هل هناك طريق آخر؟
لا عاقل ولا مجنون يقبل بما استمر حدوثه بعد اليوم الثاني أبداً، بل لا عدو ولا صديق يمكنه حتى في أسوأ غياب للضمير قبول هذا الغزو على 2.3 مليون من البشر.
إذاً، ومهما كانت جنسية أي مبادرة تهدف لوقف العدوان، فإنها لن تبعد عن هدف وقف العدوان، ولا نقول وقف إطلاق النار إلا كاصطلاح شكلاني دولي، لأن جوهر هذه الحرب الجبانة، هو كما نرى: قتل الناس وتخريب ممتلكاتهم الخاصة والعامة. وما أصعب قتل البشر!
وقف إطلاق النار مؤقتاً ليصير دائماً، فثمة مرونة لدى الفصائل المسلحة في غزة في تبادل الأسرى الذين لا خطر عليهم إلا من تفجيرات قوات الاحتلال ليس إلا.
تلك أمور من السهل التعامل معها وتنفيذها إن صفت النوايا، في ظل الاقتناع السياسي بضرورة عودة الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين إلى بيوتهم.
أما الأولوية اليوم، فهي الإغاثة السريعة لعدد كبير من أهل قطاع غزة، في ظل تنظيم الإغاثة وديمومتها لفترات طويلة، حيث لا بد من إنشاء معسكرات إيواء، وصنع وجبات غذاء على مدار اليوم، لتوزيعها على النازحين والباقين، أي على معظم أهل القطاع، وهذا يعني حوالى 5 مليون وجبة يومياً. لكن في ظل عودة جزء كبير من السكان لبيوتهم، فيمكن أن تتولى الأسر صنع الطعام في ظل تزويدها بالطعام بشكل منتظم أسبوعياً أو شهرياً. لكن ثمة مشكلة تتعلق بالطاقة، لأجل تحضير الطعام، ما يعني ضرورة تزويد السكان بالطعام الجاهز.
يرتبط بالطعام التزود بالماء الصالح للشرب، وتزويد المرضى بالأدوية اللازمة، كمرضى السكر والضغط، ويمكن هنا البحث عن حاجات هؤلاء المرضى. أما جرحى الحرب، خصوصاً من هم في ظروف صعبة، فلا بد من نقلهم إلى مستشفيات مصر والأردن من خلال طائرات من أجل سرعة الإنقاذ، لأن التنقل البريّ لساعات طويلة ليس سهلاً.
تضاعف عدد سكان رفح أربع مرات، ترى ماذا يعني ذلك؟ أما خان يونس فالحرب مسعورة عليها، فإلى متى يستمر هذا الجنون؟
على الأمم المتحدة الآن، خاصة “الأونروا”، التي تتبع الأمين العام، أن تقود الجهود الدولية من أجل تنظيم عمليات الإغاثة، من خلال رفع علم الأمم المتحدة على معسكرات تتبع جيوش دول، لأن زلازل غزة تحتاج جهود الجيوش لا المدنيين فقط، بسبب قدرات الجيوش في عمل جهود الإغاثة والإيواء، باتجاه تزويد الغزيين بخيام قوية تقيهم البرد والحر، وأن تكون مزودة بالخدمات الأساسية. ويمكن بعد الانتهاء من وظيفتها إيداعها في إحدى الدول، لتكون جاهزة في ظل أي كارثة طبيعية أو غيرها، يمكن أن تصيب شعباً من شعوب المعمورة.
إن إعمار غزة يبدأ أولاً من إصلاح أو إعادة تأسيس البنية التحتية، من كهرباء وماء وصرف صحيّ، لأن أي ترميم أو بناء جديد، لن يكون عملياً ما لم يتم ربطه بالبنية التحتية اللازمة.
وحتى يتم الإعداد وتقاسم العمل، لا بد من إحصاء مقبول لحجم الدمار المتعلق بالبيوت والبنية التحتية، ليتم الاتفاق بين الدول والمؤسسات المغيثة على كيفية توزيع العمل.
ولعل الدول الشقيقة العربية والإسلامية تكون في مقدمة أعمال الإغاثة، والتي سيسهل تمويلها من الحكومات والشعوب، فلن تتأخر الشعوب العربية والإسلامية عن التبرع لغزة.
