في مقال للمعلق توماس فريدمان، نشرتْه صحيفة “نيويورك تايمز”، وهو صديق معروف لإسرائيل، نَقَلَ فيه عن ناحوم بيرنباع، المعلّق في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، وَصْفَه هجومَ “حماس” بأنه “أسوأ يوم يمكنني تذكّره في المعنى العسكري لتاريخ إسرائيل، بما في ذلك الفشل في حرب يوم كيبور، والذي كان فظيعاً”.
وعلَّقَ فريدمان بأن الحدود مع غزة لا تزيد عن 37 ميلاً، لكن ترددات ما حدث لن تدفع إسرائيل والفلسطينيين فقط إلى حالة من الاضطراب، بل وستضرب أوكرانيا والسعودية وإيران، لماذا؟ لأن أي حرب طويلة بين “حماس” وإسرائيل قد تحرف المزيد من السلاح الأمريكي المخصص لأوكرانيا إلى إسرائيل، وستجعل مقترح التطبيع السعودي- الإسرائيلي مستحيلاً.
ولو تبيّنَ أن إيران شجعت “حماس” على قتل التقارب السعودي- الإسرائيلي فسيزيد التوتر بين إسرائيل وإيران و”حزب الله”، وكيل طهران في لبنان، وكذا بين إيران والسعودية. و”هذه لحظة خطيرة على عدة جبهات”، كما يقول.
وبالعودة لبيرنباع، لماذا تعتبر الحرب هذه كارثة على إسرائيل، وأسوأ من حرب يوم “الغفران”، عندما شنت مصر وسوريا هجوماً مفاجئاً، قبل 50 عاماً، ضد اسرائيل. فالحرب فيها إهانة للجيش الإسرائيلي، ذلك أن إسرائيل تعرضت في يوم الغفران لهجوم من أكبر دولة عربية، وهي مصر. وهذه المرة تعرضت إسرائيل للغزو من 22 موقعاً خارج قطاع غزة، بما في ذلك بلدات لا تبعد سوى 15 ميلاً داخل إسرائيل، من جيش ينتمي إلى “ما يعدل لوكسمبرغ”، وهذه القوة لم تغزُ فقط إسرائيل، بل وأخذت أسرى إلى غزة، عبر حدود أنفقت إسرائيل مليار دولار على بنائها، ومن المفترض أنها عصية على الخرق. وهذه ضربة قوية لقوة الردع الإسرائيلية.
أما الأمر الثاني، فقد لاحظ بيرنباع أن إسرائيل تفاخرت دائماً بقوة استخباراتها التي اخترقت “حماس” والجماعات الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية، وحصلت على تحذيرات مبكرة. ومن راقب الأخبار من إسرائيل، في الأسابيع الماضية، فقد أجرت “حماس” مناورة عسكرية على عملية كتلك التي نفذتها، يوم السبت، وقرب الحدود وتحت نظر الجيش الإسرائيلي. إلا أن قادة الجيش الإسرائيلي فسّروا المناورة بأنها محاولة للتلاعب بالجيش الإسرائيلي، وجَعْل قادته في حالة عصبية وليست مقدمة كهجوم.
واعتقدت المخابرات الإسرائيلية أن “حماس” كانت بحاجة ماسة للتمويل من قطر، والتي تعطيها أكثر من مليار دولار منذ 2012، وتصاريح عمل للغزيين في داخل إسرائيل، وهو ما طلبت مقابله قطر وإسرائيل حدوداً هادئة.
وقال بيرنباع: “التفسير الاستخباراتي هو أن التدريبات هي لأمر لن يتجرأوا أبداً على عمله”، و”كان تقييماً متغطرساً”، وعوضاً عن ذلك شنت “حماس” هجوماً معقداً وعالي التقنية من البر والبحر.
والآن وَصَلْنا إلى الجانب الفظيع لإسرائيل، فلم تتمكن “حماس” من الدخول إلى البلدات الإسرائيلية والقواعد العسكرية وحسب، بل واختطفت عدداً من الإسرائيليين وأخذتهم إلى غزة. وستكون مشكلة كبيرة لإسرائيل، فقد قايضَ نتنياهو، في العام 2011 1.027 معتقلاً فلسطينياً، بمن فيهم 280 بأحكام مؤبدة، مقابل الإفراج عن المجند جلعاد شاليط. وربما طُلب من نتنياهو إفراغ السجون من المعتقلين، لو كان بين المختطفين أطفال ونساء، حسب ما يقول بيرنباع.
