مبادرة الخلاص الوطني .. الوحدة والقيادة الموحدة قبل كل شيء..

 
 
أطلقت مجموعة من الشخصيات الوطنية يوم أمس، مبادرة تحمل عنوان هذا المقال، وتتضمن أقسامًا عدة، تبدأ بمقدمة حول طوفان الأقصى والتحديات والمخاطر المصيرية والفرص العظيمة؛ حيث انتهت بالقول بأننا لا نبالغ إن قلنا إن الفلسطينيين أمام لحظة تاريخية فارقة، إما أن تصل بهم إلى فرض حقوقهم ويحفرون اسم فلسطين على خريطة العالم الجديد، شريطة إنجاز الوحدة الفورية، أو يعودون إلى عهود الوصاية والانتداب والخيارات الإسرائيلية والإقليمية والدولية.
ثم حددت المبادرة المبادئ والمنطلقات، بدءًا بوحدة الشعب والأرض والرواية التاريخية والمصير، وتمر بأن القضية تمر بأكثر مراحلها خطورة في ظل استمرار الانقسام الذي أدى إلى غياب رؤية وإستراتيجية موحدة وفاعلة، وأرجعت خطورة اللحظة إلى وصول الإستراتيجيات المعتمدة إلى طريق مسدود وعدم تغيير المسار، وعدم إجراء الانتخابات على كل المستويات بشكل دوري منتظم، ووقوع الانقسام واستمراره وتعمقه أفقيًا وعموديًا، وعدم توفر إرادة سياسية للتوصل إلى توافق وطني إلى حين إجراء الانتخابات.
كما أكدت المبادرة في المنطلق الثالث أهمية النضال والمقاومة بكل أشكالها، بينما تضمن المنطلق الرابع تحديد الأهداف الوطنية في هذه المرحلة، أما المنطلق الخامس فشدد على أهمية الحفاظ على المنجزات السياسية والقانونية والدبلوماسية التي حققها الشعب الفلسطيني، وأما المنطلق الأخير فأكد أهمية الحفاظ على وحدانية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، ورفض كل البدائل التي تنتقص من الحقوق الوطنية.
ما العمل؟
حددت المبادرة ما العمل؛ حيث ركزت على مواجهة العدوان والعمل على وقفه بشروط مشرفة بوصف ذلك أولى المهمات، والإعلان الفوري عن الوحدة الوطنية، والشروع في حوار وطني شامل، وتوسيع المشاركة، بما يشمل الشباب والمرأة والشتات وأماكن اللجوء والكفاءات الوطنية والمجتمع المدني، إضافة إلى تشكيل قيادة موحدة مؤقتة إلى حين تشكيل مجلس وطني جديد أساسًا عبر الانتخابات، وبلورة رؤية شاملة تنبثق منها إستراتيجيات فاعلة وقيادة واحدة، فضلًا عن تشكيل حكومة وحدة أو كفاءات وطنية تعمل على إنهاء العدوان وانسحاب قوات الاحتلال، والتفاوض على صفقة تبادل أسرى على أساس الجميع مقابل الجميع، وتعمل على وقف الاستيطان ووقف مخطط التهجير والتهويد، وإنهاء الانقسام حتى تكون هناك سلطة واحدة تعمل أساسًا على تجسيد الاستقلال عبر إنهاء الاحتلال، ومعالجة آثار العدوان على قطاع غزة، والتحضير لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني خلال مدة أقصاها عام.
واختتمت المبادرة بالقول “إن ما تتضمنه يهم الشعب الفلسطيني بمختلف أفراده وقواه ومؤسساته وتجمعاته وقطاعاته، لذلك هي موجهة وتستهدف الكل الفلسطيني، على أساس القناعة الراسخة والعميقة التي تأكدت بشراسة العدوان وجذريته بعد طوفان الأقصى، واستهدافه للفلسطينيين جميعًا، ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، ومختلف مؤسساتهم، وعلى أساس أن ما يجمع الشعب الفلسطيني بمختلف قواه أكثر بكثير مما يفرقه، ولكن هذه المبادرة لا يمكن أن تنتظر لكي تنطلق بعد الحصول على موافقة الجميع، لأن هذا مستبعد؛ ما يقتضي مواصلة العمل والحشد لها والضغط من أجلها، من خلال الاجتماعات والورشات وتنظيم مؤتمر وطني يدعى إليه كل من يوافق على خطوطها العامة حتى تتحقق بأسرع وقت، فالوقت من دم والتاريخ لا يرحم”.
أسئلة تطرح نفسها
السؤال الأول: ما الجديد الذي تضيفه المبادرة الجديدة إلى المبادرات السابقة؟
هي لا تضيف جديدًا، إلا أن الجديد يكمن في أنها تستجيب للتطورات الجديدة بعد طوفان الأقصى، على أساس أن حرب الإبادة – التي لا تميز بين فلسطيني وآخر، وتستهدف تصفية القضية الفلسطينية بكل أبعادها – توفر قاسمًا مشتركًا مفترض أن يوحد الفلسطينيين، فالشعب موحد أما الفصائل والمؤسسات فهي المنقسمة، خصوصًا أن مخططات التهجير والتهويد والاستيطان تطال جميع الفلسطينيين، وباتت مطروحة للتنفيذ، فتهجير شعبنا في القطاع قسريًا و”طوعيًا” من أهم أهداف العدوان.
كما أن نتنياهو وضع جميع الفلسطينيين في سلة واحدة حين رفض عودة السلطة إلى قطاع غزة، وعدّ الفرق بين حركتي فتح وحماس بأن الأولى تريد أن تقضي على إسرائيل على مراحل، والأخرى تريد أن تقضي عليها مرة واحدة. ويلوح نتنياهو بأنه سيعيد بناء السلطة لتصبح إدارة مدنية بشكل كامل من دون مناطق (أ) و(ب) و(ج)، على أن يتم حل الأجهزة الأمنية وسحب سلاحها والإبقاء على جهاز الشرطة، مع إجراء مماثل في القطاع لتكون هناك إدارة محلية تحت الاحتلال.
إنّ عدم تحقيق الوحدة على الرغم من كل الجهود والمبادرات يتطلب العمل من أجلها مرة وراء مرة حتى تتحقق، والبدء بمن يوافق على طريق تشكيل جبهة وطنية عريضة.
 
