يوم مشهود لمحاكمة القتلة.. الحجز على أموال إسرائيل في البنوك العالمية.. دائرة جنائية لنظر الدعوى الموضوعية

وصف مثقفون وخبراء القانون الدولي يوم محاكمة إسرائيل اليوم في محكمة العدل الدولية بأنه يوم مشهود، ووجهوا شكرا يليق بقامة جنوب إفريقيا الدولة الضمير.
في البداية يوجه الباحث في القانون الدولي المستشار حسن أحمد عمر الشكر لحكومة جنوب إفريقيا على تحركها لوقف ولمنع الاستمرار فى جريمة الإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم ضد الشعب الفلسطينى الواقع تحت الاحتلال الاستعمارى الإسرائيلى الأجنبى العنصرى، أمام محكمة العدل الدولية، بصفتها المحكمة صاحبة الولاية القضائية عملا بحكم المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، تلكم الاتفاقية التى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 260 ألف (د- 3) فى 9 ديسمبر 1948 والنافذة منذ 12 يناير 1951، مشيرا إلى أنه كانت وراء إبرام هذه الاتفاقية إسرائيل بزعم منع ارتكاب جرائم إبادة كتلك التى تعرض لها 6 ملايين يهودى ألمانى فى ألمانيا على يد هتلر إبان الحرب العالمية الثانية – وهى جريمة لم يشاهدها البشر إلا من خلال الافلام السينمائية.
وأضاف أن من مفارقات القدر أن جريمة الإبادة الجماعية التى ارتكبتها إسرائيل ومازالت ترتكبها يشاهدها وشاهد عليها ما لا يقل عن 7 مليارات من البشر عبر شاشات الموبايل وأجهزة التلفاز والصور المنشورة فى الجرائد والمجلات، من مفارقات القدر أن إسرائيل ترتكب هذه الجريمة بالرغم من أنها كانت تقول إن الشعب اليهودى فى ألمانيا كان ضحية جريمة الإبادة الجماعية التى ارتكبها هتلر.
وقال إن من مفارقة القدر أيضا أن اليهود قبل جريمة هتلر شاركوا فى جريمة الإبادة الجماعية التى ارتكبها العثمانيون، إبان الامبراطورية العثمانية، ضد الأرمن، حيث أورد هيرتزل فى كتابه، أن اليهود قدموا دعما للسلطان العثمانى، بمنع الصحف الأوروبية من نشر فضائح هذه الجريمة مقابل منحهم امتيازات فى فلسطين، لافتا إلى أن اليوم إسرائيل ترتكب أبشع جريمة عرفتها البشرية منذ نشأتها، جريمة إبادة الشعب الفلسطينى جهارا نهارا بقتل الاطفال الرضع والخدج والنساء والشيوخ والأطباء ورجال الإسعاف والصحفيين، وهدمت الأعيان من المبانى والمستشفيات والمساجد والكنائس والمخابز والمدارس والجامعات، ومحطات توليد الكهرباء، ومحطات المياه بل وابراج نقل المياه، ومحطات الصرف الصحى، والبنية الاساسية.

وأثنى على ما فعلته حكومة جنوب إفريقيا وقتما لجأت إلى المادة 41 من النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية، والمتعلقة بطلب اتخاذ تدابير وقتية لحين الفصل فى القضية، وذلك لمنع تفاقم الجريمة، ولمنع المزيد من الجرائم التى ستلحق خسائر فى حال عدم وقفها لا يمكن تداركهاحيث طلبت وقف العدوان بجميع صوره واشكاله.
وقدم المستشار عددا من المقترحات التى قد يكون من الأهمية بمكان أن تضيفها حكومة جنوب إفريقيا إلى مذكراتها ومرافعاتها فى تلكم القضية الإنسانية المهمة، منها:
ـ المطلب الأول مطلب توقيع الحجز التحفظى على أموال إسرائيل فى البنوك العالمية، لضمان تجنيب مبلغ وقدره 5 مليارات دولار، والتى سيتم المطالبة بها فى الدعوى الموضوعية، والتى ستخصص لإعادة بناء وإعمار الأعيان التى هدمها الجيش الإسرائيلى فى فلسطين، ولصرف تعويضات لأهالى الشهداء، وللمصابين، وهو مطلب شرعى، إذ كيف تقوم الولايات المتحدة بحجز أموال الاتحاد الروسى، لضمان استخدامها فى صرف التعويضات وإعادة تعمير أوكرانيا، ولا يتم ذلك بصدد جريمة إسرائيل.
