دولة تجاوزت حد الفجور..محمد ياغي

دولة الاحتلال ترتكب أمام أعين العالم تطهيراً عرقياً، ولأن شريكتها في الجريمة، الولايات المتحدة، تتمتع بحق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن، فهي لا تخشى نتائج أفعالها، وتهدد علناً وبكل وقاحة بأنها ستقوم بنفس الشيء وأكثر منه في لبنان إذا لم يتوقف من يناصر فلسطين فيها عن القيام بذلك.
هذا ليس فقط غرور القوة، ولكنه الحد الأقصى من فجورها.
المشكلة فقط أن هذه الدولة تحاول أن تبلع أكثر مما تستطيع أن تهضم، فالدولة التي تمتلك القنابل النووية وأفضل ما في ترسانة أميركا من أسلحة تقف عاجزة بعد أكثر من ثمانين يوما عن حسم المعركة في غزة.
لا لم تحسمها فقط، ولكنها تغرق في رمالها وتتعرض لخسائر لم تعد قادرة على إخفائها عن شعبها، بينما يشاهد ذلك مئات الملايين في العالم وعلى الهواء مباشرة.
دولة بهذا الضعف وتهدد بفتح جبهة جديدة بحجم جبهة غزة وربما أكبر وفق تصريحات ضباطها، لا شك أنها فقدت اتزانها ولم تعد قادرة على اتخاذ خيارات تنقذها من ورطتها.
لكن لهذا الفجور سببين يسمحان لها بالتهديد بضرب لبنان واليمن والعراق وسورية وأي دولة تنتقدها بقسوة أو تدعم المقاومة:
الأول؛ هو أنها لا تَفجُرْ باسمها هي ولكنها تفعل ذلك باسم الادارة الاميركية، شريكتها في التطهير العرقي.
إدارة الرئيس بايدن هي من تعطي السلاح لدولة الاحتلال الذي يقتل الفلسطينيين في غزة والضفة ويقتل في كل مكان تصل له يدها.
وهي من تحميها في مجلس الأمن وتمنع المجتمع الدولي من اتخاذ إجراءات بحقها، وهي من تمنع دخول المساعدات الإنسانية لغزة. قرار مجلس الأمن الأخير هي من أفرغته من أي معنى، لدرجة قيام مندوب روسيا في مجلس الأمن للقول «لولا أن بعض الدول العربية طلبت منا عدم الاعتراض عليه لأسقطنا القرار بالفيتو».
وإدارة بايدن، هي من سوّق للرواية الكاذبة لما جرى يوم ٧ أكتوبر. هي من قالت قطعوا رؤوس الأطفال واغتصبوا النساء. ولا يزال مسؤولوها يرددون هذه الأكاذيب.
والإدارة هذه وحلفاؤها في الكونغرس هي من يُضيق الخناق على القوى الأميركية التي تطالب باحترام حقوق الانسان ووقف التطهير العرقي في غزة.
وهي من يمارس الضغوط على القادة العرب لمنعهم من الوقوف مع الشعب الفلسطيني بالأفعال لا بالأقوال. إنها من يحاول إحضار العالم إلى البحر الأحمر لحماية إسرائيل وليس لحماية حرية الملاحة كما تدعي.
هذه الإدارة التي لم تغير قراراً واحداً من قرارات الإدارة التي سبقتها فيما يخص القضية الفلسطينية هي إدارة معادية، فهي لم تسحب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولم تقم بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، ولم تقم أيضا بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
 إدارة كهذه لا يجب التعامل معها على أنها وسيط، بل يجب التعامل معها على أنها شريك لدولة الاحتلال في جرائمه. ولأنها كذلك، ولأنها من يقف وراء استمرار عمليات التطهير العرقي في غزة رغم قدرتها على وقفها فلا يجب الجلوس معها ولا الاستماع لنصائحها أو التعاطي معها.
ستخطئ السلطة كثيرا إن وافقت على أي من مشاريع إدارة بايدن لما بعد الحرب على غزة، لأن مشاريعها هي عودة لشيء قديم هدفه استمرار الاحتلال وإعطاؤه المزيد من الوقت لضم الضفة وابتلاعها.
مشاريع مثل «تجديد» السلطة و»بناء الثقة» و»إعادة حكم السلطة» لغزة، كلها لها هدف واحد: الهروب من استحقاق إنهاء الاحتلال والعودة لعملية تسمى زوراً وبهتاناً «عملية سلام» لكن جوهرها إعطاء الوقت للاحتلال لضم الضفة بالاستيطان والتهجير.
أما السبب الثاني لفجور دولة الاحتلال فهو المحيط العربي الذي يرفض للآن قطع العلاقات مع دولة الاحتلال. دولة الاحتلال تقوم بتطهير عرقي للفلسطينيين بينما البعض العربي لا يزال يقيم علاقات سلام معها.
هذا يعطيها الغرور الكافي على الإمعان في قتل الفلسطينيين وإبادتهم. لماذا يخشون القيام بذلك إن كان البعض «العربي» لا يرى في ذلك سبباً لقطع العلاقات معها.  
ولماذا يتوقفون عن القيام بمذبحتهم إن كان البعض «العربي» يتوسط لأميركا في مجلس الأمن حتى لا تقوم روسيا باعتراض الفيتو.
ولماذا يتوقفون طالما البعض «العربي» ملتزم بالاتفاقيات التي تجعله يُمرر أسماء الفلسطينيين الجرحى لإسرائيل للقيام بالموافقة أو الاعتراض على خروجهم للعلاج.
دعونا نتخيل قليلاً لو أن حدود غزة والضفة هي مع أفغانستان مثلا، هل كان بإمكان الاحتلال الاستمرار ليومنا هذا؟ كانت خطوط الإمداد ستكون مفتوحة للمقاومة بما يمكنها من هزيمة عدوها.
لماذا لا تجرؤ دولة الاحتلال على قصف الضاحية الجنوبية في بيروت؟ الجواب ببساطة لأن حيفا وتل أبيب سيتم قصفهما بصواريخ متطورة تحدث فيهما دماراً لا تستطيع دولة الاحتلال التعايش معه.
المدنيون في لبنان تحميهم الصواريخ المتطورة التي تمتلكها مقاومتهم، بينما غزة لا تمتلك هذه الصواريخ، ولهذا تجرأت وتتجرأ دولة الاحتلال على ارتكاب كل هذا القتل.
لو كانت أفغانستان على حدود غزة والضفة لأمكن للمقاومة فيهما أن تمتلك ما تحمي به شعبها. ولأن أفغانستان بعيدة عنا، وبقربنا جوار آخر لا يسمح بخطوط الإمداد ويقطعها، فإن إسرائيل تَفجُر وتفعلها بوقاحة لم تحصل خلال قرن من الزمان.