 
الخلاص يستند إلى مبادرة الرزمة الشاملة ومبادرة الإنقاذ

استفادت المبادرة الجديدة من وثيقة الوفاق الوطني والاتفاقات المتفق عليها سابقًا، خصوصًا اتفاق القاهرة 2011، واستندت أساسًا إلى مبادرة إنهاء الانقسام التي أطلقها مركز مسارات في مؤتمر بعنوان “الرزمة الشاملة طريق الوحدة الوطنية”، وذلك في 29 آب/ أغسطس 2018، بمشاركة أكثر من 700 شخصية من مختلف الأطياف والتجمعات، وإلى مبادرة الإنقاذ الوطني التي طرحها الملتقى الوطني الديمقراطي في تموز/ يوليو 2022.

السؤال الثاني: ما مدى فرصة نجاح هذه المبادرة؟
يتوقف هذا على مدى التجاوب معها، وهل تشكل قوة دافعة تصل إلى تأييد مكونات عديدة من الشعب الفلسطيني واستعدادها للنضال لفرض الوحدة من خلال الضغط السياسي والجماهيري المتصاعد. لذلك، جاء في المبادرة أنها ستنطلق بمن يوافق عليها، فهي لا تستثني أحدًا، ولكن هناك من يقصي نفسه ومن يقدم أوراق اعتماده للإدارة الأميركية وحلفائها وللاحتلال ويراهن عليهم، ولذلك هو وكل من يستمر في الانقسام ويعمل على تعميقه يتحمل المسؤولية عن عدم الاستعداد لجعل الوحدة، على أساس وطني ديمقراطي كفاحي، أولوية وضرورة وطنية وليس مجرد خيار من الخيارات.
يدرك الجميع أن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة مهمة صعبة جدًا في ظل مصالح جماعات الانقسام والخارجين عن الصف الوطني، والتدخلات الإسرائيلية والإقليمية والدولية، والفوارق المتعددة والمتنوعة بين الفريقين، التي قلت من جهة بسبب المخاطر المشتركة، وازدادت من جهة أخرى بعد طوفان الأقصى، خصوصًا في ظل وجود أفراد وشرائح نافذة تراهن على هزيمة المقاومة وتستعد لتنفيذ السيناريوهات المتداولة أميركيًا وإسرائيليًا، وهذا ينقل السلطة إذا تحقق ذلك وفرضوا رؤيتهم على السلطة من واقع السلطة المتعاونة مع الاحتلال إلى سلطة عميلة، والرهان هنا ليس على هذه الشرائح والأفراد، وليسوا هم المدعوين للوحدة، وإنما على حركة فتح وما تمثله، وعلى أنصارها وحلفائها، وإمكاناتها الكبيرة، وعلى إمكانية تجاوز مأزقها الكبير.
وما الحديث الأميركي وغيره عن تجديد السلطة وتنشيطها ما هو سوى محاولة لدفع السلطة لتكون أكثر استجابة لمتطلبات الأمن الإسرائيلي، وكما أن الحديث – إذا استجابت السلطة أو لم تستجب لما هو مطلوب منها – يعفي إدارة بايدن من تنفيذ التزامها بحل الدولتين، ويبرر لها الموافقة على الترتيبات التي تنوي سلطات الاحتلال القيام بها بذريعة أنها مؤقتة، وخبرتنا الماضية تشير إلى أن المؤقت يصبح دائمًا، خصوصًا في ظل عدم التزام الحكومة الإسرائيلية الحالية والتي يمكن أن تشكل، بدليل مطالبة كل من بيني غانتس ويائير لابيد واشنطن بالكف عن ترديد التزامها بحل الدولتين.
السؤال الثالث: ما العمل في ضوء المخاوف من تعويم المبادرة للوضع الفلسطيني وإعادة إنتاج المبادرات الفاشلة السابقة؟
هذه مخاوف مشروعة، ولكن ما يقلل منها أن الأسس الوطنية والتشاركية والديمقراطية، وخصوصًا البرنامج الوطني الكفاحي، هي شروط لا بد منها، وهي الرافعة للمبادرة التي يجب النظر إليها والتعامل معها بوصفها رزمة شاملة تطبق إذا تمت الموافقة عليها بالتزامن والتوازي، فقد جربت مبادرات سابقة التركيز على تشكيل الحكومة أولًا أو المنظمة أولًا أو الانتخابات أولًا ولم تنجح.
