جاء اغتيال المُجاهد صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بطائرةٍ مُسيّرة قصفت مكتبًا لحركة المُقاومة الإسلاميّة (حماس) في الضاحية الجنوبيّة للعاصمة اللبنانيّة بيروت مساء اليوم صدمةً ضخمةً للحركة وحاضنتها اللبنانيّة (حزب الله)، ولمحور المُقاومة بشَكلٍ عام، خاصّةً أن هذه العمليّة الإرهابيّة جاءت بعد أيّامٍ معدودة من اغتِيال الجِنرال رضى الموسوي أحد أبرز مُستشاري الشّهيد قاسم سليماني رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، والإبادة الجماعيّة والتّطهير العِرقي في قطاع غزة.
استِهداف المُجاهد العاروري، وفي الضاحية الجنوبيّة، إعلان حرب على لبنان والمُقاومة الإسلاميّة في جنوبه (حزب الله)، واستفزازًا على أعلى الدّرجات لقائدها سماحة السيّد حسن نصر الله، وهو استفزازٌ نعتقد بأنّه لن يَمُرّ دُونَ رَدٍّ بالنّظر إلى تهديدات السيّد نصر الله الصّريحة، وأكثر من مرّة، بالانتقام الفوريّ لأيّ عمليّة اغتيال سواءً لقادةٍ في الحزب، أو القادة الفِلسطينيين الذين يتواجدون في ضِيافته، وتحت حِمايته، على الأرض اللبنانيّة.
اغتيال العاروري يبدو أنه مدروسٌ بعناية من حيث هدفه أو شهيده المُجاهد العاروري، يُريد زعزعة أمن لبنان واستِقراره، وجرّ المُقاومة إلى مُواجهةٍ مُوسّعةٍ مع كيان الاحتِلال الذي مُني بهزائمٍ ضخمة، ومُذلّة، ووجوديّة، على أكثر من سبع جبهات داخليّة وخارجيّة، وأبرزها جبهة الجليل في شِمال فِلسطين المُحتلّة، إلى جانب جبهتيّ القطاع والضفّة والبحر الأحمر والقواعد الأمريكيّة في العِراق.
***
الجيش الإسرائيلي انسحب جُزئيًّا من بعض المناطق في شِمال غزة بسبب تَعاظُم الخسائر في صُفوفه، سواءً البشريّة منها أو على صعيد الدبّابات والدّروع، وربّما من أجل التّحشيد على جنوب لبنان، التي تصاعد منها القصف الصاروخيّ، وبالطّائرات والمُسيّرات طِوال الأشهر الثلاثة الماضية، ممّا أدّى إلى تفريغ شِمال فلسطين من أكثر من 350 ألف مُستوطن هربوا إلى النّقب بحثًا عن ملاذٍ آمِن بعيدًا عن القصف القادم من جنوب لبنان، في سابقةٍ هي الأولى من نوعها مُنذ 75 عامًا.
مصادر إعلاميّة صهيونيّة أكّدت أن المرحلة الثالثة من العُدوان على قطاع غزة، ستشمل البدء في حملة اغتِيالات لقادة حركتيّ “حماس” “الجهاد الإسلامي” داخِل فِلسطين المُحتلّة وخارجها، وكان الشيخ العاروري يحتلّ المرتبة الثالثة على قائمة الاغتِيالات الصهيونيّة بعد المُجاهد يحيى السنوار قائد حركة “حماس” في قطاع غزة، والمُجاهد زياد النخالة أمين عام حركة الجهاد الإسلامي.
الشّهيد صالح العاروري دوّخ الإسرائيليين وأصابهم في مقتل، لوقوفه مُنذ اليوم الأوّل خلف المُقاومة المُسلّحة في الضفّة الغربيّة، بإمدادِها بالسّلاح والتّدريب والتّمويل، وهي المُقاومة المُتصاعدة التي حوّلت تل أبيب والقدس المُحتلّة ومُعظم المُدُن الأُخرى إلى ميدانِ حربٍ مُرعبةٍ زلزلت أمن الاحتِلال واستِقراره، وضاعفت من أرقام الهجرة المُعاكسة.
الشّهيد العاروري، وبالتّنسيق مع حركة “الجهاد الإسلامي” وكوادرها في الضفّة، وكذلك مع كتائب شُهداء الأقصى الفتحاويّة، حوّل الضفّة الغربيّة إلى كُتلةٍ من اللّهب تتدحرج من مدينةٍ إلى أُخرى، وتحرق كُل من يقف أمامها من الجُنود والمُستوطنين معًا، في تجسيدٍ قويٍّ لوحدة السّاحات، ودعمًا للمُقاومين في قطاع غزة، بإرباك العدوّ وتشتيتِ قِواه.
