كشف تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية، نشر الأحد 17 ديسمبر/كانون الأول 2023، عن تخطيط عدد من المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين إلى توسيع عمليات اعتداءاتهم على الفلسطينيين ليشمل جميع العرب الفلسطينيين، مؤكدا أنهم “يستمدون هذه الجرأة من الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل والتي منحتهم المزيد من السلاح والمال مستغلة الحرب على غزة”.
تقول الصحيفة الأمريكية إنه “بينما تعاني إسرائيل تداعيات هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ترى الجماعة الاستيطانية المتطرفة في البلاد فرصاً جديدة لطرد الفلسطينيين وتوسيع الوجود اليهودي في الأراضي المحتلة، وهو ما يمثل تهديداً أكبر لحل الدولتين”.
“علينا أن نشن حرباً على العرب”
حين قُتل جلعاد زار، الذي كان يشرف على أمن المستوطنين اليهود في المنطقة، برصاص مسلحين فلسطينيين عام 2001، أقسم والده، العضو في الحركة السرية اليهودية، التي تعتبرها إسرائيل منظمة إرهابية، أنه سيقيم ست مستوطنات غير قانونية جديدة، واحدة لكل حرف من حروف اسمه.
إحدى هذه المستوطنات “حفات جلعاد”، أو مزرعة جلعاد، وهي تضم نحو 80 عائلة تقيم فوق تلال شديدة الانحدار بالقرب من مدينة نابلس الفلسطينية.
يقول يهودا شمعون، وهو محامٍ في الـ48 من عمره: “علينا أن نشن حرباً مع العرب. هنا وفي غزة، العرب واحد. وإذا لم يرحلوا، علينا أن نقاتلهم، والأقوى هو من سينتصر”.
فقد اكتسب المتطرفون هنا بالفعل مزيداً من الجرأة بفضل الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، التي تضم مستوطنين مثل بتسلئيل سموتريش، وزير المالية، لكن هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول أكسبهم مزيداً من الأموال والأسلحة والدعم السياسي.
بينما تُمطر إسرائيل غزة بقنابلها، حرضت قرابة 12 منظمة صهيونية على العودة إلى مستوطنات غزة التي طُرد منها الإسرائيليون عام 2005 حين انسحبت إسرائيل من القطاع. ورفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذه الفكرة ووصفها بأنها “غير واقعية”، لكن هذه الأفكار بدأت تنتشر بين الرأي العام الإسرائيلي.
“هذا هو الوقت المناسب”
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، يتنامى إحساس المستوطنين في الضفة الغربية بالإفلات من العقاب على هجماتهم على الفلسطينيين. فخلال الشهرين الماضيين، داهم مستوطنون مسلحون 15 تجمعاً بدوياً، ودمروا المنازل، ومزقوا الخيام، وشردوا أكثر من 1200 شخص. وفرضت الولايات المتحدة وبريطانيا حظراً على منح تأشيرات دخول للمستوطنين المتورطين في هذه الهجمات.
يقول شمعون، الموكَّل للدفاع عن بعض هؤلاء الجناة، إنه لا يعرف شيئاً عن أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون. لكنه أقر بأنه لا يوجد خوف يُذكَر من العواقب.
كما أضاف: “هذا هو الوقت المناسب، الوقت الذي لن يوقفك فيه أحد أو يخبرك بألا تفعل ذلك”.
كذلك، يزعم شمعون، مثل آخرين هنا، أن زار اشترى مساحات واسعة من الأراضي في المنطقة من الفلسطينيين في السبعينيات، لكنه لم يفصح عن أي تفاصيل، مدعياً أن لا أحد يملكها فعلياً، وأنها “زهيدة الثمن”.
بينما يؤكد الفلسطينيون أنها أرض خاصة تعرضت للسرقة، وتصف منظمة السلام الآن، التي تناصر حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مطالبة المستوطنين بملكية الأراضي بأنها “تتعدى المنطق” لأنها تتعلق بعشرات الأراضي التي يملكها المئات.
“نقطة تحول جديدة”
ساعدت دانييلا فايس، وهي من القوميين المتطرفين الذين يرون أن حدود الوطن اليهودي تمتد من نهر الأردن إلى نهر النيل، في إنشاء مستوطنة حفات جلعاد وغيرها من البؤر الاستيطانية غير القانونية، وقالت إن أفضل طريقة للتعامل مع “حلم الكثير من العرب بإبادة إسرائيل” هو البناء.
كما أضافت: “لو أنني أرغب في التعامل مع عدو قاس، فأكثر الطرق فاعلية هي ألا تقتله وإنما أن تبني أرض إسرائيل.. لذلك حين أواجه قتلاً، أعلم أن الطريقة التي تشعرني بأمان أكبر هي أن أُضعف العدو”.
