تواصل حكومة بنيامين نتنياهو تحدي الجميع، وتسرّع خطوات ضم الضفة الغربية المحتلة فعلياً ورسمياً، فما دور وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في هذا المخطط؟
كان نتنياهو، المتهم بالفساد وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة، قد شكل الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، ولم يكن ممكناً أن ترى تلك الحكومة النور لولا تمرير تشريعات في الكنيست سمحت لبعض المرشحين بتولي حقائب وزارية، وذلك لأن بعض المرشحين لتولي مناصب وزارية كانوا إما متهمين في قضايا فساد أو مدانين في قضايا احتيال أو متهمين بالإرهاب.
إذ أقر الكنيست قانوناً يسمح بتسليم حقيبة وزارية بعينها لوزيرين، وهو إجراء يعني بشكل رئيسي وزارة الدفاع، والهدف منه السماح لزعيم “الصهيونية الدينية” المتطرفة، بتسلئيل سموتريتش، بتسلم شؤون الإدارة المدنية في الضفة الغربية المحتلة التابعة لوزارة الدفاع.
ويبلغ عمر هذا المحامي والمستوطن 42 عاماً، وهو زعيم حزب الصهيونية الدينية. وتحدث سموتريتش من قبل عن رغبته في “إجهاض” أية آمال لدى الفلسطينيين بتحقيق المساواة على “أرض بني إسرائيل”، من خلال رحيلهم أو عيشهم كخدم لليهود أو قتلهم.
ما صلاحيات سموتريتش في الضفة الغربية المحتلة؟
تناول تقرير لوكالة Associated Press الأمريكية كيف أن وزير المالية الإسرائيلي يحكم الضفة الغربية المحتلة الآن، وكيف أن ذلك يمثل خطوة أخرى نحو السيطرة الدائمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة وإجهاض حل الدولتين بشكل فعلي.
ومع تركيز الاهتمام على الإصلاح القضائي المثير للجدل في الداخل الإسرائيلي، اتخذت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بهدوء خطوات غير مسبوقة نحو تعزيز سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية المحتلة، وربما بشكل دائم.
فقد تولى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، زعيم حركة الاستيطان، صلاحيات جديدة على الأراضي المحتلة في اتفاقه الائتلافي مع نتنياهو. وتحرك سموتريتش بسرعة للموافقة على بناء آلاف المنازل الاستيطانية الجديدة، وإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية العشوائية غير المصرح بها في السابق، وجعل بناء المنازل والتنقل أصعب على الفلسطينيين.
يقول المراقبون إن دوره، باعتباره أول وزير حكومي يشرف على الحياة المدنية في الضفة الغربية، يرقى إلى الاعتراف بأن الاحتلال العسكري الإسرائيلي المستمر منذ 56 عاماً ليس مؤقتاً، بل دائم.
إيلان باز، الرئيس السابق للإدارة المدنية الإسرائيلية، وهي هيئة عسكرية تشرف على الشؤون المدنية في الضفة الغربية، قال للوكالة الأمريكية: “إذا احتفظ سموتريتش بهذا المنصب لمدة أربع سنوات، فسنكون عند نقطة اللاعودة”.
وسعياً من أجل العودة إلى السلطة بينما يواجه محاكمة فساد، قدم نتنياهو تنازلات واسعة النطاق للمشرعين المؤيدين للمستوطنين مثل سموتريتش لتشكيل ائتلافه الحاكم أواخر العام الماضي. وأنشأت اتفاقية الائتلاف وكالة استيطانية إسرائيلية جديدة، بقيادة سموتريتش، داخل وزارة الدفاع لإدارة البناء اليهودي والفلسطيني في 60% من الضفة الغربية التي تسيطر عليها إسرائيل.
وقال محامي حقوق الإنسان مايكل سفارد لأسوشيتد برس: “إن ذلك أشبه بثورة، حيث تُنقَل السلطة إلى الجيش، مع التزامه القانوني بمراعاة رفاهية الشعب المحتل، إلى أولئك الملتزمين فقط بالمصالح الإسرائيلية”.
وقال سموتريتش إنه يسعى إلى مضاعفة عدد المستوطنين، وبناء الطرق والأحياء ومحو أية اختلافات متبقية بين حياة الإسرائيليين في الضفة الغربية وداخل إسرائيل. وعلى طول الطريق، يأمل في تدمير أية آمال فلسطينية في بناء دولتهم المستقلة.
