نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده ستيفن إرلاتغر قال فيه إن الخطط الأمريكية لليوم التالي في غزة تبدو بعيدة المنال، وإن فكرة وجود خيط بين الحرب والسلام مضللة وبخاصة في ظل الاحتياجات الأمنية والسياسية والقلق لكل الأطراف. ورأى أن صيغة “اليوم التالي” باتت حديث الجميع وماذا سيحدث بغزة المحطمة، وهي فكرة سريعة التطاير، ولن يكون هناك خيط مضيء بين الحرب والسلام، حتى يحصل نوع من التسوية.
وقالت إسرائيل إنها لن تحيل مسؤولية الأمن في غزة إلى أي طرف سواها، وستظل تدخل وتخرج من القطاع حين تقتضي الضرورة والمعلومات الأمنية وحتى بعد انسحاب قواتها.
وقال أرون ديفيد ميلر، المفاوض الأمريكي السابق والزميل في وقفية كارنيغي، “يجب التخلي عن المفهوم المخادع لليوم التالي”، “هو مضلل وخطير” لعدم وجود خط واضح يقسم بين نهاية العمليات العسكرية والاستقرار النسبي الذي يسمح للناس بإعادة الإعمار.
هناك مجموعة متنوعة من السيناريوهات غير المحددة والتي تشترك فيها دول المنطقة مثل مصر والإمارات والسعودية والأردن وقطر، ستشرف عليها في النهاية الولايات المتحدة، الحليف الموثوق لإسرائيل. ويؤكد معظم المسؤولين والمحللين أن هذه الخطط تحتاج لحكومتين جديدتين في إسرائيل والسلطة الوطنية التي تشرف على أجزاء من الضفة الغربية لكنها تعاني من العجز والفساد، مما يعني أن الطريق طويل.
ولتحقيق ذلك، يقوم مسؤول ملف الشرق الأوسط في البيت الأبيض، بريت ماكغيرك، بجولة في الشرق الأوسط من أجل الدفع بصفقة تبادل محتجزين وهدنة إنسانية أطول. وسينضم إلى ماكغيرك مدير الاستخبارات الأمريكية، ويليام بيرنز، للدفع باتجاه صفقة حسب مصادر في البيت الأبيض.
وتظل مهمة ماكغيرك صعبة حيث يعمل من قطر التي تنقل الرسائل بين حماس وإسرائيل وعليهما التفاوض بشأن اتفاق مرحلي، الإفراج عن النساء والأطفال، مقابل أسرى فلسطينيين. ومن أجل الإفراج عن كامل المحتجزين، يقتضي الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، ومنهم محكومون بالمؤبد ولا تريد إسرائيل الإفراج عنهم، كما فعلت مع يحيى السنوار، الذي قضى في السجن 23 عاما وأفرج عنه عام 2011. ثم هناك سؤال يتعلق بالسنوار وقادة حماس في غزة وأين يذهبون، هذا إن لا يزالون أحياء، فهل ينفون أم يظلون في غزة. وحتى الآن رفضت حماس الفكرة.
ويأمل الأمريكيون أن يفتح هذا المجال للمفاوضات التي تشارك فيها الدول العربية التي لا تحب حماس أو داعمتها إيران. وفي الوقت الذي يدعم فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي المفاوضات للإفراج عن المحتجزين، إلا أن بنيامين نتنياهو يرفض أهم ركيزة في سياسة الرئيس الأمريكي، وهي الدولة الفلسطينية، ولو على شكل دولة منزوعة السلاح، وقبل ذلك إحياء السلطة الوطنية كي تقود عملية إدارة غزة بعد الحرب.
ويقدم نتنياهو الذي يقاتل من أجل مستقبله السياسي، بأنه الرجل القادر على وقف أمريكا من فرض إملاءات على إسرائيل المصدومة من هجمات حماس ومنع التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية الذي يأكل أراضي الفلسطينيين.
لكن الأمريكيين يعتقدون أن لديهم ورقة ضغط على نتنياهو، وهي السعودية، اللاعب الإقليمي المهم والتي عبرت عن رغبة بمواصلة الطريقة نحو التطبيع مع إسرائيل، مقابل ضمانات أمنية أمريكية ضد إيران، وهي مطالب مثيرة للجدل في حد ذاتها.