وهي تذكر إقامة أول بيوت متنقلة على سفح التل في حفات جلعاد في الليلة التي قتل فيها زار: “تلك هي طريقة الصهيونية، وهكذا ستكون طريقة الصهيونية”.
انبثقت أول منظمة استيطانية أسستها فايس، غوش إيمونيم، من رماد حرب 1967. وكان هدفها احتلال الأراضي التي غزتها إسرائيل بعد مهاجمة القوات العربية، مثل الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى لا تضطر الدولة إلى إعادتها.
وأضافت أن عمليات إخلاء 8000 مستوطن من غوش قطيف، التي كانت كتلة تضم 17 مستوطنة في غزة، عام 2005، أدت إلى تنشيط هذه الحركة. وتأسست حينها منظمتها الحالية، “ناشالا”، التي تهدف إلى إنشاء بؤر استيطانية غير قانونية.
وهي تعتبر السابع من أكتوبر/تشرين الأول “نقطة تحول جديدة” في حركة المستوطنين.
وقالت: “موقفنا الآن هو العودة إلى غزة، وهذا طبيعي. في اللحظة التي تتاح لنا فيها الفرصة للعودة إلى المجتمع الذي ننتمي إليه، نفعل ذلك”.
لتحقيق ذلك، فهي ترغب في إخراج سكان غزة من القطاع. وقالت: “لا يمكن أن يستمر العرب في عيشهم في غزة”.
العودة لغزة
في السياق، دعت وزيرة المستوطنات أوريت ستروك إلى العودة إلى غزة قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول. واُلتقطت صور للجنود الإسرائيليين الذين يقاتلون في القطاع وهم يحملون لافتات تطالب بعودة المستوطنين. وحمل بعضهم الشمعدان العملاق الذي كان يعلو يوماً المعبد اليهودي في نتساريم، جنوب مدينة غزة.
فيما يرغب ربع اليهود الإسرائيليين في إعادة بناء المستوطنات في غزة، وفقاً لدراسة أجراها الشهر الماضي معهد سياسة الشعب اليهودي.
يقول عوديد رافيفي، عمدة مستوطنة إفرات بالضفة الغربية، إنه حتى مع وجود حلفائهم الأيديولوجيين في الحكومة، فالموافقة على البناء الجديد في الضفة الغربية ستظل مقيدة لأن إسرائيل ستركز كل رأسمالها السياسي مع الولايات المتحدة على إنهاء حملتها العسكرية في غزة.
لكن في البؤر الاستيطانية العشوائية، يتم البناء دون تصاريح. وحتى قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تراجعت عمليات هدم البناء الإسرائيلي غير القانوني، في حين عُززت ميزانيات بناء الطرق والخدمات الأساسية.
الجيل القادم “أكثر تطرفاً”
لا سياج يفصل مستوطنة حفات جلعاد عن جيرانها الفلسطينيين، ويعتمد السكان على الكاميرات الأمنية والحراس المسلحين.
يقول شمعون إن حوالي نصف الرجال هنا يخدمون في الجيش، لكن الفلسطينيين يخافون شن هجوم هنا، وأضاف: “تعاملنا بصرامة من البداية، وهذا سيعلم الآخرين ألا يعبثوا معك”.
إحدى الحافلات الأصلية، التي طالها الصدأ الآن، باتت اليوم مكاناً لاجتماع حركة شباب المستوطنة وفتياتها، وتصور لوحة جدارية صواريخ سوداء مشتعلة في سماء زرقاء، وقال شمعون إن كل صاروخ يحمل اسم عضو شاب في المستوطنة.
من جهتها، تصرح يائيل شيفاح (38 عاماً)، أرملة الحاخام الذي قُتل عام 2018، بأنها لا تزال تؤمن بأن الفلسطينيين واليهود يمكنهم العيش مع بعضهم في الضفة الغربية.
وتقول إن سكان المستوطنة الأصغر سناً أكثر تطرفاً، وزاد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول من تطرفهم. وقالت: “أبنائي أكثر تطرفاً بالطبع، وتزداد كراهيتهم للفلسطينيين”.
عند غروب الشمس، عاد شمعون إلى المقطورات التي ربى فيها أبناءه الـ11 لإضاءة الشمعدان في عيد الحانوكا الذي يحتفي بثورة المكابيين على الحكم اليوناني.
تقول ابنته جوديث البالغة من العمر 21 عاماً: “لو لم نقاتل من أجل أنفسنا، فلن يقاتل أحد من أجلنا”.