وبصفته وزيراً للمالية، يستطيع سموتريتش تحويل أموال دافعي الضرائب إلى مشاريع البنية التحتية في الضفة الغربية المحتلة، حيث تخصص ميزانية إسرائيل لعام 2024 مبلغاً قياسياً قدره 960 مليون دولار -ربع إجمالي أموال وزارة النقل- لشبكة طرق سريعة تربط إسرائيل بالضفة الغربية بشكل أفضل. ويشكل المستوطنون ما يزيد قليلاً عن 5% من سكان إسرائيل.
ماذا تريد إسرائيل؟
يريد سموتريتش وأنصاره إقامة دولة واحدة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط يستطيع فيها الفلسطينيون العيش “بهدوء كمواطنين من الدرجة الثانية أو المغادرة. وقال إيتان فولد، المتحدث باسم سموتريتش: “شعرنا أن الدولة لم تعطنا الأولوية قط بسبب المكان الذي نعيش فيه، وسموتريتش يغيِّر ذلك”.
وبينما تتولى وكالة المستوطنين الجديدة التي أنشأها سموتريتش الآن قضايا استخدام الأراضي في المنطقة، فإن مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهو الهيئة العسكرية التي تشرف على الإدارة المدنية، يحتفظ بمسؤوليات محددة بشأن أكثر من مليوني فلسطيني. وقد شبَّهت جماعات حقوق الإنسان وغيرها الانقسام على أسس عرقية بـ”الفصل العنصري”.
يعيش نحو نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل مع القدس الشرقية وقطاع غزة في حرب الشرق الأوسط عام 1967، ويعتبر المجتمع الدولي بأغلبية ساحقة المستوطنات غير قانونية.
ويقول الخبراء والمسؤولون إن سياسات سموتريتش أدت بالفعل إلى تفاقم البؤس الفلسطيني، وشجعت المستوطنين العنيفين وأطلقت العنان للاضطرابات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. وأدى التوسع الاستيطاني الأخير إلى توتر علاقات حكومة نتنياهو مع البيت الأبيض.
وقال القائد العسكري السابق في الضفة الغربية، غادي شامني، إن “سموتريتش تولى الإدارة المدنية، وهي الأداة الوحيدة التي تمتلكها إسرائيل لتهدئة الأمور”. وأضاف: “الضفة الغربية سوف تنفجر”.
وتظهر أرقام الأمم المتحدة أن هجمات المستوطنين الشهرية ارتفعت بنسبة تزيد عن 30% هذا العام، مقارنة بعام 2022. وقالت منظمة “السلام الآن” المناهضة للاستيطان، إن الحكومة وافقت على بناء 13 ألف وحدة سكنية استيطانية وأضفت الشرعية على 20 بؤرة استيطانية شُيِّدَت دون ترخيص، وهو أعلى مستوى منذ أن بدأت المجموعة الرصد في عام 2012.
وفي عهد سموتريتش، واصلت السلطات الإسرائيلية هدم المباني الفلسطينية التي بُنِيَت دون تصاريح. واعترف مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق في شهر يوليو/تموز برفضه أكثر من 95% من طلبات التصاريح الفلسطينية. وارتفعت عمليات الهدم هذا العام عن العام الماضي، الذي شهد أكبر عدد من عمليات الهدم منذ عام 2006 على الأقل، وفقاً لمنظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية. في هذه الأثناء، قلصت السلطات الإسرائيلية جهودها لإخلاء البؤر الاستيطانية اليهودية غير المرخصة، كما يقول المستوطنون.
هل تنفجر الأوضاع في الضفة؟
شولاميت بن يشار (32 عاماً) من بؤرة عسائيل الاستيطانية في التلال القاحلة جنوب الخليل، قال للوكالة الأمريكية: “هذه أفضل حكومة لدينا على الإطلاق”. وقد حصلت البؤرة الاستيطانية -التي تضم 90 عائلة، بمن فيهم عائلة توفيا شقيق سموتريتش- على موافقة قانونية في 6 سبتمبر/أيلول.
وارتفعت حمى التجديد في عسائيل، حيث تحدثت الأمهات عن خططٍ لاستبدال الكرفانات المتداعية والمولدات الكهربائية لتحل محلها المباني الخرسانية وشبكة الكهرباء الوطنية في إسرائيل.
