يبدو الجبهة الجنوبية على حافة الانفجار بين حزب الله وقوات الاحتلال الاسرائيلية تزامناً مع الحرب المباغتة التي نفّذتها «حركة حماس» ضد الاسرائيليين في غلاف غزة، وتزداد المخاوف من تمدد الحرب إلى الحدود الجنوبية بعد حديث أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله مراراً عن «وحدة الساحات» وقيام حزب الله باستهداف مواقع عسكرية اسرائيلية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والرد الاسرائيلي بإستهداف خيمة حزب الله المنصوبة منذ أشهر واستقدام تعزيزات عسكرية إلى المنطقة الحدودية.
وبدأ التوتر عند استهداف ثلاثة مواقع اسرائيلية في منطقة مزارع شبعا، وقد سارع حزب الله إلى تبني اطلاق الصواريخ، وصدر بيان عن «المقاومة الإسلامية» جاء فيه: «على طريق تحرير ما تبقى من أرضنا اللبنانية المحتلة وتضامناً مع المقاومة الفلسطينية المظفرة والشعب الفلسطيني المجاهد والصابر، قامت مجموعات الشهيد القائد الحاج عماد مغنية في المقاومة الإسلامية صباح يوم الأحد الموافق 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بالهجوم على ثلاثة مواقع للإحتلال الصهيوني في منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة وهي: موقع الرادار وموقع زبدين وموقع رويسات العلم بأعداد كبيرة من قذائف المدفعية والصواريخ الموجهة وتم إصابة المواقع إصابات مباشرة وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم».
وقد قامت المدفعية الاسرائيلية بالرد بقصف من داخل الاراضي المحتلة، وأُصيب شخصان من كفرشوبا بسبب تناثر قطع من الزجاج وحالتهما مستقرة في مستشفى مرجعيون الحكومي. ووجّهت وسائل إعلام إسرائيلية «تعليمات للمواطنين قرب حدود لبنان بدخول المناطق المحصنة بعد تعرض المنطقة لإطلاق قذائف هاون» وأعلن المتحدث بإسم جيش الاحتلال افيخاي ادرعي أن «قوات المدفعية التابعة للجيش الاسرئيلي تقصف في هذه الأثناء بنيران المدفعية المنطقة اللبنانية التي تم إطلاق النار منها باتجاه الأراضي الإسرائيلية». واضاف: «الجيش الاسرائيلي على إستعداد لمواجهة جميع السيناريوهات، وسيواصل حماية أمن سكان دولة إسرائيل».
وبعد قصف اسرائيل خيمة حزب الله في مزارع شبعا، أعاد الحزب نصب خيمة جديدة قبالة مركز زبدين وتمركز عناصر من الحزب قرب الخيمة، ليعود التوتر ويتجدد القصف الاسرائيلي على أطراف كفرشوبا وسدانة، بعد هدوء حذر لأكثر من ساعتين في ظل تحليق مكثف للطيران الاسرائيلي بلغ حدود جبل لبنان.
رسالة كفرشوبا
ولفت رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين إلى «أن المقاومة أرسلت صباحاً رسالة في كفرشوبا، لتقول إن من حقنا أن نستهدف العدو الذي لازال يحتل أرضنا، وهذه رسالة يجب أن يتمعّن بها الإسرائيلي جيدًا» وقال صفي الدين في خلال وقفة تضامنية في الضاحية الجنوبية «هناك رسالة للأمريكي والإسرائيلي إن ما حصل في غزة له خلاصة بأن حماقاتكم المتمادية واستخفافكم أوصل إلى طوفان الأقصى وإذا تماديتم اليوم سوف تنتج هذه المرة طونفان كل الأمة وليس الأقصى فقط، وسوف تشهدون طوفان الأمة الذي سوف يُغرق كل الكيان». وأوضح «أن دخول المقاومين إلى المستوطنات التي كانوا يظنون انها محصنة ومحمية وأسر عدد كبير من الصهاينة، هو مشهد فيه من الاذلال ليدل على قدرة الفلسطينيين الابطال والانتقام لعقود من الظلم» مشيراً إلى «أننا نعلم ان المقاومة في فلسطين شجاعة ومقدامة واثبتت ذلك في مختلف ميادين القتال، ولكن اقتحام السياج والحواجز والموانع وتراكم الخبرة العسكرية القتالية للمقاتلين يدل على خبرة عسكرية هائلة ومتقدمة في العمل المقاوم». وأعلن أن «مشهد دخول المستوطنات في غلاف غزة المترافق مع القصف الصاروخي سيتكرر في يوم من الأيام مضاعفًا عشرات المرات من لبنان، وكل المناطق المحاذية لفلسطين المحتلة» مضيفاً «على نتانياهو أن يعلم أن هذه المعركة ليست معركة غزة فحسب. المسؤولية تحتم على كل أبناء أمتنا ألا يقفوا على حياد ونحن لسنا على حياد» مؤكداً ففلصائل الفلسطينية «أن سلاحنا وصواريخنا معكم».