ـ المطلب الثانى مطلب يقدم للمحكمة لتشكيل دائرة جنائية تتولى نظر الدعوى الموضوعية، على ألا يكون من ضمن قضاتها أى إسرائيلى، بحسبان ان الأمر يتعلق بجريمة جنائية، وليس بنزاع على مصالح سياسية أو اقتصادية أو غيرها، فتلكم المنازعات المتعلقة بالمصالح سمح النظام الأساسى للمحكمة، ولائحتها، بأن يكون من ضمن تشكيل المحكمة قاضيان يحمل كل منهما جنسية دولتى النزاع. وان يتضمن القرار تعيين نائب عام لهذه القضية.
ـ المطلب الثالث: مطلب تفويت الفرصة على الخدعة الاسرائيلية التى من المتوقع أن تقدمها إسرائيل فى جلسة 12 يناير / كانون ثان 2024 والمتعلقة بأن حكومة إسرائيل باشرت التحقيق فى هذه القضية وكلفت مراقب عام الدولة بتولى تحقيقها حتى فى أثناء سير المعارك – الصحيح سير ارتكاب الجريمة – ومن ثم تطلب من المحكمة وقف نظر الدعوى،! وهو دفع تدليسى لا محل له فى محكمة العدل الدولية, الدائرة الجنائية لأن مثل هذا الدفع من الممكن ان يكون له مكانته أمام المحكمة الجنائية الدولية، باعتبارها ووفقا لنظام روما الأساسى محكمة مكملة، وليست محكمة أصيلة، فى حين أن محكمة العدل الدولية، تعد فى اختصاصها فى نظر جريمة الإبادة الجماعية هى محكمة أصيلة وليست مكملة، ومن ثم يتم تفويت الخدعة التدليسية، ودون شك ما كانت لتنطلى هذه الخدعة التدليسية على قضاة محكمة العدل الدولية.
واختتم قائلا: “لقد تحركت جنوب إفريقيا، كونها عانت مثلما يعانى الشعب الفلسطينى اليوم جريمة الإبادة الجماعية، والفصل العنصرى، والاستعمار الأجنبى.
ومثلما تم بالأمس تحرير جنوب إفريقيا من الاستعمار الاجنبى العنصرى، فان تحرير فلسطين قادم لا محالة، وعندها على اليهود أن يختاروا بين العودة إلى أوطانهم الأصلية عملا بحكم الفقرة الأخيرة من وعد بلفور، أو العيش فى فلسطين والحصول على الجنسية الفلسطينية اتفاقا وحكم المادة السابعة من صك الانتداب البريطانى على فلسطين.”.
من جهته وصف الأديب محمد سلماوي اليوم بأنه يوم تاريخى سيسجله تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى بحروف من نور لمصلحة دولة جنوب إفريقيا، مشيرا إلى أن اليوم هو يوم محاكمة إسرائيل أمام العالم، حيث تقف فى قفص الاتهام بمحكمة العدل الدولية فى لاهاى لتواجه عريضة اتهام مكونة من ٨٤ صفحة لم توجه لأى دولة من قبل، وتكاد تضم جميع جرائم الحرب التى حظرها القانون الدولى، وفى مقدمتها جريمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى، والدعوى تتكون من شقين، الأول هو الشق المستعجل الذى يطالب بالوقف الفورى للحرب، والذى ترد عليه إسرائيل بأن ما يحدث فى غزة ليس حربا وإنما هى اشتباكات لا يمكن وقفها بقرار، وذلك رغم أن التاريخ يؤكد أن حرب إسرائيل على العرب فى فلسطين والعمليات المستمرة لإبادتهم تجرى بشكل ممنهج منذ ثلاثة أرباع القرن.