إن الإعداد لإعادة بناء غزة يحتاج آليات ملائمة، وهذا يعني ضرورة تجهيز ميناء غزة، لأن نقلها سيكون من خلال السفن، بحيث يتم حساب حاجة قطاع غزة من الآليات، خصوصاً ما لها علاقة بالأبنية العالية، ذات الطوابق، ويستطيع المهندسون تقديرها، حسب التدمير الحاصل في كل منطقة.
ليس أمام العالم، إلا إغاثة ملهوفي غزة، وسيكون التعاون الدولي مفتاح الإنجاز المتوقع، في تزويد القطاع بجسر من مواد البناء.
في ظل جهود الإغاثة والبناء، يمكن فعلاً الحديث عن تسوية سياسية، وهذا يمكن إذا صفت النوايا، والظن أن ذلك بات ضرورة للجميع، لأن غياب ذلك سيعيدنا إلى المربع الذي نريد جميعاً مغادرته.
ثم الحديث السياسي.. نعم فليس مجال لتجنبه، لأن الحل دوماً هو الحل السياسي، لأن الحسم العسكري مهما كان نوعه لن يكون دائماً، وتتبع نزاعات العالم وصراعاته يؤكد ذلك. وعلى إسرائيل أن تحسم أمرها أخيراً في كيفية رؤيتها لكيانها، الذي في ظل الظلم سيظل كياناً مرفوضاً، ولن يستقر فعلاً، وسيعاني من القلق والخوف طويلاً.
ليس المهم الشخوص اليوم، فلا أحد خالد في مكان أو زمان، المهم الشعوب، هم البشر، والأرض التي تجود بخيراتها والبحر والسماء.
إن إنهاء حالة الاحتلال غير الشرعي ستكون بداية الحل الدائم والعادل الذي ينشده شعبنا، بل هو الضمانة الكبرى للأمن في هذه البلاد ومن حولها.
ومن غير المعقول عدم اقتناع إسرائيل بإنهاء الاحتلال، والتي إن تمتلك شجاعة الحكمة، فإنها ستجد طرقاً عملية وإستراتيجية لحلول عادلة وإنسانية تضمن حقوق وكرامة الجميع.
لقد عانى الفلسطينيون طويلاً، لا الـ 56 عاماً من عمر احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، بل كل السنوات بعد العام 1948، والتي كان من نتائجها وجود اللاجئين المبعدين عن ديارهم، والذين تم غزوهم في فلسطين وخارجها بمبررات واهية؛ فقد تم تدمير أجزاء كثيرة من مخيمات اللجوء، بل وحتى هذه اللحظة، يتم اقتحام مخيمات الضفة الغربية، أما اللاجئون في غزة، فكانت حرب 2023 حرب قتل وتدمير وتشتيت ولجوء جديد صعب أليم.
استيطان يعقد الحلول، وسرقة مياهنا وبيعنا إياها، وحرماننا منها كما في غزة، وتهويد للقدس التي دوماً تقود استفزازات الإسرائيليين للكثير من الهبّات والانتفاضات والحروب. أليس تلك هي قضايا الحل النهائي، تضاف إليها مسألة الحدود.
نطالب اليوم بأفواه مفتوحة وقلوب متألمة وعقول راشدة بالبدء بالتفكير بالحل العادل للقضية الفلسطينية، لأن خارج العدل والعدالة، لن يكون هناك لا استقرار ولا حياة آمنة.
إن التأكيد على الوحدة الوطنية، وتشكيل حكومة مناسبة للحال، تحظى بدعم شعبي وفصائلي، وتعميق العلاقة الإستراتيجية مع الأشقاء العرب، والأصدقاء، ستكون من روافع الضغط على حكومات إسرائيل للاستماع لصوت الحق والضمير.
وقف القتل والتدمير لتوسيع دائرة الإغاثة، ثم الحديث السياسي.. ليس هناك من طريق آخر، لذلك فإن المجال مفتوح للتعاون العربي والدولي لتضميد الجراح، لخلق ذاكرة جديدة للأجيال القادمة، إلا يفعل العالم ذلك، فلا نجاة لأحد من لعنة المظلومين. ولن يكون الخراب مقتصراً على فئة دون أخرى؛ فالسلام يأتي بالسلام، والحرب عواقبها وخيمة، لا تستثني أحداً، أكان قريباً أو بعيداً.
ما رأيك؟
رائع0
لم يعجبني0
اعجبني0
غير راضي0
غير جيد0
لم افهم0
لا اهتم0