من ناحيته، فإن تل أبيب علّقت على نية حزب الله بالتصعيد، فأعلن مندوبها في الامم المتحدة أن بلاده «طلبت من دول عدة إبلاغ حكومة لبنان أننا سنحملها مسؤولية أي هجوم لـحزب الله».
«اليونيفيل» لتجنب التصعيد
وتعليقاً على تلك الاحداث، قال الناطق الرسمي بإسم «اليونيفيل» أندريا تيننتي «في وقت مبكر من صباح اليوم (أمس) رصد جنود حفظ السلام التابعين لليونيفيل إطلاق صواريخ عدة من جنوب شرق لبنان باتجاه الأراضي التي تحتلها إسرائيل في منطقة كفر شوبا، وإطلاق نار مدفعي من إسرائيل على لبنان رداً على ذلك». وأوضح في تصريح: «نحن على اتصال مع السلطات على جانبي الخط الأزرق، على جميع المستويات، لاحتواء الوضع وتجنب تصعيد أكثر خطورة». ولفت تيننتي إلى «ان حفظة السلام التابعين لليونيفيل يتواجدون في مواقعهم ويقومون بمهامهم ويواصلون العمل، بما في ذلك من الملاجئ حفاظًا على سلامتهم». وأضاف: «نحض الجميع على ممارسة ضبط النفس والاستفادة من آليات الارتباط والتنسيق التي تضطلع بها لليونيفيل لخفض التصعيد ومنع التدهور السريع للوضع الأمني».
المندوب الإسرائيلي: طلبنا إبلاغ بيروت تحميل الحكومة مسؤولية أي هجوم
كذلك، كتبت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتيسكا على منصة «أكس»: «أشعر بقلق بالغ إزاء تبادل إطلاق النار عبر الخط الأزرق هذا الصباح. ومن المهم أكثر من أي وقت مضى الالتزام بوقف الأعمال العدائية والتطبيق الكامل للقرار 1701، لحماية لبنان وشعبه من المزيد من التصعيد» وختمت: «سيواصل مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، بالتنسيق مع اليونيفيل، بذل كل ما في وسعه ودعم الجهود الرامية إلى حماية أمن لبنان واستقراره».
وقد تباينت التحليلات حول ما يمكن أن تشهده الجنوبية، فالبعض تحدث عن أنه لا يمكن لحزب الله إلا مساندة المقاومة الفلسطينية وفقاً لتصريحات أمين عام الحزب عن «وحدة الساحات» فيما استبعد البعض الآخر تطورات كبرى على الحدود وتوقّع اكتفاء حزب الله بضربات محدودة في مزارع شبعا خصوصاً في ظل الأوضاع الصعبة في لبنان التي لم تعد تحتمل ومعرفة الحزب أنه لم تعد له بيئة حاضنة كما كانت الحال في حرب تموز/يوليو عام 2006.
قبلان: انتظروا الحزب في تل أبيب
وفي المواقف، أشار المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان إلى «أن من ينتظر اللعبة الأمريكية في لبنان فلينتظر حزب الله في تل أبيب». وأكد في بيان «لأن المنطقة تحت النار، ولأن لبنان لاعب مركزي بصناعة هذه المنطقة وتاريخها أقول لبعض الزعامات اللبنانية التي تتأبط الرضى الأمريكي وتعمل كمقاول رخيص، ولبعض زعامات العرب التي تزحف نحو التطبيع: انظروا بعين الحسرة واليأس إلى ترسانة الأطلسي بأجيالها المختلفة كيف يطحنها الروسي في أوكرانيا طبعاً بشراكة الإيراني، وتمعّنوا ترسانة واشنطن وأوروبا وعقول حربها وأجيال سلاحها الثقيل الذي تمّ تجييره لنخبة جيش الصهاينة الأسطورة كيف يدوسها المقاوم الفلسطيني الأسطورة بأقدامه طبعاً ضمن غرفة عمليات المقاومة وشراكتها المختلفة، فقط لأن التاريخ والسيادة والقرار السياسي مقاومة لا شيء آخر، ولأن الأمريكي العجوز انتهى كقوة تاريخ ونفوذ بهذه المنطقة التي تعيد إنتاج أكبر أضلاع العالم، والتوقيت فقط بيد المقاومة ومركز محورها وأدوات خرائطها، فيما أمريكا ليست أكثر من امبراطورية ورق، وإسرائيل ليست أكثر من كذبة يجري اقتلاعها من الأرض».
وأعلن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط أنه «في الايام الصعبة يقع الفرز، والدول التي تدعي الحضارة واحترام حقوق الانسان تعود إلى جذورها الاستعمارية، فتاريخها ملطخ بدم الأبرياء من الجزائر إلى سائر الشعوب العربية» واعتبر «أن ادانة فرنسا وبريطانيا وأوروبا عملية حماس نقطة عارٍ جديدة في سجلهم الأسود… فلسطين والقدس ستبقيان للعرب والمسلمين».