هل يُمكِن لدولة الاحتلال تحقيق الأهداف التي وضعتها الحكومة للعدوان على غزّة؟ اليوم وبعد مرور 111 يومًا على الحرب ضدّ قطاع غزّة، يبدو واضحًا أنّ جيش الاحتلال أعجز وأوهن عن الوصول إلى الهدفيْن الرئيسييْن اللذيْن أعلنت عنهما في البداية: القضاء على حماس وإعادة جميع الرهائن الإسرائيليين، في ظلّ مواصلة الضغط العسكريّ.
وفي هذا السياق رأى المحلِّل الاستخباراتيّ البارز، يوسي ميلمان، في صحيفة (هآرتس) العبريّة، أنّ الحديث يدور عن أهدافٍ لا يُمكِن بأيّ حالٍ من الأحوال تحقيقها، مُضيفًا أنّ الأهداف هي ليست أكثر من شعاراتٍ فارغةٍ وفضفاضةٍ أطلقها سياسيون إسرائيليون من منطلقاتٍ شخصيّةٍ، وأنّه من المُستحيل الوصول إليها، على حدّ تعبيره.
وأردف: “لا يُمكن تحقيق (النصر) دون أنْ تكون الأهداف محدّدّة، ولذا فإنّ الحرب لن تتوقّف، إلّا إذا حدثت عدّة تطورّات منها انسحاب الوزيريْن غادي أيزنكوط وبيني غانتس من الحكومة، وعدوة الجماهير بالكيان للتظاهر في الشوارع، الأمر الذي سيُجبِر صُنّاع القرار على تقديم موعد الانتخابات العامّة”، مُوضحًا أنّ “احتمالات حدوث هذا السيناريو ضعيفة، وبالتالي فإنّ المهجرين من (غلاف غزّة) لن يتمكنوا من العودة لديارهم بالمدى القريب، وبالمُقابِل، فإنّ حزب الله سيُواصِل القصف في الشمال، وبذلك سيمنع سُكّان المستوطنات الحدوديّة من العودة لبيوتهم”.
على صلةٍ بما سلف، قال الكاتب أنشيل بابر في (هآرتس) “إنّ عددًا من الضباط من مختلف الرتب في الجيش الإسرائيليّ يعتقد أنّ شبكة الأنفاق في قطاع غزة أكبر وأكثر تشعبًا بكثير ممّا تمّ تقديره في البداية. علاوةً على ذلك، يزداد الاقتناع في أوساط كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيليّ بأنّ قواتهم لن تدمر كلّ أنفاق حماس والجهاد الإسلاميّ في القطاع، ولا حتى معظمها.”
وأضاف: “الأنفاق موجودة في غزة قبل قيام (حماس) في سنة 1987، ويتضح الآن أنّها، في معظمها، ستبقى مكانها بعد الحرب الحاليّة”.
وتابع: “مرّ أكثر من عشرة أعوام على الكشف عن أوّل نفقٍ بالقرب من معبر إيرز في سنة 2005، قبل أنْ تبدأ المؤسسة الأمنيّة بأعمال إنشاء العائق تحت الأرض، وانتهى العمل على إقامة العائق في نهاية سنة 2021، مع وعودٍ كبيرةٍ، وكانت القيادة الأمنيّة متأكّدةً من أنّه سيمنع أيّ هجومٍ واسع النطاق على الأراضي الإسرائيليّة”.
ونقل الكاتب عن مصدر استخباراتي يتابع (حماس) منذ أعوامٍ طويلةٍ: “أدى العائق إلى تراجُع موضوع الأنفاق في داخل القطاع في سلّم أولويات الجيش. هذا لا يعني أنّنا لم نهتم بذلك. لكن كان هناك انطباع في المؤسسة الأمنيّة أنّه ما دامت هذه الأنفاق لم تتجاوز الحدود، فإنّها لا تشكل تهديداً لنا”. لكنّ العائق لم ينجح في الاختبار في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وتمّ التخلّي عن الجدار فوق الأرض، والأنفاق في داخل القطاع ابتلعت أكثر من 150 مخطوفًا”.
وشدّدّ الكاتب، الذي نقلت (مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة مقاله للعربيّة)، على أنّ “الافتراض بأنّ (الاستيلاء عملانيًا) على الأرض فوق الأنفاق عدة أسابيع سيُجبِر عناصر (حماس) على الخروج منها لفقدان الأوكسيجين والماء والغذاء، تبينّ أنّه افتراض خاطئ، إذ اتضح أنّ الأنفاق لم تكن فقط مزودة جيدًا بالطعام والشراب لإقامةٍ طويلةٍ، بل أنّها سمحت بانتقال القوات بين عدة مناطق في المدينة، وفي القطاع”
وأشار إلى أنّه “طوال فترة الحرب، أعلن الجيش تدمير كتائب (حماس) في شمال القطاع، لكنه وجد نفسه يقاتل بقايا هذه الكتائب في مناطق أُخرى. وفي كلّ مرّةٍ كانت تظهر دلائل على وجود مخطوفين في الأنفاق، يتبين أنّهم نُقلوا من هناك إلى نفقٍ آخر منذ وقت.”
وقال أيضًا: “في الأسبوع الماضي، نقلت (نيويورك تايمز) عن مسؤولين كبار في المؤسسة الأمنيّة تقديرهم أنّ طول شبكة الأنفاق في القطاع تقدَّر بـ 700 كلم، وهذا بعكس تقديرات الاستخبارات التي وصلت في بداية الحرب إلى 400 كلم”.
وأردف: “في الأسابيع الأخيرة، وبدلاً من السعي لتدمير كلّ شبكة الأنفاق تحت غزة، وضع الجيش هدفًا جديدًا، منع (حماس) من الاستخدام العسكريّ للأنفاق مستقبلاً. لكن من غير الواضح كيفية القيام بذلك، وما إذا جرى الكشف عن كلّ الأنفاق المركزيّة، وحتى تلك التي اكتُشفت، لن يكون هناك وقت لتدميرها. حتى الآن، عثر الجيش في مختلف أنحاء القطاع على 1000 فتحة نفق. ومن المعقول وجود آلاف أُخرى لم يُكشف عنها، ويبدو أنّ المُقاومين يمكنهم إزالة الردم من الفتحات وترميم شبكة الأنفاق”.
واختتم: “يتعيّن على المؤسسة الأمنيّة الاعتراف بأنّ تدمير الأنفاق كان منذ البداية هدفًا غيرٌ واقعيّ، ربّما بإمكان الجيش مواجهتها كتهديدٍ عسكريٍّ، لكن هذه الأنفاق ستبقى تحت غزة”، على حدّ تعبيره.