تحولت رفح إثر سياسة إسرائيل في تهجير سكان قطاع غزّة إلى المأوى والملجأ الأكبر في العالم، سكانها محاصرون ومهددون بالبرد والمجاعة في ظل عرقلة إسرائيل لدخول شاحنات المساعدات الإنسانيّة.
زجاجتا مياه معدنية وعُلبة بازلاء، هذه عينة من المساعدات الغذائية التي توزَّع في مراكز الإيواء لعائلة مكوّنة من 7 أفراد، 3 مرات أسبوعياً، وفق آلية ومواعيد للنازحين المسجّلين في مراكز الإيواء، تحت مسمى “نازح داخلي”، يعني مقيم في المركز.
“النازح الخارجي” يشير إلى من لا يقيم في مركز الإيواء نظراً الى عدم القدرة على استيعاب أعداد النازحين المتزايدة. ومنذ نحو شهرين، لم يتم تسجيل نازحين جدد في مراكز الإيواء، بينما هناك عشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف، غير مسجلين ويقيمون في بيوت أو في خيم النايلون في رفح، بعدما أصبحت المأوى والملجأ الأكبر في العالم.
أجبر الجيش الإسرائيلي سكان خان يونس والمحافظة الوسطى ومخيمات البريج والنصيرات والمغازي ودير البلح، على النزوح الى رفح، التي أصبح عدد النازحين فيها نحو مليون نسمة، محرومين من الحد الأدنى من مقومات الحياة الإنسانية. وحسب المصادر الفلسطينية التي تحدثت مع “درج”، فإن عدد الشاحنات التي سُمح بإدخالها منذ بداية الحرب وصل الى نحو 4900 شاحنة.
تشير الإحصاءات إلى أن عدد شاحنات المساعدات التي كانت تدخل قطاع غزة قبل الحرب، كان نحو 500 يومياً، لكن منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أحكمت إسرائيل الحصار على القطاع، ومنعت دخول الشاحنات. وعلى رغم ترحيبها بالمقترح القبرصي، بمد جسر بحريّ بين قبرص وغزة (370 كم المسافة بين الاثنين)، لكن المشكلة ما زالت ذاتها، وهي تتمثل بعمليات التفتيش التي تأخذ وقتاً طويلاً، وعرقلة دخول الشاحنات إلى القطاع بتواتر قادر على تلبية احتياجات القطاع.
ما زال مسؤولون إسرائيليون كثر يطالبون بوقف المساعدات المحدودة التي يتم إدخالها، وهي سياسة تجويع لدفع السكان الىى الضغط على “حماس” للاستجابة للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وهي سياسة تضليلية معلنة وغير معلنة، جزء منها للقول إن إسرائيل ملتزمة بالمطالب الدولية بإدخال المساعدات، بل عممت إسرائيل على سفاراتها في أنحاء العالم، مع اقتراب موعد جلسة محكمة العدل الدوليّة، ضرورة التأكيد أنها “تزيد كمية المساعدات الإنسانيّة التي تدخل القطاع”.
في الواقع ،”زيادة المساعدات” كذبة تمارسها إسرائيل بالتواطؤ مع الولايات المتحدة الأميركية، وكما جاء على لسان وزير خارجيتها أنطوني بلينكن، الذي قال “سنعمل على إدخال المساعدات لغزة وزيادتها، وإثارة ذلك مع إسرائيل”، لكنه ليس مع وقف إطلاق النار والإبادة، بل يطالب إسرائيل بالانتقال الى المرحلة الثالثة، وهي تعني استمرار حرب الإبادة لكن بشكل مختلف، بل حسب تعبير وزير الدفاع بدقة: “سنستمر بتطوير طرق أكثر إبداعاً وحذقاً للقتال… لقتل الإرهابيين وتدمير البنية التحتيّة وتقنيات الحرب فوق الأرض وتحتها”.
أساليب المماطلة والتجويع
يتّبع الجيش الإسرائيلي تقنيات متعددة للمماطلة في إدخال شاحنات المساعدات التي تقف في طوابير عند معبر رفح، والتي يستلمها الهلال الأحمر الفلسطيني حين يُسمح بمرورها، ثم يتم إدخالها لفحصها أمنياً من الجيش الإسرائيلي في معبر كرم أبو سالم التجاري، وبعد الانتهاء من فحصها يعاد تسليمها من معبر العوجا (40 كيلومتراً عن معبر رفح ) إلى معبر رفح البري.
تدخل حينها المساعدات من معبر رفح (مرة أخرى) ويستلمها الهلال الأحمر الفلسطيني الموجود في معبر رفح، ويقوم باستلام الشاحنات الخاصة بـالـ “أونروا”، وكذلك الشاحنات القادمة من الهلال الأحمر المصري، ومن دول عربية عدة.
ومن ضمن الجهات التي تتسلّم مساعدات، وزارة التنمية الاجتماعية التابعة للسلطة الفلسطيني، التي تأخذ نحو 40 شاحنة بشكل غير يومي، يتم توزيعها بناء على النظام القائم سابقاً، وكذلك تصل الى جمعيات لها علاقة بالوزارة بالتعاون مع وزارة غزة، علماً أن عدد الشاحنات التي تدخل يبلغ نحو 70 شاحنة يومياً.
أما المساعدات التي تبرعت بها منظمات ومؤسسات من دول أجنبية، فيتم إدخالها مباشرة من معبر كرم أبو سالم التجاري، ولا تزيد عن 40 شاحنة بشكل غير يومي.
أما الوقود، والتي تقدّر بنحو 150 ألف ليتر، فيتم إدخالها واستلامها من الهلال الأحمر الفلسطيني، وتسليمها لـ “أونروا”. ومنذ نحو أسبوعين، توقف إدخال الوقود، علماً أن هناك وقود مخزن يبلغ نحو مليون لتر في (المسوف). ووفق المصادر، توقّف إدخال الوقود في مقابل إدخال غاز الطهي.
بالنسبة الى إدخال السلع والبضائع، فقد سُمح للتجار من غزة باستيراد كميات محدودة منها من مصر مباشرة، ويتم استلامها من الهلال الأحمر وتوزيعها من ثم للتجار المستوردين. وتشرف وزارة الاقتصاد على إدخالها وآلية توزيعها وتحديد الأسعار، مثل الطحين والأرز والملح والخميرة، والفواكه والبيض والشيبس. وهذه السلع تدخل الى غزة مباشرة من معبر رفح البري.