استشهاد العاروري ورفاقه لن يُضعف حركة “حماس”، بل سيزيدها صلابةً وقُوّةً، لأنّها عمليّة اغتيال تعكس ضعف الاحتِلال، وهزيمته، وإحباطه، ومُحاولة فاشلة لتحويل الأنظار عن هذا الضّعف وهذه الهزائم، فاغتِيال عدد من قادة “حماس” بدءًا من مُؤسّسها الشّيخ أحمد ياسين، وانتِهاءً بالقادة الشّهداء عبد العزيز الرنتيسي وصلاح شحادة وأحمد الجعبري، ويحيى عياش لم يُؤدّ إلّا إلى ازدياد الحركة قُوّةً واتّساعًا وتسليحًا حديثًا، وأخيرًا الانتِصار الكبير وغير المسبوق، في السّابع من تشرين أوّل (أكتوبر) الماضي.
دولة الاحتِلال ستدفع ثمنًا باهظًا جدًّا بإقدامها على هذه الجريمة، سواءً في الأراضي المُحتلّة أو في ساحات المُقاومة الأُخرى، في جنوب لبنان أو البحر الأحمر أو على أرض العِراق العظيم، وربّما ستجد نفسها تغرق في حربٍ إقليميّةٍ مُوسّعةٍ وتُقاتل على عدّة جبهات استعدّت إلى هذا اليوم الموعود.
إدارة الرئيس بايدن التي دعمت، وتدعم، المجازر الإسرائيليّة في قطاع غزة، وبذلت جُهودًا كبيرةً لعدم توسيع حرب غزة، ونقلها إلى الجبهة اللبنانيّة على وجه الخُصوص، كافأتها دولة الاحتِلال على جُهودها هذه بالإقدام على هذه العمليّة الإجراميّة التي قد تكون المُفجّر للحرب الإقليميّة الكُبرى، فلن يُدمّر أمريكا إلّا دولة الاحتِلال وحُروبها ومجازرها.
لا نعرف كيف سيكون ردّ فِعل سماحة السيّد حسن نصر الله على هذا التحدّي الإسرائيلي الذي استهدفه شخصيًّا، وطال أحد القِيادات الفِلسطينيّة التي تحتمي بمظلّته وفي قلبِ عاصمته، فهل سيُوَسّع السيّد نصر الله دائرة الحرب التي تشنّها قوّاته حاليًّا على الجليل الأعلى، ويفتح ترساناته الصاروخيّة الباليستيّة الدّقيقة لضرب تل أبيب، وحيفا ويافا، ومنصّات استِخراج الغاز الفِلسطيني اللّبناني المسروق في البحر المتوسّط، أم يكتفي بضبْط النّفس؟
***
العُدوان الإسرائيلي الذي استهدف الشّهيد العاروري، وعدد من مُساعديه، بينهم لُبنانيّون، وعلى أرضٍ لُبنانيّة، جاء عُدوانًا على لبنان وسِيادته وكرامته، ولهذا يجب أن يقف كُلّ اللّبنانيين خلف أيّ رَدٍّ حازمٍ عليه من قِبَل قوّات حزب الله وبقيادة وضُوء أخضر من السيّد نصر الله، وليس هُناك ما يُمكن أن يخسره لبنان في ظِلّ الانهِيار والحِصار الأمريكي التّجويعي الحالي الذي دمّر دولته وأذلّ شعبه.
هذا عُدوانٌ لا نعتقد أنه سيمرّ ولا يُقابل بالرّد دُونَ أيّ تردّد، وربّما يكون الصّاعق لحربٍ قد تضع نقطة النّهاية للمشروع العُنصري الاستِيطاني الصّهيوني، فإذا كانت غزة الكبيرة في صُمودها وقتالها، الصّغيرة في مِساحتها، صمدت 3 أشهر ولقّنت العدوّ الإسرائيلي درسًا لن ينساه، فكيف سيكون الحال لو دخلت صواريخ حزب الله ومُسيّراته، ومئة ألف من مُقاتليه الأشدّاء الحرب ثأرًا لشُهداء محور المُقاومة في فِلسطين واليمن والعِراق والضّاحية؟
الأيّام المُقبلة قد تكون صعبة جدًّا وبداية النّهاية لدولة الاحتِلال، ورحم الله الشّهيد العاروري وكُل رفاقه الذين استشهدوا بصواريخ الغدر.. والرَّدُّ قادمٌ.. والأيّام بيننا.