لم يكن يوم مولده بداية تأريخ لأمته من المسلمين فحسب، ولكن كان رحمة للبشرية جمعاء، كانت الأرض كلها تتهيأ لحدث جلل عظيم حدث انتظره الحجر والشجر والكائنات، إنه يوم ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي تحل ذكراه في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام، حافلا بالعلامات والمعجزات التي أدهشت كل من رآها وحملت البشرى لأعظم مولود عرفته الأرض، وكانت هناك علامات بارزة أيقن كل من أبصرها أن هذا الطفل الرضيع سيكون له مقام عال وشأن رفيع.
بشائر النبوة
كانت حياة محمد كسائر الأنبياء حافلة بالمعجزات التي اختص الله بها رسله لتكون نبراسا للمهتدين وحجة على المكذبين، ولكن مولده بالتحديد كان شاهدا على أمور غريبة تحدث عنها من عاصرها، ووفقا لما جاء في كتاب «جامع الآثار في مولد النبي المختار»، للمؤرخ والمحدث ابن ناصر الدين الدمشقي، (1375م —1438م)، ذكر محمد بن إسحاق من حديث عبدالله بن جعفر، عمن حدثه عن حليمة – أم النبي صلى الله عليه وسلم التي أرضعته-: أن آمنة بنت وهب حدثتها قالت: إني حملته فلم أر حملا أخف علي منه، ولا أعظم بركة منه، لقد رأيت نورا كأنه شهاب خرج مني حين وضعته، أضاءت له أعناق الإبل ببصرى.
النور العظيم
وفي روابة ابن إسحاق، فقد ذكر النور الذي خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم حين ولد، وكذلك في رواية غيرها من روايات جمة. ومنها: ما جاء في بعض طرق حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه في هذا المعنى، أن العرباض رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين، وإن آدم لمجندل في طينته، وسأخبركم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أني التي رأت حين وضعتني أنه خرج منها نور أضاءت لها منه قصور الشام»، خرجه ابن حبان في صحيحه، وفقا لكتاب جامع الآثار في مولد النبي المختار. لم تتوقف المعجزات لحظة ميلاد النبي عند هذا النور الذي أضاء قصور الشام، فقال محمد بن سعد في «الطبقات»: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني موسى بن عبيدة، عن أخيه قال: لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع إلى الأرض، وقع على يديه رافعا رأسه إلى السماء، وقبض قبضة من التراب بيده. فبلغ ذلك رجل من لهب، فقال لصاحب له: انجه، لئن صدق المقال، ليغلبن هذا المولود أهل الأرض.