نشرت مجلة “بوليتيكو” تقريراً لناحال توسي قالت فيه إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشن حرباً في غزة، ويواجه ملاحقات قانونية، ويريد تأمين إرثه السياسي وإرضاء شركائه في الحكم. ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم مجبرون للعمل مع نتنياهو لاحتواء الحرب بين إسرائيل و”حماس”، لكن بعضهم بدأ بالتساؤل إن كان يسيطر على الحكم فعلاً.
فهو يحاول البقاء في الحكم تجنباً للسجن، وهما رغبتان جعلتاه ضعيفاً أمام مطالب العناصر الأكثر تطرفاً في حكومته المتطرفة. وبعدما ألغت المحكمة العليا مطالبه الإصلاحية يبدو الآن أكثر عرضة للمحاكمات القضائية.
ويعتبر كل من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن إيتمار بن غفير من المعادين للفلسطينيين، ويرفضان أي مقترح أمريكي، ولو انهار تحالف نتنياهو فإن مشاكله القانونية ستزداد. وقال مسؤول أمريكي: “لم يكن واضحاً أبداً من يسوق القطار”، و”كانت هناك أوقات أخبرنا فيها [نتنياهو] وبوضوح: يداي مقيّدتان، كما تعرفون، ولديّ هذا الائتلاف، وليس أنا، بل الائتلاف، ليس أنا، ولكن الضرورات السياسية التي أواجهها”.
وبالنسبة لمراقبي السياسة الإسرائيلية، بمن فيهم الكاتبة، من الصعب التعاطف مع نتنياهو، الذي قدّمَ الكثير من التنازلات لجماعات اليمين المتطرف التي ربط نفسه بها قبل الحرب. وقيدت محاولته الآن إرضاء سموتريتش وبن غفير على يمينه من قدرته على اتخاذ القرارات الصعبة في لحظة غير عادية من الخطر الذي واجه إسرائيل.
ووصف المفاوض الأمريكي السابق أرون ديفيد ميلر نتنياهو بالرجل الذي يعيش حالة يأس، وهذا هو الرجل الذي طالما قدم نفسه بأنه أفضل أمل لتأمين سلامة إسرائيل في منطقة صعبة. وهي ماركة انهارت بعد هجمات تشرين الأول/أكتوبر. وقال ميلر: “إنه مثال رهيب عن زعيم خلطَ ما بين نجاته السياسية بما يراه الأفضل لبلده. وهي توليفة رهيبة وتقود إلى صناعة قرار مرعب”.
ويعتبر نتنياهو من الزعماء الإسرائيليين الذين شغلوا منصب رئيس الوزراء لأطول فترة، وهو يحكم منذ 16 عاماً، وفرصه في مواصلة الحكم اليوم مرتبطة بطول أمد الحرب، كما يقول محللون ومسؤولون أمريكيون.
ورغم النقد الإسرائيلي لنتنياهو، بسبب الفشل الأمني في 7 تشرين الأول/أكتوبر، إلا أنهم قد يفضلون الاستقرار، وخاصة في هذه المرحلة من القتال. وما أنقذ نتنياهو هي الوحدة السياسية بعد الهجمات، وتجاوز الخلافات المرة بسبب الإصلاحات القضائية التي أعلنها وائتلافه. وفي الأحاديث الخاصة، فهناك البعض داخل إدارة بايدن يشعرون بالغضب من استمرار نتنياهو في الحكم ويشعرون أن حياته السياسة محدودة. ولم ينسوا عدم احترامه لباراك أوباما، وتقربه من خليفته دونالد ترامب، واستغلاله الخلافات الحزبية الأمريكية. إلا أن المسؤولين الأمريكيين لم يفقدوا الأمل بنتياهو وسط هذه الأزمة.