على الجانب الآخر، يواجه أصحاب الأرض من الفلسطينيين -الرعاة عبر المنحدرات الترابية المعروفة باسم مسافر يطا- الطرد من قبل السلطات الإسرائيلية وزيادة الهجمات من قبل المستوطنين. ويقول سكان المنطقة الريفية، التي يخطط جيش الاحتلال الإسرائيلي للاستيلاء عليها، إن سموتريتش وحلفاءه يضغطون على مجتمعاتهم.
وقال سمير حمادة (38 عاماً) الذي قُتِلَت جِماله الشهر الماضي بعد تعثرها في أسلاك عثر عليها قال إن المستوطنين وضعوها: “بالكاد نستطيع التنفس”. ويقول السكان إن استفزازات المستوطنين -مثل إتلاف السيارات الفلسطينية والإضرار بالماشية- تعكس الشعور بالإفلات من العقاب الذي زرعته الحكومة الإسرائيلية.
تعهد سموتريتش وحلفاؤه بتسريع وتيرة بناء المستوطنات. وفي شهر يوليو/تموز، قلصت الحكومة 6 مراحل للموافقة المطلوبة للتقدم الاستيطاني إلى مرحلتين: موافقة سموتريتش ولجنة التخطيط.
وقال تسفي يديديا سوكوت، النائب عن حزب الصهيونية الدينية الذي يتزعمه سموتريتش: “هذا يتيح إمكانية بناء المزيد”. واقترح الحزب تخصيص 180 مليون دولار لتجديد المساكن في المستوطنات وبناء مستشفيات ومدارس جديدة. وتعكف السلطات على تمهيد طريقين التفافيَّين جديدين بتكلفة ملايين الدولارات لنقل المستوطنين الإسرائيليين إلى البلدات الفلسطينية.
يمر أحد الطريقين حول حوارة، وهي بلدة مشتعلة أحرق فيها المستوطنون عشرات المنازل والسيارات في حالة من الهياج في وقت سابق من هذا العام بعد إطلاق النار على اثنين من المستوطنين. وفي ذلك الوقت، قال سموتريتش إنه يجب “محو” البلدة الفلسطينية.
وألغى الكنيست الإسرائيلي، الذي يسيطر عليه الائتلاف اليميني المتطرف، هذا العام التشريع الذي منع المستوطنين من زيارة الموقع. وكان أكثر من 50 طالباً يصلون في المدرسة الدينية في زيارة أخيرة.
وقد أدت مثل هذه القرارات إلى زعزعة استقرار المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية. وقال مستوطنون إن القوات الإسرائيلية حاولت في مايو/أيار منعهم من نقل معدات بناء ثقيلة لبناء مدرسة دينية جديدة. ولكن عندما ضغط سموتريتش، أمرت الحكومة فجأة القوات بالسماح للمستوطنين بالبناء.
وقال نيتسان ألون، وهو جنرال متقاعد كان يقود منطقة الضفة الغربية سابقاً: “المستوى السياسي أَمَرَ المستوى العسكري بعدم الانصياع للقانون”.
ورفض الجيش ووحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق التعليق على هذا الحادث. لكن مسؤولاً أمنياً تحدث، شريطة عدم الكشف عن هويته، لمناقشة الأمر، قال لأسوشيتد برس إن تدخل سموتريتش أوقف العديد من عمليات الهدم المخطط لها في البؤر الاستيطانية غير المصرح بها.
وفي الشهر الماضي، تصاعدت الأمور بين أنصار سموتريتش والرجال العسكريين ذوي العقلية الأمنية إلى العلن عندما صُوِّرَت السلطات الإسرائيلية وهي تضخ الأسمنت في الآبار جنوب الخليل، ما يؤدي إلى إغلاق مصادر المياه الفلسطينية بشكل دائم في ظل حرارة الصيف. وقد حفر الفلسطينيون الآبار دون تصاريح نادراً ما تسمح بها إسرائيل.
وقال المسؤول الأمني إن اللقطات انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، وأُلقِيَ القبض على منسق أعمال الحكومة في المناطق. ووعدت الوكالة بأن أية عمليات هدم مستقبلية لخزانات المياه “سيُنظَر فيها على أساس مزاياها”. وقال باز، الجنرال السابق، إن رجال سموتريتش “يتجاوزون كل الحدود. إنهم لا يكترثون بشيء”.