الكلاشينكوف.. البندقية الهجومية الأكثر استخدامًا في التاريخ
«هل أنا مسؤول عن موت ملايين البشر؟!»، بتلك الكلمات جلس ميخائيل تيموفيفيتش كلاشينكوف، صاحب الـ93 عامًا حينها، ليشاهد ويستذكر حصاد يده من وفيات في مختلف بقاع الأرض جراء اختراعه لأشهر بندقية في التاريخ، وهي البندقية «AK47»، المشهورة عالميًا باسم «كلاشينكوف»، ليُقرر أن يُخاطب رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، في خطاب من صفحتين، يشاركه آلامه وهمومه.
بداية تصنيع بندقية «كلاشينكوف»
البداية قبل 104 أعوام، وتحديدًا في يوم 10 نوفمبر 1919، حين ولد «كلاشينكوف»، لأسرة روسية فقيرة، ليساعد في الأعمال اليدوية لأسرته، ومن بينها الحدادة، قبيل أن يتم الدفع به في أربعينيات القرن الماضي، إلى خضم قتال للجيش الروسي، لتُصاب الدبابة التي يستقلها بقذائف، خلال الحرب العالمية الثانية، وهي القذيفة التي جعلته يدخل للمستشفى لتلقي العلاج من إصابة في يده، وأخذ إجازة طويلة المدى.
استغل «كلاشينكوف»، الذي كان برتبة «رقيب أول» آنذاك، فترة إجازاته الممتدة لمدة 6 أشهر كاملة في التفكير بكيفية استغلال مهارته في صنع بندقية روسية للخدمة، وإنقاذ حياة زملائه، الذين شاهدهم يسقطون أمامه في ساحات القتال.
ورغم إصابته في يده، حاول «كلاشينكوف»، تصميم ورسم بندقية في أوراقه، بيده الأخرى، حتى توصل لشكل البندقية التي يريد تصميمها، ويقدمها لأحد قادة الجيش الروسي الذين زاروا قريته، ليساعده في العمل بإحدى الورش الصناعية في قريته، لتصنيع نموذج أولى للرشاش AK47، المعروف باسم «كلاشينكوف»، والذي اختبره وسط القرية، ليثبت نجاحه.
فكرة تصنيع بندقية «AK47»
كانت فكرة «كلاشينكوف»، بحسب لقاءات تليفزيونية وصحفية له قبل وفاته، أن يتم تصنيع بندقية تطلق أكثر من طلقة في وقت متزامن، بدلاً من البنادق التي كانت عاملة لدى الجيش الروسي، والتي تحتاج لـ«التذخير» بعد كل طلقة، في مقابلة بندقية ألمانية تطلق أكثر من طلقة، ما أوقع خسائر كبيرة في صفوف الجيش الروسي.
وعقب نجاح «كلاشينكوف» في تصنيع «السلاح الآلي»، توجه إلى القائد العسكري الذي قابله، وطلب مقابلته مرة أخرى، لكن تم إلقاء القبض عليه، وسط شكوك من عناصر تأمينه بأنه متوجه لاستهدافه، حتى تم فحص «البندقية»، أثبتت كفاءة في العمل الميداني، وسط سهولة تصنيعها.
وأتى قائد عسكري أكبر في «الجيش الأحمر الروسي»، ليتفقد البندقية، ويخبره أنها يمكن أن تطلق حتى 14 رصاصة متتالية على الوضع الآلي، أو رصاصات فردية، ثم يتم «التذخير»، مع إمكانية توسيع «التذخير» حتى 70 طلقة مستقبلاً، ليدعم تقديمه باختراعه إلى «مسابقة الاتحاد السوفيتي لمصممي الأسلحة».
تعميم استخدام البندقية في الجيش الروسي
وعمل «كلاشينكوف»، قبل الدخول في المسابقة، لتطوير سلاحه لزيادة فعاليته وكفاءاته، لتساعده صديقته المهندسة زينيا كرافشينكو، على وضع الرسومات الهندسية للسلاح، ولم ينجح أكثر من مرة، حتى تم تطويره وتحسينه، ليحصل على الجائزة الأولى في إحدى المسابقات بعد تحسين دقة الاستهداف، ومعدل إطلاق النار، ليتم تعميمه للعمل في الجيش الروسي في وقت لاحق.
تصنيع 200 مليون بندقية «كلاشينكوف»
وأنتجت الدولة الروسية فيلمًا حمل اسم «كلاشينكوف» عام 2020 لتوثيق السيرة الذاتية لصانع السلاح العالمي، والذي أنتج «المعجزة»، حسبما يتم إطلاق الاسم على «بندقيته».
