نتنياهو يجترّ لاءاته الثلاث.. طمأنةً لشركائه المتشددين أم استدراجاً لـ”لا” من “حماس”؟

في ساعة متأخرة من الليل الفائت، عاد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لتكرار لاءاته الثلاث، ليقول إن إسرائيل تعمل على إعادة المحتجزين، ولكن ليس بكل ثمن، وإن لديه خطوطاً حمراء.

وللمرة الثالثة في غضون 48 ساعة، وفيما تتدارس “حماس” الصفقة المقترحة، قال نتنياهو إن إسرائيل لن “تفرج عن آلاف المخربين، ولن تسحب جيشها من غزة، وإنها ماضية في تحقيق أهدافها الثلاثة؛ إسقاط نظام “حماس”، استعادة المخطوفين، والتثبّت من عدم نشوء تهديد جديد على إسرائيل من داخل قطاع غزة”.

ورداً على سؤال صحفي عن الدافع لتكرار هذه اللاءات، قال مكتب نتنياهو للإذاعة العبرية، هذا اليوم، “إنها الحاجة لتفنيد شائعات كثيرة تتكرر، في الساعات الأخيرة، حول صفقة تبادل غير مقبولة على إسرائيل”.

 يبدو أن الحاجة لاجترار اللاءات الثلاث تدلل على قوة الضغوط داخل ائتلافه من قبل جهات تعارض صفقة تبادل وهدنة طويلة، وتهدد بإسقاطه، كما تجلى بشكل مباشر في كتابات وتصريحات وزراء متشددين، في الأيام الأخيرة.

ومن غير المستبعد أيضاً أن نتنياهو، كوزرائه المتشدّدين، يرفض وقف الحرب قبل تحقيق أهدافها، ويرغب بإطالتها ليمدّ بعمر حكومته،  حتى بثمن موت كل المحتجزين (الذين بات مصيرهم على “كف عفريت”)، واستنزاف الاقتصاد الإسرائيلي.

 ولذا يخشى قبول “حماس” مسودة الصفقة المقترحة، ما يؤدي، عندئذ، لحشره في الزاوية، وإحراجه أمام الداخل والخارج. ولذلك ربما يسعى نتنياهو، في هذه اللاءات المعلنة المتتالية، في الوقت الذي تقوم فيه “حماس” بمعاينة ودراسة الصفقة المعروضة، إلى دفعها لرفضها بعدما يفرغها من قيمتها، ويجعل مواصلة التباحث فيها نوعاً من العبثية، وعندها سيلجأ لإلقاء الكرة في الملعب الفلسطيني.

 ويعفيه رفض “حماس” من خيارين حلوهما مرّ: إنْ قبلَ الصفقة، هو الآخر، سيفقد ائتلافه، وسيسقط من سدّة الحكم. وإنْ رفَضَها سيتعرض لضغوط داخلية وخارجية تتهمه بالكذب وإفشال مساعي التوصل لصفقة واستعادة المحتجزين الإسرائيليين، وهذا سيضع غانتس وآيزنكوت (اللذين انضمّا للائتلاف دعماً للمجهود الحربي، ولفترة مؤقتة) أيضاً في الزاوية، ويضطرهما للخروج من الحكومة، وهذا من شأنه تأجيج حالة الغضب لدى أوساط إسرائيلية واسعة، لا عائلات المحتجزين فحسب، لا تثق أصلاً بنتنياهو وبحكومته، ولا ترى أنها مؤهلة لإدارة شؤون حرب ولا سلام.

قلق إسرائيلي

 وعلى خلفية كل ذلك، تنقل صحيفة “هآرتس” عن مصادر متداخلة في المفاوضات السرية خوفها من أن نتنياهو يحاول دفع “حماس” لرفض الصفقة: “فوجئنا من الخط الهجومي المعارض المعلن حيال صفقة تزامناً مع دراسة “حماس” للمقترح”.

واقتبست الإذاعة العبرية العامة، صباح اليوم الخميس، ذات “المصادر المتداخلة في مداولات الصفقة” قولها إنها تخشى أن نتنياهو، في هذه التصريحات السلبية، يسعى لتشجيع “حماس” للانضمام للاءاته الثلاث، لحسابات واعتبارات سياسية داخلية.

ومع ذلك، ورغم أن نتنياهو مختال، وما زال يعتقد أنه “ساحر”، وقادر على المناورة، والتغرير بكل العالم، يبدو أن هامش مناورته يصغر، وسيجد نفسه أمام لحظة الحقيقة مضطراً لقبول صفقة بدون خطوط حمر تعجيزية، أو التعرّض لاحتجاجات واسعة في الشارع الإسرائيلي.