وتوعّدَ نتنياهو، يوم السبت، بتوجيه ضربة لـ “حماس” لا تنساها، ولكن ماذا سيفعل لو استخدمت “حماس” المختطفين الإسرائيليين كدرع بشري؟ لن يكون قادراً على المناورة. ويعرف قادة الجيش ورئيس الوزراء، الذي يترأس الحكومة الأمنية، بأنه يجب إجراء تحقيق حول نجاح “حماس” اختراق الحدود وغزو إسرائيل. وفي الوقت الحالي، يجب عليهم شن الحرب، واتخاذ قرارات مؤلمة حول المقايضة بين الردع والانتقام وإخراج الرهائن من غزة، وربما شن غزو شامل، وبمعرفة أن تحقيقاً ينتظرهم في نهاية الطريق.
وأشار فريدمان إلى موقفه الدائم من نتنياهو، الذي اتهمه بتمزيق المجتمع الإسرائيلي، نظراً لإصراره على التعديلات القضائية، رافضاً التحذيرات من مخاطر ما يسعى إليه. وأشار لما قاله المدير العام لوزارة الدفاع دان هاريل أمام تظاهرة احتجاجية: “لم أر أمننا القومي في حالة أسوأ مما هو عليه اليوم”.
ومثلما كان نتنياهو سيئاً على إسرائيل، فإن “حماس” كانت “لعنة” على الفلسطينيين، منذ سيطرتها على غزة عام 2007، ومليارات الدولارات التي منحتْها قطر، خلال سنوات، كان يمكن استخدامها في بناء مجتمع منتج في غزة. وبدلاً من ذلك كرست “حماس” طاقتها لحفر الأنفاق وبناء الصواريخ لتدمير عدو أقوى منها.
ويتساءل الكاتب عن سبب شن “حماس” حرب بدون استفزاز؟ هل نيابة عن الفلسطينيين أم نيابة عن إيران؟ بالتأكيد نيابة عن الأخيرة التي تمدّها بالمال والأسلحة، ولمنع التطبيع بين السعودية وإسرائيل. ويزعم الكاتب أن صفقة كهذه ستفيد السلطة الوطنية المعتدلة في الضفة الغربية، من خلال تدفق المساعدات المالية السعودية، والحدّ من توسع المستوطنات، والحفاظ على حل الدولتين، كل هذا كان سيمنح قادة السلطة شرعية من الجماهير، وتقويض شرعية “حماس”.
وربما كانت اتفاقية التطبيع بمثابة هزة أرضية في الشرق الأوسط، إلا أن هجوم “حماس” جمّدَ العملية.
وقال الكاتب إن هجوم “حماس” سيؤدي إلى هزة أرضية أخرى في أوكرانيا، فالفوضى في الكونغرس، بعد الإطاحة برئيس مجلس النواب والأصوات المتصاعدة من الجمهوريين، ولو كانت أقلية أدت إلى توقف الدعم الأمريكي، على الأقل الآن، لأوكرانيا. ولو قررت إسرائيل غزو غزة والمضي في حرب طويلة، فعلى أوكرانيا المنافسة مع إسرائيل في صواريخ باتريوت والمقذوفات المدفعية من 155 ميلميتر والأسلحة الأخرى التي تحتاجها أوكرانيا، وكذا اسرائيل.
وتساءل فريدمان عن مخرجات الوضع الحالي، مشيراً إلى أنه من الباكر جداً الحديث عن النتائج، لكنه يعتمد على صديق آخر، وهو فيكتور فريدمان، من كلية جيرزيل، والذي قال: “هذا وضع فظيع،
ولكن هناك فرصة مثل حرب يوم كيبور التي انتهت بسلام مع مصر، فالانتصار الحقيقي هو ما يحدث بعد، وربما دخلت إسرائيل غزة وخلقت وضعاً لتسوية مع الفلسطينيين”.
وفي ظل ما حدث اليوم فإن “الفلسطينيين يمكنهم الادعاء بأنهم انتصروا مهما حدث بعد”، والنقطة هي يجب التفكير أبعد من استخدام القوة ومزيد منها. ويعتقد الكاتب أن “حماس” ليست شريكاً للسلام، فقد حصلت على سنوات طويلة لكي تعدل من مواقفها تجاه إسرائيل وتدميرها، ولم تظهر إلا “مافيا إسلامية” مهتمة فقط بالحفاظ على السيطرة في غزة، وجاهزة لكي تنفذ أوامر إيران بدلاً من جعل هدفها مستقبل الفلسطينيين في غزة أو الضفة الغربية. وبالمقابل يمكن أن تكون السلطة الوطنية شريكاً في السلام، ولو غزت إسرائيل غزة وحاولت تدمير “حماس”، فيجب أن يقرن هذا بمبادرة سياسية وخطوات تقوي السلطة الوطنية في الطريق لتسوية.