معاريف – بقلم ران أدليست
إذن ما الذي يحصل في غزة؟ هذا منوط بمن تسأل. مبدئياً، محظور أن نسأل سياسيين وجنرالات؛ ففي جانب الحرب الكبرى، هم مكبلون بمنظومات ذات صلة لا يعنيها سوى حياتها، وهي الجيش والحكومة. إذن من يتبقى؟ نحن. وحدنا. كل يفترض أن يجيب بنفسه ولنفسه على سؤال ما الذي يحصل في غزة. حسب ما تراه عيناه، وتسمعه أذناه وضميره.
فكل الحقائق والأرقام تحت أنفنا: ضحايا منا ومنهم، وجرحى كثيرون منا ومنهم. ليس الجواب في مجال نتائج المعارك والخطوات السياسية، بل في المجال الشخصي، الخاص: ما الذي يريده كل منا من هذه الحكومة وما الذي هو مستعد للتضحية به من أجلها. الأغلبية، كما أفهم، ليسوا مستعدين أو راغبين في أن يكبدوا أنفسهم عناء أن يسألوا أنفسهم ماذا يفكرون أو ماذا يرغبون. أغلبية الناس يقررون تصديق هذا الجانب أو ذاك أو هذا الشخص أو ذاك، وهنا نكون قد علقنا مع نصف الشعب أمام النصف الآخر؛ لأنه رغم الـ “معاً” لا يرى نصف الشعب ما يراه النصف الآخر بانسجام. الـ “معا” العامة التي كانت سارية المفعول بعد الصدمة الأولى انقسمت مرة أخرى إلى الخلافات الأساسية.
الجولة الأولى من القصف الجوي خلفت وراءها مدناً دماراً، ولبّت مؤقتاً مطلب الثأر الذي اشتعل فينا جميعاً. غير أنه لم يكن من يرسم خط توقف، ويسير إلى مفاوضات “الكل مقابل الكل”. اتخذ توسيعها صورة تهديد وجودي، وكان الجواب مناورة برية وخطوة أدت إلى مكان كان واضحاً منذ بدايته بأن النصر المطلق سيصبح هزيمة مطلقة من اللحظة التي تتدحرج فيها المناورة البرية إلى الأمام دون معلومات استخبارية مهمة عن حجم قدرات حماس في إدارة معارك حرب عصابات من فوهة إلى أخرى. ودرءاً للشك: حماس تنتصر في المعركة رغم الفجوة الاستخبارية التي ندفع عليها بالضحايا والجرحى، والمطالبة بالمواصلة تنبع من حكومة غير مستعدة للوقوف أمام حساب الدم العام. النصر مسألة إحساس، وكل منا يعرفه. فهل حصل أن احتللتم موقفاً لسيارتكم قبل أن يحاول ذاك اللعين استباقكم؟ انتصرتم؟ فاز فريقكم بالبطولة؟ هذا يصبح تسامياً للروح. أما في حالتنا، حتى لو قتلنا السنوار وعثرنا على مقر قيادة وكلاشينكوف آخرين، فلن نحس باللذة ولا بتسامي الروح. المرارة والغضب سيكونان الأحاسيس التي ستوجه خطى معظم مواطني إسرائيل.
يلعب نتنياهو في هذه الأثناء دور تشرتشل الذي يقود الجيوش إلى نصر مطلق آملاً في إلقاء القبض/أو قتل السنوار الذي هو أملنا أيضاً. وهكذا تتسارع مسيرة العودة إلى الحياة الطبيعية وإلى فهم أفضل مع من نتعامل. غير أن نتنياهو هو الآخر يفهم بأن السنوار خلل تكتيكي، وأن تصفيته لن تمنع الخلل الاستراتيجي الذي هو 2.5 مليون غزي الباقين في القطاع وباتوا اليوم بمثابة قنبلة موقوتة، تستوعب نوعاً من “الحرب” (سيطرة عسكرية في الميدان) وباقي الترهات التي تستهدف تمديد الحرب ليس لأجل النصر، بل للفوز الذي هو الانتخابات التالية.
إن إخضاع حكومة إسرائيل هو المهمة العملياتية والأخلاقية للولايات المتحدة وباقي دول العالم الحر. وهي ليست وحدها؛ أكثر من نصف مواطني دولة إسرائيل يشاركونها الرأي والكفاح بوجوب تفكيك وجه الحكومة قبل تفكيك الدولة.