يرى مراقبون فلسطينيون أن إعلان إسرائيل عزمها الانتقال إلى “مرحلة ثالثة” من عملياتها في قطاع غزة قد يشكل بداية انحسار للحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وأوردت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أن الجيش يستعد للانتقال إلى “المرحلة الثالثة” خلال أسابيع بما يتضمن وقف الاجتياح البري وتقليص العمليات العسكرية بما يشمل تسريح عناصر من قوات الاحتياط.
وذكرت الهيئة أن خطط الجيش الإسرائيلي للمرحلة الثالثة ستقوم على اللجوء إلى عمليات واغتيالات محددة ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقيادتها، وإقامة منطقة عازلة آمنة داخل قطاع غزة.
وفي نهاية أكتوبر الماضي بدأ الجيش الإسرائيلي مناورات برية تضمنت اجتياحا موسعا بالدبابات والآليات العسكرية في مدينة غزة وشمالها، ولاحقا في خان يونس جنوب القطاع.
ــ ضغوط دولية وميدانية
ويرى المراقبون في تصريحات لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن الإعلان عن مرحلة ثالثة في العمليات التي تشنها إسرائيل يأتي في ضوء تصاعد الضغوط الدولية عليها واستمرار حماس في خوض القتال الميداني في غزة.
ويقول المحلل العسكري الفلسطيني واصف عريقات إن الجيش الإسرائيلي يعلن عن مرحلة ثالثة في الحرب في غزة في وقت لم يحقق فيه كامل أهدافه حتى الآن، ويواجه “مقاومة” فاعلة من حماس وبقية الفصائل الفلسطينية.
ويشير عريقات إلى أن إسرائيل لم تحقق أهدافها المعلنة التي تتضمن القضاء على حماس وتحرير محتجزيها في غزة، وهي تستهدف الآن إنشاء منطقة عازلة بعمق قد يصل إلى كيلومترين على طول السياج وإعادة تموضع القوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة.
ويضيف أن “هناك خلطا في المفاهيم فيما تعلنه إسرائيل كون أن الحرب البرية لا تزال لم تحقق أهدافها ولم تنجح بعد في إتمام التطويق والتطهير لقدرات حماس والفصائل الأخرى في غزة”.
ويعتقد عريقات أن الجيش الإسرائيلي سيجد مصاعب في البناء على نتائج الحرب البرية وهو لا يزال لم يحقق أهدافها، وبالتالي سينتقل إلى “مرحلة الحزام” في ظل وجود “مقاومة مستمرة” تشتبك في كل محاور التوغل.
وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أعلن الأسبوع الماضي خلال زيارته إسرائيل، أن انتقال الجيش الإسرائيلي من العمليات العسكرية الرئيسية في غزة إلى عمليات أكثر دقة “قد يخفف التوتر الإقليمي”.
ــ البحث عن إنجاز عسكري بالنقاط
ويرى المحلل السياسي فراس ياغي أن إسرائيل تبحث عن الانتقال إلى مرحلة “البحث عن إنجاز عسكري بالنقاط في ظل عدم تحقيقها حتى الآن توجيه ضربة قاضية للفصائل الفلسطينية وضغوطات الميدان”.
ويبرز ياغي أن إسرائيل تبحث عن خطط بديلة في مواجهة ضغوط الرأي العام العالمي وتصاعد الانتقادات الدولية لها، وذلك عبر البحث عن استمرار القتال بالعمليات “الجراحية والموسعة بجغرافيا محددة”.
ويشرح أنه بالنسبة للجيش الإسرائيلي في المرحلة المقبلة فإن “الإنجاز العسكري بالنقاط هو الأهم لحل معضلة الاستعصاء في الميدان لإنجاز الأمر بالضربة القاضية، وبالتالي إعادة التموضع سيوفر مهلة أكبر للحرب”.
ويلفت ياغي إلى أن إسرائيل ستتمسك بالتلويح برد جديد موسع في حال قيام الفصائل الفلسطينية باستهداف قواتها المتمركزة في المنطقة العازلة أو إطلاق قذائف صاروخية على الأراضي الإسرائيلية.
وكانت صحيفة ((يديعوت أحرنوت)) العبرية أوردت أمس أن مدينة خان يونس ربما تكون المحطة الأخيرة فيما يسميه الجيش الإسرائيلي المرحلة المكثفة من الحرب، ليبدأ تقلص عملياته في الفترة القريبة.
فيما ذكرت صحيفة ((هآرتس)) أن “الخطط العسكرية للجيش الإسرائيلي ستتغير في غزة قريبا في ظل ضغوط واشنطن لإنشاء منطقة عازلة على طول حدود غزة وأن تغير إسرائيل تكتيكاتها القتالية”.
ــ الدفع باتجاه انحسار الحرب
ويرى الكاتب والمحلل السياسي رجب أبو سرية أن انتقال إسرائيل إلى مرحلة ثالثة في عملياتها في قطاع غزة يؤشر إلى “الدفع باتجاه انحسار الحرب” في ظل اقترابها من إكمال شهرها الثالث.
ويقول أبو سرية إن إسرائيل تدرك أن تحقيق أهدافها من الحرب يحتاج إلى أشهر طويلة ومآلها ونتيجتها ستتحدد إلى حد كبير ارتباطا بأمرين، أولهما صيرورة المعركة ميدانيا، وثانيهما التطورات الإقليمية والدولية المرافقة لها.
ويضيف أن “انخفاض وتيرة الحرب يلوح في الأفق من خلال الانتقال لشكل آخر من العمليات يقوم على التركيز على الأهداف العسكرية وتجنب أكبر لإلحاق الأذى بالمدنيين”.
لكن أبو سرية يربط سرعة تحقق انحسار الحرب بنتائج المفاوضات غير المباشرة الجارية بين إسرائيل وحماس للعودة إلى مسار تبادل الأسرى وإصرار الحركة على وقف دائم لإطلاق النار وليس فترات هدن مؤقتة.
ويخلص إلى أن “من يفرض شرطه بين الهدنة المؤقتة أو وقف دائم لإطلاق النار قد يحقق الانتصار بالنقاط، رغم أن الأرجح أن الجانبين سيجبران على تقديم تنازلات تقلل من سقف مطالبهما في ظل ما يتعرضان له من ضغوطات متراكمة”.