نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمراسلتها في جنوب آسيا، كاريشما ميهروترا، قالت فيه إن إسرائيل تتطلع إلى معالجة النقص الكبير في العمالة، والذي تفاقم فجأة بسبب حرب غزة، من خلال تشغيل عشرات الآلاف من الهنود في وقت يمنع فيه الفلسطينيون، الذين لعبوا لفترة طويلة دورا حاسما في البناء الإسرائيلي والقطاعات الأخرى، من الدخول.
وأضافت الصحيفة أن إسرائيل كانت تجري بالفعل مناقشات مع الهند بشأن التوظيف قبل هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والانتقام الإسرائيلي المدمر في غزة، وقد وجهت القيود الصارمة الجديدة المفروضة على العمال الفلسطينيين ضربة للاقتصاد، حيث عاد العديد من العمال الأجانب، ومنهم آلاف التايلانديين، إلى بلادهم بسبب الحرب.
وتقول إسرائيل إنها تأمل في رؤية ما بين 10 آلاف إلى 20 ألف عامل مهاجر هندي في الأشهر المقبلة. وسيكون ذلك مساويا للعدد الإجمالي للعمال الأجانب، الذين دخلوا البلاد من خلال اتفاقيات ثنائية في عام 2021، وفقا للمركز الإسرائيلي للهجرة الدولية والتكامل.
وقال شاي بوزنر، نائب المدير العام لجمعية بناة إسرائيل: “ستكون الهند واحدة من أكبر الموردين لعمال البناء في إسرائيل في السنوات المقبلة، إن لم تكن أكبرهم”، مضيفا أن حوالي 5 آلاف عامل في نيودلهي وتشيناي قد تم تأمينهم.
وقال بوزنر إن جمعيته لجأت إلى الهند “بسبب قرار منع العمال الفلسطينيين من القدوم إلى إسرائيل منذ بداية الحرب”. وكان حوالي ثلث العمال في قطاع البناء الإسرائيلي من الفلسطينيين، ولكن تم إلغاء تصاريح العمل لأولئك من غزة والضفة الغربية المحتلة بعد اندلاع القتال.
وفي كانون الأول/ ديسمبر، أخبر راؤول سروغو، رئيس جمعية بناة إسرائيل، الكنيست، أن إنتاج الصناعة يبلغ 30%. وقال: “بالنسبة لنا، يمكنك جلب العمال من القمر”.
ويعكس تحول إسرائيل نحو العمال الهنود جزئيا تحسن العلاقات مع الهند في السنوات الأخيرة. وقد تبنى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي العلاقة مع إسرائيل بشكل مفتوح.
وحتى قبل حرب غزة، وقعت تل أبيب ونيودلهي اتفاقا في شهر أيار/ مايو يقضي بإرسال 42 ألف عامل بناء وتمريض هندي إلى إسرائيل، وفقا لتعليقات وزير الخارجية الإسرائيلي السابق إيلي كوهين في البرلمان الإسرائيلي.
تظهر إعلانات التوظيف في جميع أنحاء الهند رواتب تتراوح بين 1,400 دولار إلى 1,700 دولار شهريا. ويقيم الآن ما يقرب من 17 ألف عامل هندي في إسرائيل، معظمهم يعملون في مجال التمريض، وفقا لوسائل الإعلام الهندية المحلية والمسؤولين الإسرائيليين.
وفي حين قلل المسؤولون الهنود من أي صلة بالحرب، إلا أنهم قالوا أيضا إن التوظيف يتسارع الآن. وقال مسؤول حكومي هندي مشارك في العملية، ولم يكن مخولا بالتحدث رسميا: “هذه مجرد البداية. الهدف هو أن ذلك يجب أن يكون أوسع بكثير”.
وينفي المسؤولون الحكوميون الإسرائيليون أن تكون هذه الخطوة تهدف صراحة إلى استبدال العمال الفلسطينيين، لكنهم يعترفون بوجود ضغوط جديدة. وقال مسؤول حكومي إسرائيلي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية المفاوضات الجارية: “الوضع الحالي له مطالبه. بالطبع، هناك الآن شعور بمزيد من الإلحاح”.