ويتصل المسؤولون في الإدارة، وبشكل منتظم، مع رئيس الوزراء وفريقه، إما بالهاتف أو عبر الفيديو. وزار وزير الخارجية أنطوني بلينكن إسرائيل خمسة مرات منذ هجوم “حماس”، إلى جانب 10 من كبار مسؤولي الإدارة، وبعضهم زارها عدة مرات. كما قام مشرعون برحلات مماثلة. وهناك عدد من المسؤولين الأمريكيين التقوا، أو حاولوا الاتصال مع نتنياهو، لدرجة أطلق مراقبون على عملية التواصل “جلسة بيبي”، في إشارة للقب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وفي سؤال للمتحدثة باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون حول علاقة بايدن ونتنياهو، ردّت أنهم لا يعلّقون على السياسة المحلية لبلد آخر، ولاحظت أن هناك علاقة طويلة بين الزعيمين.
ورفض مسؤول إسرائيلي فكرة ضعف نتنياهو، وقال إنه “نشط كما في أي وقت، ويقود الحرب بجهد ومهارة”، و”نقدر دعم الرئيس بايدن وصداقته لإسرائيل وزعيمها”. وبخلاف هذا التصريح، فقد أخبر مسؤولون التقت بهم الكاتبة أن نتنياهو متعب، وتأدب، وأجوف من الماضي، حيث كان يعرف بغطرسته وجاذبيته. ويبدو هذه الأيام حذراً، وعملياً أكثر من الذين حوله، بمن فيهم أعضاء حكومة الحرب، والتي لا تضم لا سموتريتش أو بن غفير.
إلا أن مسؤولين أمريكيين تحدثت إليهم الكاتبة قالوا إنه رفض بعض المطالب الأمريكية. فقد حثّته الولايات المتحدة على الإفراج عن أموال الضريبة للسلطة الوطنية التي تريد أن تلعب دوراً في مرحلة ما بعد الحرب، لكن سموتريتش رفض إرسالها، ويبدو نتنياهو غير مستعد لمواجهته.
ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن الضغوط من اليمين المتطرف واحدة من الأسباب التي تجعل نتنياهو متردداً بالسماح لدخول مزيد من الدعم الإنساني إلى غزة، و”هذا محبط للغاية”، حسب مسؤول أمريكي.
وابتعد نتنياهو عن موقف الحكومة الأمريكية المتعلق بمستقبل غزة ودور السلطة الوطنية، فيما ذهب سموتريتش وبن غفير أبعد بالمطالبة برحيل طوعي للفلسطينيين من غزة، وعودة احتلال القطاع، وبناء المستوطنات هناك.
ولم تحاول الولايات المتحدة بناء علاقات مع سموتريتش أو بن غفير خشية استخدام العلاقات لشرعنة سياساتهما المتطرفة. وعندما سئل المسؤولون عن حكمة تهميش الرجلين، كان الجواب بصحة الموقف لأنهما جامدان في مواقفهما وغير عمليين مثل نتنياهو. وقال مسؤول: “إن هذا الخلاف ليس تكتيكياً يقوم على المفاهيم، ولا حتى المصالح”، و”هما يفعلان هذا بناء على الأيديولوجية والحماسة، ولهذا لا أتفق مع الجدل أنه لو جلسنا معهما وتناولنا خمراً حلالاً يمكن أن نحصل على ما نريد من خلال اختلافنا”.
وقال مسؤول آخر: “هما متطرفان جداً”، و”بيبي، رغم ضعفه وإشكالياته الشخصية، ليس مجنوناً أيديولوجياً مثل هؤلاء الرجال”.
ولا يزال بايدن وفريقه يعولون على إمكانية التأثير على نتنياهو، ورفض فرض دعم مشروط على الدعم العسكري الأمريكي، لأنه بنظره يعتبره قنبلة تدمّر العلاقة الوثيقة له مع البلد.
ولا تزال واشنطن الحاجز القوي لإسرائيل في الأمم المتحدة. ويرى النقاد أن هذه أوراق نفوذ على أمريكا استخدامها، ولن تقود إسرائيل بإعادة النظر في مصالحها الأمنية. لكن ما يؤثر على موقف أمريكا من الحرب موافقتها على فكرة تدمير “حماس”. ولهذا السبب لم تدعُ الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار مبكر، وبدلاً من ذلك تريد الإدارة أن تغيّر إسرائيل طريقة إدارة الحرب.