاما) كان قد نفذ عددا من عمليات الاشتباك مع جيش الاحتلال خلال عمليات اقتحامها المتكررة للمخيم، إضافة لقيامه بعدد من العمليات النوعية خارج المخيم.
من جانبه، قال المقاتل “ن. ص” من كتيبة جنين إن “الشهيد نايف عُرف بشجاعته في مواجهة قوات الاحتلال، كان يشتبك معهم من مسافة الصفر في كل اقتحام للمخيم، إضافة للعمليات النوعية والمتمثلة بإطلاق النار، على عدد من الحواجز العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات”.
وأضاف المتحدث أنه بعد الاجتياح الأخير للمخيم “برز اسم الشهيد نايف كأبرز المطلوبين للتصفية في قوائم الاحتلال الإسرائيلي، لذا فقد تخفى عن الأنظار، وكان يأخذ أعلى درجات الحيطة الأمنية، وفي الوقت نفسه كان على اتصال دائم بنا في الكتيبة لمتابعة التطورات والتدريبات داخل الكتيبة، إضافة لمتابعة أوضاع المخيم الأمنية والإنسانية”.
وأكد المقاتل “ن. ص” أن الشهيد أبو صويص من أبرز القادة في كتيبة جنين، وكان يدرب المقاتلين الجدد على حمل السلاح والاشتباك، إضافة لدوره البارز في معركة “بأس جنين” الأخيرة التي حدثت بداية شهر يوليو/تموز الماضي.
وأضاف المتحدث أن الشهيد أبو صويص كان يتقدم الشباب المشتبك ويخطط لمواجهة قوات الاحتلال التي اقتحمت حارة الدمج في المخيم، ويضع الخطط في التقدم والانسحاب، إضافة إلى إعطاء الأوامر في تفجير العبوات الناسفة وغيرها.
وتابع “كنا نعمل كخلية موحدة أثناء المعركة، نتلقى الأوامر من الشهيد نايف رحمه الله، ونعمل وفق المخطط الذي رسمه مع بقية الأخوة في الكتيبة (أمور القتال والاشتباك، متى علينا التقدم ومتى يجب الرجوع)، كان منظما جدا ومتعاونا مع كافة أفراد الكتيبة”.
ويعدد “ن. ص” صفات أبو صويص وعلاقته مع أصدقائه وزملائه في الكتيبة، قائلا “كان ودودا جدا مع الكل، ومتعاونا، ومحبا لكل أفراد الكتيبة، كان قريبا منّا، وعُرف ببطولته عند المواجهة وشجاعته في المعارك، وكان محبّا جدا للمخيم، ويعرف طريقه إما الوصول إلى النصر أو الشهادة، رحمه الله”.
مطلوب للتصفية
وقبل حوالي شهر، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزل الشهيد نايف أبو صويص في اليوم الأول من اجتياح مخيم جنين الأخير، وأبلغت عائلته أنه وشقيقه مطلوبان، وأن عليهم تسليم أنفسهم للجيش.
في هذا الإطار، يقول جهاد أبو صويص والد الشهيد نايف “داهموا المنزل ودمروا محتوياته وكسروا الأبواب والنوافذ، ثم سألوني عن أولادي فقلت لهم إنهم خارج المنزل ولا أعرف أين هم، فقال لي ضابط جيش الاحتلال إن أولادك مطلوبون، وسنقتلهم في حال لم يسلموا أنفسهم”.
واضاف أبو صويص “منذ ذلك اليوم لم أر ولدي نايف أبدا، مضى شهر كامل وأنا لا أعلم عنه شيئا، كل ما أعرفه أنه أحد أفراد كتيبة جنين، وحتى هذا الأمر عرفته بعد تبليغي بتهديد قوات الاحتلال بتصفيته يوم اقتحموا المنزل، لكن قبل يومين جاء نايف للمنزل، سلمت عليه وتحدثت معه، ثم غادر مسرعا، لم يتعد الأمر الـ10 دقائق، تناول القليل من الطعام، ثم بدّل ملابسه، وغادر مسرعا لخطورة وجوده في المنزل”.
وبحزن الأب المكلوم، تابع “لم يبت في المنزل منذ بداية الشهر الماضي، ولا نعلم أين كان طوال هذه الفترة، أصبح مطاردا، حدّثته نحو 5 دقائق في آخر زيارة للمنزل، جاء ليودعنا على ما يبدو”.
ووفق بيان جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن الشهداء أبو صويص وطروش والشهيد الفتى براء القرم 15 عاما، كانوا متوجهين لتنفيذ عملية ضد هدف إسرائيلي بتوجيه من تنظيمات في قطاع غزة.
لكن أفراد كتيبة جنين يقولون إن هذه المعلومات هي معلومات أمنية للكتيبة، ولا يجب الحديث عنها، حتى بعد ارتقاء الشهداء الثلاثة، وإن المهم أن الشهداء قد أتموا واجبهم تجاه المخيم وتجاه فلسطين بقلوب صافيه ونية خالصة لله وللجهاد.
الجزيرة نت