قبل الحرب، كان عدد الفلسطينيين الذين يعملون في إسرائيل والمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة “أعلى مستوى على الإطلاق” بلغ 193 ألف فلسطيني، بعد قفزة بمقدار الثلث في عام 2022، وفقا لمنظمة العمل الدولية. وكان خمس القوى العاملة في الضفة الغربية يعمل في إسرائيل.
لكن هذه الأرقام انخفضت بعد اندلاع أعمال العنف. وقال جدعون ساعر، النائب المعارض الذي يخدم في حكومة الطوارئ، لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”: “إن السماح للعمال من أراضي شعب عدو بالدخول إلى إسرائيل خلال الحرب هو خطأ فادح سيكلف دماء”. وقال وزير الاقتصاد نير بركات لصحيفة “جيروزاليم بوست” إن هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر كشف عن “مخاطر” توظيف الفلسطينيين وذكر خطته لاستبدالهم بعمال أجانب.
وقالت الصحيفة إن عودة العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل باتت متشابكة مع سياسات الحرب ضد غزة. بالإضافة إلى شركات البناء والمستشفيات، يضغط الكثيرون في المؤسسة الأمنية من أجل إعادة تفعيل تصاريح العمل بأعداد كبيرة. ويخشى هؤلاء أن يساهم نقص الأجور في إثارة اليأس والغضب في الضفة الغربية، حيث تصاعد العنف بالفعل خلال حرب غزة.
لكن التقارير التي تفيد بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان على استعداد لإطلاق برنامج تجريبي يسمح لبعض الفلسطينيين الذين تم فحصهم بالعودة إلى وظائفهم، واجهت معارضة شديدة من النواب اليمينيين. وأدان أكثر من عشرة أعضاء من حزبه، الليكود، الخطة في رسالة عامة يوم الأربعاء.
في الهند، يقول أميت كومار، مسؤول التوظيف في بلدة صغيرة في ولاية أوتار براديش والذي يعمل مع وكالة كبيرة للقوى العاملة في نيودلهي تسمى خدمات التوظيف الديناميكية، للعمال المهتمين، أن المسلمين لا يمكنهم التقدم للوظيفة. وقال في مقابلة: “إنهم لا يريدون عمالا مسلمين”. وفي العديد من مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب التي تشرح العملية وتدعو لتقديم الطلبات، يقول للمشاهدين: “يجب أن يكون اسمك هندوسيا”، و”فقط الإخوة الهندوس يمكنهم التقدم”.
وقال المسؤولون الحكوميون الذين يشرفون على وكالات التوظيف والقوى العاملة الهندية – بما في ذلك في ولايتي هاريانا وأوتار براديش وفي مدينة حيدر أباد – إنه لا توجد قيود على العمال المسلمين.
وانتقدت النقابات والناشطون الهنود حملة التوظيف، زاعمين أن ظروف العمل خطيرة. وقال رامهر بيفاني، الأمين العام لنقابة عمال البناء في هاريانا: “نحن ضد أن يرسل العمال إلى فم الموت. إنهم يغرون العمال برواتب سخية، لكن لن يذهب أي من عمالي”.
في غضون ذلك، أصدر العديد من النقابات الهندية بيانات صحافية تفيد بأن هذه الخطوة ستشير إلى “التواطؤ” مع “حرب الإبادة الجماعية المستمرة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين”.
وسيحل الهنود محل التايلانديين الذين قتل منهم في 7 أكتوبر، حسب مسؤولين تايلانديين، 39 عاملا واحتجز منهم 32. وغادر حوالي 7 آلاف عامل تايلاندي، من أصل 30 ألفا، إسرائيل، وفقا لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، وناشدت رئيسة الوزراء التايلاندية سريثا تافيسين العمال التايلانديين المتبقين بالعودة.
ومنذ عام 2014، كان العمال التايلانديون يمثلون باستمرار أكثر من ثلثي العمال المهاجرين الذين يصلون من خلال اتفاقيات ثنائية.
كما غادر العمال النيباليون، تاركين دور رعاية المسنين الإسرائيلية تعمل بنصف موظفيها فقط، وفقا للجنة البرلمانية الإسرائيلية المعنية بالعمال الأجانب.