وعملت شركة «كلاشينكوف» الروسية، التي تم تأسيسها في وقت لاحق لإنتاج الأسلحة الروسية الصغيرة والمتوسطة على إنتاج وتطوير البندقية AK47، والتي وصل مدى إطلاق النار لها إلى 800 متر، بمعدل 600 طلقة في الدقيقة، وهو معدل مبهر، جعل أكثر من 50 جيشًا نظاميًا على مستوى العالم تعتمد على بندقية «كلاشينكوف» كمصدر تسليح رئيسي لبنادقها، بأكثر من 200 مليون مدفع رشاش تم إنتاجه في المصانع المرخص لها عالميًا، فضلاً عن تصنيع كميات أخرى بشكل غير شرعي منها، وذلك حسبما ذكرت السلطات الروسية في «الفيلم».
وكرمت الدولة الروسية «ميخائيل كلاشينكوف» أكثر من مرة بعد إنجازه، منها منحه وسام «ستالين»، وهو وسام رفيع وقت الاتحاد السوفيتي، فضلاً عن إصدار وزارة الدفاع الروسية لميدالية تحمل اسم «كلاشينكوف»، فضلاً عن الاحتفاء سنويًا بـ«عيد المصنع العسكري الروسي»، مع ذكر واضح لاسم «كلاشينكوف» في كل احتفال.
بندقية كل الحروب والنزاعات المسلحة
وأصبحت بندقية «كلاشينكوف» رمزًا للتسليح في القرن العشرين؛ حيث استخدمت، بطرازاتها المختلفة، في كل الحروب النظامية منذ خمسينات القرن الماضي حتى اليوم، كما استخدمها عدد من المليشيات المسلحة، والتنظيمات في عملياتهم، وكافة النزاعات المسلحة حتى يومنا هذا.
كما يهدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين البنادق من طراز «كلاشينكوف» كرمز لهدية رفيعة الشأن لعدد من الزعماء والقادة حول العالم، ومن بينهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي منحه «بوتين» رشاش «كلاشينكوف» كهدية تذكارية لدى زيارته إلى القاهرة عام 2015.
كلاشينكوف يسأل الكنيسة قبل وفاته: هل أنا مذنب؟!
وقبيل وفاته عام 2013 بـ 6 أشهر، أرسل «كلاشينكوف»، رسالة إلى رئيس الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا، يحدثه عن تصميمه وتصنيعه أكثر من 150 عينة من الأسلحة الصغيرة والمتوسطة، معبرًا عن فخره لتمكن بندقيته في التفوق على البنادق الأمريكية، لكنه قال: «في الحروب والصراعات المسلحة.. كان مدفعي الرشاش هو المسئول عن موت الناس… فهل أنا مذنب بموت الناس.. حتى الأعداء؟!».
وردت الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا على خطاب «كلاشينكوف»، قائلة إن مصنعوه «وطني»، وأنه صنعه لحماية وطنه وبلده، ولا إثم عليه، حسبما أعلنت «الكنيسة الروسية» عقب وفاته عام 2013.
سلاح القرن العشرين
ويقول اللواء محمود منصور، رئيس الجمعية العربية للدراسات الاستراتيجية، إن بندقية «كلاشينكوف» بطرازاتها المختلفة، كانت بحق «سلاح القرن العشرين»، والتي ما تزال في الخدمة لدى الكثير من الجيوش، والتنظيمات على مستوى العالم، نظرًا لكفاءاتها العالية في إصابة الهدف، وقلة أعطالها، فضلاً عن إمكانية تصنيعها بإمكانيات بسيطة، مثلما صنعها «ميخائيل كلاشينكوف» في أربعينات القرن الماضي.
ويضيف رئيس الجمعية العربية للدراسات الاستراتيجية، لـ«»، أنه على الرغم من محاولات البعض لتصنيع سلاح صغير ومتوسط أخر على غرار «كلاشينكوف»، لكنه يُعد السلاح الأشهر، والأكثر استخدامًا عالميًا، وما يزال في الخدمة في أكثر من نصف دول العالم تقريبًا، مشيرًا إلى أن منافسه كان البندقية الأمريكية M16، فضلاً عن بنادق أخرى، لكنه يُعد السلاح الأكثر استخدامًا حتى يومنا هذا بطرازاته المختلفة.
ويوضح اللواء محمود منصور، أن ميخائيل كلاشينكوف، رغم وفاته قبل قرابة 10 أعوام، إلا أنه ما يزال يُنظر له باعتباره بطلاً قوميًا في روسيا، ويتم الاحتفاء بذكرى ميلاده ووفاته، خصوصًا في أوساط الصناعات العسكرية، كما تمت إقامة عدد من التماثيل والمواقع التذكارية له باعتباره بطلاً روسيًا.