إلا أن السعودية اشترطت دعمها لمرحلة ما بعد الحرب من خلال فتح الطريق أمام دولة فلسطينية، وهو ما يرفضه نتنياهو. وليس لدى الأخير فكرة حول مستقبل غزة، وهو مصر على أن حماس ستدمر وسيحرر الرهائن، وهما هدفان متناقضان، في وقت باتت في العملية الإسرائيلية تسير ببطء وسط تزايد عدد القتلى بين المدنيين والجنود، مما يخلق نوعا من الضغط الدولي والمحلي. لكنه عبر عما لا يريده: أي دور سياسي وعسكري لحماس وأي دور للسلطة الوطنية في غزة وقوات حفظ السلام فيها ودولة فلسطينية. ونفى أنه يخطط لاحتلال غزة لوقت طويل ولكنه شدد على السيطرة الأمنية في غزة والضفة الغربية أيضا. ودعا حلفاءه المتشددين في الحكومة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش لطرد الغزيين وإعادة الاستيطان. وفي الغالب أن يدعم المعارضون لنتنياهو مثل بيني غانتس وغادي إزينكوت، العضوان في حكومة الحرب الخطط الأمريكية.
ويقول مارتن إنديك، السفير الأمريكي السابق في إسرائيل، إن الجميع يعتبرون الدعم الأمريكي أمرا في غاية الأهمية. وقدم وزير الدفاع يوآف غالانت، من حزب الليكود بزعامة نتنياهو، رؤيته عن اليوم التالي، وتشمل على سيطرة أمنية على غزة وإدارة مصرية- إسرائيلية للحدود الجنوبية لغزة. ولن يكون هناك وجود مدني إسرائيلي بل إدارة مدنية فلسطينية بإشراف دولي. ولكن ليس السلطة الوطنية. ولا تختلف خطة غالانت عن أفكار نتنياهو لكنها تعكس مواقف الجيش، كما يقول ناحوم برنباع من “يديعوت أحرونوت”. قال “الرؤية ليست انتصارا ولكن إدارة نزاع متقطع بدون وجود إسرائيلي دائم”. ويريد الجيش تحويل غزة إلى نابلس أو جنين في الضفة الغربية حيث يدخل ويخرج في أي وقت. وفي القطاع يقوم بإنشاء منطقة عازلة للدخول في أي وقت.
ولا أحد يعتقد بصفقة سريعة، فتدريب قوة من 6 آلاف رجل أمن فلسطيني يحتاج إلى 10 أشهر. ويأمل الأمريكيون موافقة الدول العربية بل وتركيا على إدارة الأمن في القطاع، لكنها تظل مشكلة حساسة وبخاصة قيام دول عربية ومسلمة بإدارة الأمن في غزة نيابة عن الأمن الإسرائيلي. كما أنه لا يوجد حل سريع لإعادة تجديد السلطة الوطنية.
وتحتاج الخطة في الحد الأدنى تقاعد الرئيس محمود عباس وتشكيل حكومة جديدة وإصلاحات وانتخابات. وكانت انتخابات 2006 هي الأخيرة، وأي انتخابات جديدة قد تنتهي بدور لحماس، وفي المرحلة الانتقالية ستدار غزة عبر الأعيان او التكنوقراط. والفلسطينيون ليسوا جاهزين.
ويقول أنديك “هناك انفصام بين المجتمع الدولي ودعوته لحل الدولتين واستعداد الإسرائيليين والفلسطينيين للتفكير بطريقة فعالة لوقف النزاع”. ويظل الوقت محدودا أمام الإدارة الأمريكية لتشكيل رؤية حول حل الدولتين، وبخاصة أن نتنياهو واع للموسم الانتخابي وسينتظر ما ستنجلي عنه الأمور، أما الدول العربية فلن تتحرك نحو أي صفقة في وقت يصبح فيه بايدن بطة عرجاء، والحل أي حل لن يحدث إلا بعد إعادة انتخاب بايدن هذا إن حدث.