وأضاف أن الشق الثانى يتضمن قائمة هائلة من الاتهامات الوحشية التى وثقتها مجموعة من الخبراء الدوليين وتتضمن حقائق واتهامات مروعة تم الاعتماد فى رصدها على تقارير الهيئات الدولية وليس على البيانات الفلسطينية، ومن بينها إبادة عائلات متعددة الأجيال بأكملها، وقتل الفلسطينيين بواقع فلسطينى كل أربع دقائق، واتهامات بالإخلاء القسرى لمناطق سكنية بكاملها، واستهداف سكانها فى المناطق التى طلبت منهم إسرائيل اللجوء إليها، والحرمان المتعمد من الغذاء والماء والدواء، والحيلولة دون وصول المعونات الخارجية، واستهداف المستشفيات ودور العبادة والمدارس.
وقال إن من المعروف أن محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة هى أعلى هيئة قضائية فى العالم، وأن قراراتها ملزمة، وقد أعلنت المحكمة أن جلساتها التى بدأت اليوم ستكون علنية بما يسمح بمتابعة الرأى العام فى جميع أنحاء العالم لهذه الدعوى غير المسبوقة والتى انضم فيها إلى جنوب إفريقيا عدد من الدول من بينها تركيا والإمارات وقطر وعُمان ومنظمة المؤتمر الإسلامى التى تضم ١٥٢ دولة من آسيا وإفريقيا، مشيرا إلى أن أحكام المحكمة قد تتعدى إسرائيل لتشمل داعميها أيضا، وذلك وفق المادة (٣) من الاتفاقية الخاصة بالإبادة الجماعية والتى تجرم التواطؤ فى تلك الجرائم.
واختتم متسائلا: فهل ينسحب هذا على الدول التى دعمت إسرائيل فى الحرب وأمدتها بالسلاح الذى ارتكبت به جرائمها مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى؟
في ذات السياق يقول الشاعر فاروق جويدة إنه لم يكن غريبا أن تكون أول دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية مقدمة من دولة جنوب إفريقيا، بلد المناضل العظيم نيلسون مانديلا، فى موقف تاريخى يطالب بإدانة إسرائيل بإبادة الشعب الفلسطينى فى غزة، وأن ما قامت به إسرائيل حرب إبادة .
وأضاف أن موقف جنوب إفريقيا يذكرنا بالتاريخ الحافل لزعيم إفريقيا نيلسون مانديلا الذى قضى فى السجن 27 عاما مدافعا عن الحرية وكرامة الإنسان.
وتابع: “لقد فاجأت جنوب إفريقيا العالم وهى تقدم لمحكمة العدل الدولية وثيقة تاريخية تكشف فيها كل الانتهاكات التى مارستها إسرائيل ضد سكان غزة من المدنيين الأطفال والنساء وحرمانهم من الماء والطعام والدواء وتدمير المستشفيات والمدارس والبيوت والقتل العشوائى وتهجير المواطنين من بيوتهم واستخدام أسلحة محرمة دوليا”.
واختتم قائلا: “إن وثيقة الإدانة التى قدمتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل صفحة من أسوأ الصفحات فى تاريخ الدولة الصهيونية .. ولم تنس الوثيقة أن تشير إلى الدعم الأمريكى لإسرائيل فى جرائمها ضد الإنسانية وهى تمارس حرب الإبادة ، متجاهلة كل القوانين الدولية التى تحرم انتهاك آدمية البشر.. إن موقف جنوب إفريقيا وقد عانت كثيرا التفرقة العنصرية ، وقدمت للعالم زعيما من أبطال الحرية تضيف إلى تاريخها فى الدفاع عن حرية وكرامة البشر صفحات مضيئة.. إن الدعوى التى قدمتها جنوب إفريقيا لمحكمة العدل الدولية أكبر إدانة للكيان الصهيونى الذى أدمن القتل وانتهاك إنسانية البشر .. سبعة ملفات قدمتها جنوب إفريقيا كل سطر فيها إدانة تاريخية .. كان مانديلا من أكثر زعماء العالم تأييدا للقضية الفلسطينية ووقف مع ياسر عرفات فى مناسبات كثيرة ، ولم يكن غريبا أن يحمل وطنه، رغم رحيله، أشهر دعوى قضائية لإدانة إسرائيل أمام العالم”.