شرت مجلة “بوليتيكو” تقريراً أعدّه كالدر ميتشغو قال فيه إن اليمين الأمريكي المتطرف استخدم الحرب في غزة ليسجّل نقاطاً ضد جامعات النخبة الأمريكية. وحصل على ما أراد باستقالة رئيسة جامعة هارفارد، وهي أول امرأة ملونة تتولى رئاسة الجامعة.
وتعرّضت كلودين غي، ومنذ شهر، لهجمات اليمين المتطرف، وملياردير داعم للجامعة، بسبب ردّها على سؤال أمام لجنة في الكونغرس بشأن الحرب في غزة ومعاداة السامية في الجامعة للضغط عليها كي تستقيل.
كما حاول اليمين فتح ملفات قديمة تتعلق بأبحاثها العلمية، والزعم أنها غير موثقة، وتحتوي على سرقات أدبية، وهو ما أشارت إليه غي في رسالة استقالتها.
ويرى الكثيرون أن اليمين الأمريكي المتطرف ظلّ يوجه سهام نقده لجامعات النخبة، أو “ايفي ليغ”، باعتبارها جامعات يعيش من فيها في أبراج عاجية.
وبحسب المجلة، فقد حصل اليمين، يوم الثلاثاء، على حقنة رضى، عندما هندس رحيل غي عن هارفارد، والتي تعتبر أهم جامعة مؤثرة في العالم. وجاءت استقالتها بعد شهر، عندما ردت على سؤال نائبة جمهورية بشأن إبادة اليهود، وإن كان يمثل خرقاً لقوانين الجامعة، فردت إنه يعتمد على السياق، ما فتح النار عليها، ومطالبات للاستقالة تأخرت بسبب دعم عمداء الكليات ومجلس إدارة الجامعة وطلابها.
ولكنها اضطرت للاستقالة بسبب حملة عليها في الكونغرس ومانحين مهمين للجامعة وإعلام ميال لليمين وناشطين. وقادت استقالتها إلى تعليقات من الكونغرس، فقد قال رئيس مجلس النواب مايك جونسون إن “استقالة كلودين غي جاءت متأخراً”، ما يعبر عن حالة الاحتقار الذي يكنّه الجمهوريون الشعبويون لهارفارد، وجامعات النخبة الأخرى.
وقالت النائبة الجمهورية عن نيويورك إليس ستيفانيك، التي قادت أسئلتها في جلسة المساءلة للحملة على غي، وعلى رئيسة جامعة بنسلفانيا ليز ماغيل، التي استقالت بعد أيام من الجلسة، ورئيسة معهد ماساشوسيتش للتكنولوجيا (ام أي تي)، التي لم يسمع منها شيء منذ ذلك الوقت.
وسارعت ستيفانيك بنسبة الفضل لنفسها، وأنها كانت وراء الاستقالة، حيث كتبت تغريدة، وبالخط العريض، على منصة إكس: “اثنتان سقطتا”.
وتقول المجلة إن المجال الإعلامي المحافظ هو الذي وجّه الضربة القاضية لغي، وليس النائبة ستيفانيك.
وفي البداية استطاعت غي تجنب مصير ماغيل، من خلال الحصول على دعم مؤسسة هارفارد ومجلسي الإدارة فيها. إلا أن الضغط المستمر، والذي ركّز على اتهامات بالسرقة الأدبية في أبحاثها العلمية، قاد إلى سقوطها أخيراً. وبدأ العد التنازلي للنهاية، في 10 كانون الأول/ديسمبر، عندما نشر الناشطان اليمينيان كريستوفر روفو وكريستوفر برونيت نشرة إخبارية في موقع “سابستاك” بعنوان: “هل سرقت كلودين غي أبحاثها؟”.
ويحتل روفو موقعاً مهماً في الحروب الثقافية، ويصف نفسه بعالم السياسات، والمقاتل السياسي، والصحافي، وعيّنه حاكم فلوريدا رون دي سانتيس عضواً في مجلس أمناء “نيو كوليج” بفلوريدا، وكجزء من جهود لمحو ما يطلق عليها “التوافق الأيديولوجي” في التعليم العالي.
ووصف النائب الديمقراطي عن ميريلاند حيمي رسكين روفو بأنه “دعائي يميني متطرف”، يقوم بـ “بحملة لتدمير التعليم العام في أمريكا”.
وأعدّ روفو الذي قضى معظم حياته يقاتل ضد التنوع والمساواة والشمولية، ويدعو لمنع الأساتذة الذين يناقشون المثليين في المدارس، مقالاً، أشفعه بأدلة من أطروحة غي التي لم يكن من السهل رفضها.
ثم تبعه أرون سياريوم، المراسل لموقع “واشنطن فري بيكون”، بمقال، في 11 كانون الأول/ديسمبر، تحدث فيه مع باحثين حول اتهامات السرقة، وقدّمَ أدلة جديدة، وظل يكتب، منذ ذلك الوقت، عن السرقة، وينشر مقالات جديدة.
