في الصراع على وراثة عباس: دحلان.. الوريث الأوفر حظاً!! د. أحمد يوسف

في الكثير من اللقاءات مع شخصيات سياسية ودبلوماسية ووفود من معاهد ومراكز أبحاث أوروبية، كان السؤال الذي لا يغيب عن نقاشات الحوار هو التساؤل عن الرئيس القادم أو خليفة الرئيس محمود عباس في رئاسة السلطة الفلسطينية.  بالطبع، السؤال مشروع وليس بمستهجن أو مستغرب، فنحن نتحدث عن شخصية سياسية تجاوز عمرها الخامسة والثمانين، وبالكاد تتحرك معتمدةً على إسناد العديد من دعامات القلب والكرتزون والمحاليل الطبية، وسيكون بالتالي رحيلها مفاجئً وله تداعيات كبيرة في المشهد السياسي الفلسطيني المتهالك، حيث الانقسام والتشظي وغياب الاستقرار وانعدام الرؤية، إذ ليس هناك أية ترتيبات واضحة في مشهد الحكم القائم يمكنها أن توفر تطمينات باحتمالية حدوث انتقال سلمي للسلطة، فالرئيس عباس -للأسف- لا يبدو مُكترثاً بما يمكن أن يحدث بعده، وكلّ ما يهمه هو أيامه التي يجلس فيها ملكاً على عرش السلطة، تاركاً خلفه ترتيب أمر خلافته للأمريكان والإسرائيليين، مع بعض الإيحاءات لعدد من المقربين والملأ من حوله أنهم في دائرة اختياراته!!

لم يستطع أحد في داخل الوطن أو خارجه اقناع الرئيس بضرورة اختيار نائباً له، مُصِّراً على ترك حبل الحكم على غاربه، فالرئيس الثمانيني يريد أن يموت في عزِّه وصولجانه لا يُسئل عما يفعل، فلا ينازعه ولا يناقشه أحد في شؤون الحكم وسلطة اتخاذ القرار!!

وفي سياق سؤال “الوريث” مع ما عليه الحال من تجريف للحياة السياسية، تبقى الشخصيات التي تتصدر مواقع قيادية في التنظيمات أو الأحزاب أو في الحكومة مجرد أسماءً مرشحة للتداول ومطروحة للنقاش في عالم الكبار، تجري حولها التكهنات، وتتفاوتالملاسنات داخل الشارع الفلسطيني ونخبه المختلفة.

ففي محيط الرئيس وملئه من الكبراء، هناك د. محمد اشتية؛ رئيس الوزراء الحالي، إضافة لعدد آخر من الأسماء التي تفتقد للمصداقية والاحترام والطهارة الوطنية، ولا تحظى بأيِّ إجماع قويِّ داخل حركة فتح، الذين توزعت قلوبهم شتى حول كُرسي الزعامة والمُلك.

الشخص الآخر الذي يتحرك بديناميكية وحيوية الشباب ورجل الدولة هو النائب محمد دحلان، وهو على خصومة شديدة مع الرئيس عباس، ولكنه يتمتع بخصائص وامتيازات لا يتمتع بها كلُّ رجال الباشا، ولديه علاقات وقبول في المحيط الإقليمي والدولي، ويصطف خلفه كتلة تنظيمية واسعة في قطاع غزة، وهي توفر له الحاضنة الشعبية التي يحتاج إليها كلُّ طامعٍ في مشهد الحكم والسياسة.

إنَّ من اللافت للنظر أنَّ علاقات حماس مع التيار الإصلاحي الذي يقوده دحلان آخذة في الاتساع بالدرجة التي تجعل من حظوظ دحلان أكبر إذا ما حدثت انتخابات نزيهة وشفافة، وخاصة أنَّ التيار الإصلاحي في استراتيجيته يرسم على تحالفات كبيرة مع الحركة الإسلامية في قطاع غزة، والتي إذا كُللت بالنجاح ستحدد خيارات الحركة أيضاً بالضفة الغربية.

إنَّ مما يقلل من حظوظ اشتية في تجاوز دحلان هو أنه لا يمتلك الكثير من الأوراق في قطاع غزة، فكلُّ تركيزه وعمله وتحركاته هي بالضفةالغربية، ولا يكاد أيُّ فلسطيني في القطاع يشهد له بدورٍ في ذلك.