من المرجح أن تدور الدوائر على نتنياهو عند اجتماع عوامل داخلية وخارجية: رغم دعمها السخي، باتت الولايات المتحدة في حالة حرج متزايد، وصبر الإدارة الأمريكية يقصر، خاصة أن لديها مشاغل وتحديات داخلية وخارجية كثيرة، عدا الحرب على غزة التي باتت تضر مصالحها بشكل مباشر من اليمن إلى سوريا. يضاف لذلك تزايد انتقادات دولية، واحتمال قيام “محكمة العدل الدولية” برفع بطاقة صفراء ثانية أمام إسرائيل التي تقاد من قبل وزراء يؤيدون الترانسفير علانية، ودون اكتراث للقانون الدولي والعالم كله.

 قولوا نعم لفلسطين

حتى وإن بدت محاولة امتصاص غضب، تبقى التصريحات الأمريكية والبريطانية الرسمية، منذ أمس، دليلاً على تراجع صبرهما مقابل التعنت والتكبر الإسرائيلي، فقد قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إن بريطانيا تدرس الاعتراف بفلسطين كجزء من دفع مساعي التسوية الدولتين. واليوم تفيد تسريبات أن وزارة الخارجية الأمريكية تدرس إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية كجزء من رؤيتها لليوم التالي للحرب على غزة، وفق ما يكشف عنه موقع “والا” العبري.

تحت عنوان “قولوا نعم لفلسطين”، اعتبرت صحيفة “هآرتس”، في افتتاحيتها، أن تصريح كاميرون هام، مرجحة أن أمريكا وبريطانيا تدركان عدم إمكانية التراجع للخلف في موضوع الصراع، وأن طرفي الصراع بحاجة لدفعة دولية للتغلب على معارضة تسوية الدولتين. وتخلص “هآرتس” للقول إن رفض نتنياهو قد تفجّر في وجوهنا في السابع من أكتوبر، وإنه هو وحكومته المتطرفة لا يبدون أي إشارة إلى أنهم استخلصوا الدرس.

وتتابع: “لذلك فإن الاعتراف بدولة فلسطينية بدون مفاوضات هي حاجة الساعة. يبقى الأمل أن تنضم دول صديقة أخرى لبريطانيا، وعلى رأسها الولايات المتحدة”.

العنجهية عادت

ويواصل المعلق السياسي في الصحيفة جدعون ليفي، المعارض للحرب على غزة، التحذير من العمى والعنجهية واتهام العالم.

في مقاله اليوم تحت عنوان “عادت العنجهية” يستذكر ليفي أن إسرائيل بعد 1973 خفضت رأسها بتواضع، وصاغت ذاتها من جديد، أصيبت الدولة بالصدمة، ودخلت في حزن. منبهاً أن العنجهية والعجرفة التي سادت إسرائيل بعد حرب 1967 تبخّرت، ومعها طقوس عبادة الأصنام العسكرية- الجيش.

ويضيف، بما يرتبط بالحرب وما بعدها: “هذا التعجرف خطير، لأنه يدفعنا نحو الكارثة القادمة: مواصلتنا الكذب على أنفسنا، ومواصلة الاعتقاد أننا مضطرون للعيش على حد السيف بنجاح، وأننا نحن المحقّون، والأقوى أكثر من كل العالم”.

التئام المؤثرات

هذا من شأنه أن يقترن بمؤثرات داخلية، منها احتمال استمرار الاستنزاف، ومقتل جنود الاحتلال وقسم من المحتجزين داخل قطاع غزة، دون تحديد ملامح اليوم التالي للحرب، بخلاف الرغبة الكبيرة للمؤسسة الأمنية والجيش، وبالتزامن تفاقم الأزمة الاقتصادية. هذا كله يعني أن نتنياهو لن يقوى على مواصلة خلط الحسابات والاستخفاف بالآخرين في الداخل والخارج، خاصة إن بقيت المقاومة قادرة على مواصلة القتال الفعال، وجرت رياح غزة بما لا تشتهيه سفنه.

نتنياهو مهما ناور وخادع وخلط في الاعتبارات، مهما خطّطَ وسار على خيط الحذر الرفيع، سيحشر في الزاوية عندما تجتمع ضغوط الداخل والخارج، ويستمرّ النزيف العسكري في غزة وفي الجليل، وكذلك النزيف الاقتصادي.

ورسم الكاريكاتير المنشور في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، يعكس هذا الاتجاه، ففيه يظهر نتنياهو “الساحر” يسير على حبل مرتفع، وفي فمه ملعقة صغيرة تحمل بيضة كتب عليها “صفقة” بدلاً من عصا تكفل الحفاظ على توازنه.