| 50 سنة حرفة.. «بيومي» يصنع أثاثا منزليا عالي الجودة من جريد النخل

على بُعد خطوات بسيطة من مدخل  قرية أم خنان التابعة لمركز الحوامدية بمحافظة الجيزة، يكسر صمت الصباح أصوات الطرق على الخشب التي تدوي من بعض البيوت التي امتهن أهلها صناعة الكراسي والأقفاص من جريد النخل، بيوت يزاحمهم فيها أعواد جريد النخل المتناثرة في كل زاوية من أجل لقمة العيش.

في مكان مجاور لمنزله الصغير يقضي «محمود بيومي»، نصف يومه أو أكثر مفترشا الأرض ومن حوله أكوام من جريد النخل وفي يده مطرقة حديد وأدوات حادة يقطع بها الأعواد يشكلّها بأطوال متقاربة ليصنع منها في نهاية الأمر أقفاص الخضار والفاكهة والكراسي الخوص، مهنة كادت أن تندثر، يحاول هو وقلائل من أهل منطقته الحفاظ عليها في ظل التطور السريع من حولنا.

«المهنة صعبة وبنتعب فيها بس بتختفي مع الوقت عشان طبيعة الزمن اتغيرت وكل الشغل الجاهز ملا السوق» يقول الرجل الستيني في بداية حديثه لـ«»، بينما كان جالسا منهمكا في عمله الشاق لقص وتقليم جريد النخل.

صنعة من خمسين سنة

قبل نحو 50 عاما، وحين كان في الـ12 من عمره، حفظ «محمود بيومي» أنواع الجريد، يقصه بيده ليصنع منه أقفاصا وكراسي ذات جودة عالية لا منافس لها في المتانة والقوة، ويستكمل القفاص حديثه عن تفاصيل المهنة التي يعتز بها رغم المعاناة التي يواجهها، حيث تبدأ من قطع جريد النخل حتى يتم تشكيلها إلى أقفاص وكراسي.

أدوات حادة لتقطيع الجريد

أدوات حادة يستخدمها أصحاب تلك المهنة لقطع جريد النخل وتشكيله، لم تسلم من حدتها أيدي «بيومي» في أوقات كثيرة إلا أن حب المهنة غلب شقاها في قلبه، «بستخدم كتير أدوات حادة عشان أقطع الجريد واتعورت كتير طبعا بس مع الوقت اتعودنا خلاص»، بحسب رواية القفاص بيومي.

غرف كاملة من الجريد

لا تقتصر مهارة القفاص الستيني على صناعة أقفاص الخضار والفاكهة فقط، بل امتدت صنعته إلى تشكيل كراسي وترابيزات وبرجولات بأشكال مختلفة حسب طلب الزبون، حتى أنه في بعض الأحيان يصنع غرفًا كاملة من الجريد، «في زباين بتطلب أوضة كاملة من الجريد وبنفذها بالشكل المطلوب».

«مش كل جريد النخل ينفع يتعمل منه كراسي ومن شكله يتعمل منه أقفاص»، يروي القفاص الستيني اختلاف أنواع الجريد عن بعضه، حيث يتولى هو توظيف كل نوع فيما يناسبه، بعد أن يتركه فترة كافية بعد قطع من النخل: «لازم ينشف الأول عشان يبقى متين».

رغم شقا المهنة، أحلامه بسيطة، و رغم اختلاف الزمن والحال لا يزال متمسكًا بـ«صنعته» التي ورثها بالفطرة من جيرانه ومعارفه في المنطقة وطاف بها دول عربية عدة، «أنا سافرت السعودية والإمارات والكويت والعراق كنا بنصدر شغلنا برا، وكل اللي بتمناه إن المهنة ترجع مطلوبة وتنافس الجاهز من تاني»، بحسب تعبيره.