صحيح؛ أنَّ اشتية في السياق الوطني ليس هناك ما يجرحه أو يُسيء إليه، كالكثير ممن هم يتحلقون حول الرئيس أو هم سدنة معبد المقاطعة، وبإمكانه أن يدخل حلبة الصراع على الرئاسة كمنافس -له بعض الشعبية والحضور الغربي- للنائب محمد دحلان، وعليه ستكون كفة الترجيح هي لمن يكسب أصوات حركة حماس، إذ إنَّ الحركة ستشارك في الانتخابات ولكنها لن تنافس على الرئاسة.. ومن ناقلة القول، الإشارة إلى أنَّ حركة حماس هي بلا جدال الكتلة المرجحة للفائز من بينهما.

لقد سمعت من بعض القيادات الإسلامية الوازنة، الذين لهم قنوات تواصل مع شخصيات أوروبية وأمريكية، أن دحلان كقائد سياسي يبقى خياراً مفضلاً لهم، كونه نجح في الحفاظ على شخصيته كرجل دولة، وتمكن من توسيع دائرة علاقاته السياسية مع دول الجوار كمصر والأردن وأيضاً مع الدول المركزية في الخليج كالإمارات والسعودية، إضافة لدول أخرى في المنطقة كالجزائر وليبيا وأثيوبيا.

وبناءً على ذلك، فإنَّ الغياب المفاجئ للرئيس عباس سيحدث -بلا شك- إرباكات كبيرة أمام المجتمع الدولي، وفي وجه الإسرائيليين، والذين هم لاعب أساس في تحديد الشخص البديل الذي سيخلف الرئيس، أو صياغة الشكل الذي سيكون عليه مشهد الحكم والسياسة. 

في الحقيقة، إن استقرار الحياة السياسية بعد رحيل الرئيس يعتمد بدرجة كبيرة على أمريكا وإسرائيل وبدرجة أقل الاتحاد الأوروبي، ومصر والأردن والإمارات وقطر من المحيط الغربي وربما تركيا وإيران كدول إسلامية مركزية في منطقة الشرق الأوسط.

إن هناك حول الرئيس عدداً لا بأس فيه من الطامحين والطامعين في خلافته، ولكنهم يعيشون في حالة من الانكار والغفلة، إذ إنَّ الشارع الفلسطيني ملَّ من مشاهدة الكثير منهم لهامشية الدور والفعل السياسي الذي يلعبونه، وكونهم في لعبة الحكم مجرد بيادق “البطانة الفاسدة” ورجالات التنسيق الأمني.

وإذا ما حاولنا أن نقدم شخصيات وطنية (طازة) فإنَّ هناك الكثير مما هو مطلوب عمله فلسطينياً، إذ إننا تحتاج إلى وجود حياة سياسية وحِراكات حزبية ونقابية لتظهيرها، وضمان مساحات إعلامية للتعريف بها والنظر إليها ضمن الخيارات القائمة من الوجوه المخضرمة والفاعلة، مثل: دحلان واشتيه.

ولعلنا نتذكر أنه في سبتمبر 2020، قد سبق للإدارة الأمريكية أن ألمحت على لسان سفيرها في إسرائيل ديفيد فريدمان عن تفكير الإدارة في استبدال الرئيس الفلسطيني بالقيادي محمد دحلان.

في الحقيقة، ما يزال دحلان في نظر الغربيين أنه رجل الدولة الذي يمكنه أن يجمع الفلسطينيين وينهي الانقسام، والأقدر على تحقيق الخيارات السياسية السلمية أو ما يتفق عليه (الكلُّ الفلسطيني) من رؤية وحلول.

من بديهيات القول والتحليل، في عالم السياسة لا مجال للقطعيات، فنحن هنا يغلب على تفكيرنا التكهنات؛ لأن هناك احتمالية المفاجأة، حيث يفكر اليمين المتطرف والصهيونية الدينية استغلال الفراغ السياسي الناجم عن رحيل الرئيس عباس بإنهاء السلطة الفلسطينية،وتأسيس روابط قرى قد يجد بعض من كانوا في السلطة متسعاً لتوسد مقاعدهم فيها، أما قطاع غزة فله مآلات غامضة، وحكايةمأساوية أخرى!!

• هذه الصفحات من كتاب (رغم الخصومة.. دحلان كما عرفته)، تحت الطبع.