صنع النبيذ والجعة في مصر القديمة
لا تزال الحياة المصرية القديمة تضم بين جنباتها أسرارًا، يتوق الكثيرون لاكتشافها والتعرف على خبايا تفاصيلها، ومن بين هذه الأسرار استطاع العلماء اكتشاف المئات من الجِرار المغلقة التي لم تُفتح من قبل عمرها أكثر من 5 آلاف سنة، ويوجد داخلها بقايا من النبيذ في مقبرة الملكة «مريت نيث» تعود للأسرة الأولى بمنطقة أم القعاب بأبيدوس بسوهاج، بالإضافة إلى العثور على مجموعة أخرى من الأثاث الجنائزي.
النبيذ كان المشروب الأساسي في مصر القديمة
الدكتور عماد مهدي، الباحث الأثري وعضو اتحاد الأثريين المصريين، يقول إنّ مصطلح النبيذ هو مصطلح غربي، وإنما كان يُطلق عليه في الحضارة المصرية القديمة اسم «الجعة»، وكان يعتبر المشروب الرسمي في مصر القديمة، وبدأ من قبل ما عصر الأسرات، إذ وجد في الآثار المصرية للدولة القديمة تماثيل عديدة للخدم أثناء عجن وتجهيز مشروب الجعة.
وأضاف الباحث الأثري خلال حديثه لـ«»، أنّ مشروب الجعة كان يتم تحضيره من القمح وتخميره وتعتيقه داخل الأواني الفخارية، لافتًا إلى أنّ الغرفة التي تم العثور عليها وداخلها 500 جرّة من الفخار المليئة بالنبيذ ربما كانت غرفة تخزين وتعتيق الجعة في مصر القديمة، كما كان يتم صنع النبيذ أو الجعة من عصير العنب وتخميره وتعتيقه إذ كانت تصل فترة التعتيق لحوالي 15 يومًا وربما امتدت لشهور أو سنوات.
مشروب الجعة في مصر القديمة، كان بمثابة مشروب الشاي في البيت المصري خلال العصور الحديثة بحسب «مهدي»، سواء داخل بيوت العمال الفقراء أو منازل النبلاء أو داخل القصر الملكي، إذ كان يتم عجن الجعة في أوانٍ واسعة من الرخام أو الفخار، وتتم عملية التخمير والتخزين داخل جرار الفخار: «بيعصروا العنب في أحواض، والعمال بتدهسه برجلها، وبيخرج عصير العنب من ثقب صغير في الحوض، وبيبدأ العمال يعبّوه في الأواني الفخرية عشان تبدأ عملية التعتيق».
وعلى الرغم من كون الجعة المشروب الأساسي في مصر القديمة، إلا أنّه لم يصل إلى حد إذهاب عقل المصري القديم، ولم يتعارض تناول الجعة مع الديانات القديمة إذ كان يُقدَّم في المعابد والأثاث الجنائزي ويُدفن مع المتوفي: «المصري القديم اكتشف نباتات عطرية ونباتات مخدرة كان بيستخدمها غير النبيذ والجعة زي الخشخاش وممكن يدخله في عمليات الأكل والسلق».
وبحسب كتاب «الأواني الحجرية بين الفن والتوظيف» للكاتبة زينب عبدالتواب رياض، كان للنبيذ أهمية كبيرة في العصر القديمة، إذ اعتاد المصريون احتساءه مع غيره من المشروبات الأخرى كالجعة لمكانته في الولائم والأعياد الكبير.
وكان المصري القديم يستخدم النبيذ قربانا جنائزيًا، ولم يقتصر استخدامه فقط على الأحياء بل امتد أيضًا ليشمل الموتى، إذ كان مشروب النبيذ يمنح المتوفي القدرة على البعث إلى العالم الآخر ويمنحه الخلود، وما يؤكد ذلك هو العثور على أواني حفظ النبيذ التي عثر عليها بكثرة في مقابر العصر العتيق.
أنواع أواني وجرار النبيذ
وحرص المصري القديم على صناعة عدد من الأواني الخاصة بحفظ النبيذ وتنوعت أواني وجرار النبيذ التي كانت تستخدم في مصر القديمة على النحو التالي:
– جرار النبيذ الجنائزية: هذه الجرار تم تخصيصها لوضع النبيذ المتعلق بالأغراض الجنائزية، وكانت هذه الجرار تشبه أواني حفظ الزيوت والعطور، وكانت تغلق بنفس الطريقة.
– جرار تقديم النبيذ: وكانت هذه الأجرار أنيقة الشكل وكان يُجرى تزيينها من الخارج ويُقدم فيها النبيذ، وكان الخادم يملأ أواني أخرى صغيرة الحجم، ويتم تقديم مشروب النبيذ إلى الضيوف، فين حين كان يتم تقديم النبيذ في نفس جرار التخزين وذلك في الولائم الكبيرة والأعياد.