أما مبادرة الخلاص فترى أن تُشكّل الحكومة في الوقت نفسه الذي يتم فيه تشكيل القيادة المؤقتة للمنظمة، مع إعطاء الأولوية لوقف العدوان ومعالجة آثاره.
هذه المبادرة مطروحة على كل مكونات الحركة الوطنية، وعلى كل من لا يتساوق مع الدعوات لاستبعاد فصائل المقاومة، وخصوصًا “حماس”، وتحديدًا مع فكرة مستقبل غزة من دون “حماس”، أو مع إيجاد “حماس” جديدة سياسية بلا سلاح أو نزع سلاح المقاومة، فمصير الفلسطينيين ومستقبلهم يقررهما الشعب الفلسطيني وقواه الحية ومؤسساته الشرعية الديمقراطية الموحدة، إضافة إلى التوافق الوطني قبل وبعد إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتحترم نتائجها.
إنها لحظة تاريخية سيتم فيها الفرز؛ حيث سيختار كل فصيل وكل فرد موقعه هل هو مع شعبه أم مع أعدائه، والباب مفتوح واسعًا لكل من يختار شعبه.
ما بعد طوفان الأقصى يختلف عما قبله، وهو حدث تاريخي مفصلي يفتح أبواب التغيير لدى مختلف الأطراف، وفي فلسطين تحديدًا؛ حيث هي كانت بحاجة إلى تغيير بنيوي وسياسي شامل وبأسرع وقت قبله، وأصبحت بحاجة أكبر إليه بعده، ولكن البديل الوطني الديمقراطي غير جاهز وليس متبلورًا حتى الآن جراء الخلافات والأجندات المختلفة وعدم تبلور الرؤية الشاملة.
تأسيسًا على ما سبق، فإن التغيير يحدث أو يمكن أن يتحقق بالنقاط والتراكم وخطوة خطوة، ويمر عادة عبر التغيير الفوري والثورة والإطاحة الثورية، وهي غير ناضجة حتى الآن، وليست مناسبة لشعب تحت الاحتلال، أو من خلال الانقلاب، وهو مرفوض كونه يكرس الواقع، وقد يأتي بأسوأ منه، أو من خلال التوافق على رؤية وإنجاز الوحدة للوطنيين والديمقراطيين بما تتضمنه من الاحتكام إلى الانتخابات، وهي ليست المدخل ولا يمكن إجراؤها خلال الحرب والعدوان، ومن دون توافق ووحدة على الأهداف والقواعد والأساليب الأساسية التي تنظم العمل الداخلي والخارجي وأشكال النضال.
لذا، فإن الطريق الأفضل وربما الوحيد للتغيير حاليًا هو إنجاز التوافق الوطني لتحقيق أقصى ما يمكن، من دون التخلي عن الأهداف والحقوق الأساسية، على أن يكون لفترة انتقالية، حتى يتم إجراء الانتخابات، وهو بحاجة إلى أن تُغَلِّب القوى والحراكات والناشطون المصلحة الوطنية والمشترك على المصلحة الفردية والخاصة والفئوية والفصائلية والبرامج الخاصة، وهو بحاجة كذلك إلى الابتعاد عن المناشدات والمطالبات، بل يتطلب اللجوء إلى ممارسة ضغط سياسي وجماهيري بكل الأشكال السلمية والديمقراطية حتى إحداث التغيير.
التغيير الخارجي مرفوض
“التغيير” الذي يطبخ في الكواليس على ظهر الدبابة الإسرائيلية مرفوض مرفوض مرفوض، مثله مثل “التغيير” التي يأتي ضمن المشاريع الإقليمية والدولية، التي عنوانها إيجاد قيادة أو سلطة فلسطينية متجددة أو نشيطة أو من دون “حماس” أو أي عناوين أخرى، وهذه المشاريع يجمعها وكل همها إطفاء جذوة المقاومة الفلسطينية حتى لا تزداد اشتعالًا وحتى لا تنتشر، فمن دون المقاومة لا يمكن تحقيق الأهداف والحقوق الفلسطينية، وكذلك الحال بالنسبة إلى التغيير غير المرتبط بالكفاح الوطني.
ما يجري منذ السابع من أكتوبر يثبت أن القضية الفلسطينية عادت إلى صدارة الأحداث بفضل المقاومة، ويمكن أن تنتصر بالمقاومة المتبناة من القيادة الموحدة والإستراتيجيات المناسبة، وعلى أساس المقولة الشهيرة “المقاومة تزرع والسياسة تحصد، ومن لا يزرع لا يحصد”.