وكان روفو صريحاً في شن الحملة التي قال إنه بدأها ضد غي من اليمين لينقلها إلى إعلام اليسار. وقال روفو إن الأمر اقتضى ثلاث هجمات لإجبار غي على الاستقالة، حيث قادت ستيفانيك من الكونغرس، والممول بيل أيكمان، الذي ظل ينشر تغريدات عن غي على منصة إكس، بشكل أشعل قلق المتبرعين للجامعة، إلى جانب جهود برونيت وسيباريوم. وقال روفو، في مقابلة، يوم الثلاثاء: “لقد نفذناها بطريقة محكمة”.
ومنذ توليها إدارة الجامعة، في تموز/يوليو، انتشرت التقارير حول السرقة الأدبية، وفي منشور لمجهول على الإنترنت، وضع في 10 حزيران/يونيو، جاء فيه: “سرقت كلودين غي عدداً من المصادر حرفياً تقريباً، في رسالتها، وحسب تقرير من 100 صفحة نشره مجلس المشرفين في هارفارد. وقال برونيت إن تاريخه مع غي يعود إلى نيسان/أبريل 2022، عندما كانت عميدة كلية الفنون والعلوم في هارفارد، ونشر نشرة إخبارية في سابستاك بعنوان: “الحالة المحيرة لكلودين غي”، حيث ربطها بعدة فضائح في هارفارد، وأماكن أخرى. لكن منشورات برونيت، وعدد آخر من المنشورات المجهولة، كانت حافلة بالسموم، وتحتوي على معلومات لم تترك أثراً خارج دوائر القراء للإعلام المحافظ.
لكن التقارير التي تحتوي على بحث ومعلومات قوية ونشرت في الإعلام المعروف، جعلت من الصعوبة تجاوز الاتهامات. وبحلول 20 كانون الأول/ديسمبر، بدأت الصحافة العامة بنشر الاتهامات ضد غي، وهو ما أثّر على الدعم داخل الجامعة لها.
لكن الناشطين السود وغيرهم رأوا أن العنصرية هي وراء الإطاحة بغي، ولأنها سوداء وامرأة.
وقالت في رسالة الاستقالة إنها “تعرضت لهجمات شخصية وتهديدات غذتها الكراهية العنصرية”. وقال الناشط في الحقوق المدنية الأمريكي أل شاربتون إن استقالتها “هجومٌ على عافية وقوة ومستقبل التنوع والمساواة والشمول”. فقد حاول المحافظون إلغاء كل البرامج التي تهدف الى دعم التنوع في الجامعات ومساعدة الطلاب الذين لا تمثيل لهم.
وكان قرار المحكمة العليا، في 2023، الذي طلب من الجامعات التوقف عن أخذ العرق بالاعتبار في قبول الطلاب بمثابة دافع للجهود الرامية لوقف التنوع.
واستهدف شاربتون، أحد نقاد غي، وإيكمان، الملياردير ومدير شركة محافظ وقائية، وأحد الخريجين من هارفارد، والذي طالب باستقالتها، واقترح أن تعيينها كرئيسة جاء بسبب لونها. وكتب إيكمان رسالة مفتوحة إلى هارفارد هاجم فيها فشل غي في شجب هجوم “حماس” على إسرائيل في بيانها الأول، واستخدم حسابه على منصة “إكس” لنشر النقد المستمر لغي.
وقال شاربتون: “استقالة الرئيسة غي ليس فقط عن حادث واحد”، بل “هجوم على كل امرأة سوداء في هذا البلد، وأحدثت شرخاً في السقف الزجاجي، وفوق كل هذا، فقد كان نتيجة للحملة المستمرة التي قادها بيل إيكمان ضد الرئيسة غي، ليس بسبب قيادتها، أو مؤهلاتها، ولكن لأنها عيّنت بناء على التنوع والمساواة والشمول”.
وتخطط حركة شاربتون “شبكة العمل الوطني” للتظاهر أمام مكتب إيكمان في نيويورك، يوم الخميس. وقال: “لو كان يعتقد أن السود الأمريكيين لا ينتمون إلى أجنحة رجال الأعمال أو أيفي ليغ أو أي رواق فارغ، فسنجعل أنفسنا وكأننا في البيت أمام مكتبه”.
ورد إيكمان على النقد بأن غي استقالت بسبب فقدانها الثقة من الجامعة ولعدم قدرتها على القيادة.
لكن فكرة التنوع والمساواة والشمول هي قضية تبناها الجمهوريون، وخاصة فيفك راماسوامي، وهو من أصول هندية، المرشح الطامح للفوز بترشيح الجمهوريين للرئاسة، حيث قال، في تغريدة على “إكس”: “هذه فكرة راديكالية للمستقبل، اختر القيادة بناء على الأهلية، وهذا نهج عظيم في الحقيقة”، ملمحاً أن اختيار غي كان بسبب لونها.
وانتقد مدير كلية مورس هاوس، ديفيد توماس، إيكمان، وأن رئاسة هارفارد لن تتعامل مع مرشح للرئاسة لا تتوفر فيه شروط التنوع والمساواة والشمول: “من حق إيكمان وغيره لفت النظر لقضايا معاداة السامية في جامعته التي درس فيها كطالب يهودي”، و”لكن تحويل المسألة إلى شرعية اختيار الرئيسة غي لأنها امرأة سوداء هو نشر للأقاويل التي نعرفها، أي: سوداء وامرأة تساوي غير مؤهلة، ويجب أن نفضح هذا”.