الفرضية الأولى: أن ما أعلنه التنظيم الإرهابي عبر معرفاته في «تيليغرام» من تبني العملية دقيق وصحيح، وهذا يعني أن ذئاب التنظيم بدأت تتحرك من جديد، لكن هذه المرة على مناطق النفوذ الروسي.
وفي حال صحوة عناصر التنظيم فإن المزيد من الهجمات ستقع في مناطق سيطرة النفوذ الروسي بالتحديد، ذلك أن روسيا محاطة بدول تعتبر بيئة خصبة لمقاتلي التنظيم من طاجيكستان إلى أوزبكستان، وهي بقايا الاتحاد السوفيتي، وهناك آلاف المنتمين إلى آيديولوجيا التنظيم من هذه الدول، ولديهم القدرة على الوصول بسهولة إلى الأعماق الروسية، ويزيد من سهولة وصول العناصر الإرهابية إلى موسكو، الساحة المفتوحة في أوكرانيا التي ما زالت تشكل حالة استقطاب للمقاتلين الحاقدين على الاتحاد السوفيتي وعلى روسيا تحديداً.
الضربة الواحدة والخلايا النائمة
إذا سلمنا بالقول إن العملية الإرهابية صناعة وتخطيط داعشي، علينا الذهاب أيضاً إلى أن إستراتيجية التنظيم لا تعمل فقط بالضربة الواحدة، بل هي عادة ما تقوم بعمليات كإشارة للخلايا النائمة للتحرك ضد الأهداف المفترضة، وبالتالي ما زالت نظرية تحميل «داعش» المسؤولية الكاملة قيد الاختبار حتى يتبين «الخيط الأبيض من الخيط الأسود» وتتمدد الهجمات إلى مناطق أخرى.
داخل هذه الصورة التي نوردها عن الهجوم الذي نفذه عناصر التنظيم، ثمة رواية روسية مغايرة للواقع تماماً، تدحض سردية مسؤولية «داعش»، وتحمّل الجانب الأوكراني المسؤولية، وهذا طبيعي، فكل جهة ترى خصمها في «الحقيقة والأحلام»، ولعل اتهام أوكرانيا من قبل روسيا لا يحتاج إلى تردد إطلاقاً، إذ إن بوتين يريد إشعال هذه الساحة والبحث عن تبريرات التصعيد والاستمرار معاً، ومع ذلك لا معطيات صلبة حول الجهة المنفذة وما يزال اللغز قائماً: من نفّذ العملية التي أودت بمئات الضحايا من القتلى والمصابين في ليلة كان عنوانها «السكاكين والبنادق الرشاشة»؟
الفرضية الثانية تستد إلى أمر واحد وهو تحذير الولايات المتحدة في وقت سابق روسيا من هجمات قد يشنها «داعش خراسان»، وهي إشارة اتخذتها روسيا مؤشراً إلى تورط أمريكي بطريقة غير مباشرة بهذا الهجوم، ولهذا كان رد فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عنيفاً بالقول: إن روسيا في «حالة حرب»، ولا يعقل أن تحارب دولة بحجم روسيا «ذئاباً منفردة» وتعلن ضدهم الحرب، التي أصلاً هي عنوان عريض لروسيا منذ أكثر من 20 عاماً بعد انفصال الشيشان عن الاتحاد السوفيتي المتفكك واندلاع حرب «الجهاد» ضد الروس.
التبرير الدولي للحرب
الرواية الروسية تقول نقلاً عن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي إن المسلحين اعتزموا بعد هجوم «كروكوس» الإرهابي عبور الحدود بين روسيا وأوكرانيا، كما أكد الجهاز أن لديهم صلات ذات علاقة على الجانب الأوكراني.
وتدعم المخابرات الروسية روايتها بالقول إن التخطيط لهذا الهجوم الإرهابي تم بعناية ووضع الأسلحة والذخيرة في مخبأ معد مسبقاً، علماً أن أحد المشتبه بهم في الهجوم الذي عرّف عن نفسه بأنه رجب علي زادة قال أثناء الاستجواب إنه ألقى السلاح مع شركائه في طريقه إلى مقاطعة روسية قرب الحدود الأوكرانية.
لكن السؤال: هل يحتاج الرئيس بوتين إلى هذا الحدث لإطلاق يده في أوكرانيا بعد مرور أكثر من عامين على الحرب الروسية في أوكرانيا؟ وماذا تقدم مثل هذه الرواية لروسيا؟ وهل فعلاً ثمة صحوة لعناصر داعش أو ما يسمى «الذئاب المنفردة»؟ الحقيقة أن بوتين يحتاج يوماً بعد يوم إلى المزيد من المبررات على مستوى المؤسسة العسكرية وعلى مستوى التبرير الدولي للحرب أمام الحلفاء، ويحتاج إلى سردية على الأقل تعزز موقع روسيا العسكري في أوكرانيا، ولعل ربط أوكرانيا بـ«التطرف الإسلامي» يخدم أغراضه على الأقل محلياً، وفي المؤسسة العسكرية الروسية التي تتساءل في كل يوم: إلى متى تستمر هذه الحرب في أوكرانيا دون حسم؟
نظرياً.. لا يمكن لمجموعة مثل «داعش» التخطيط البارد لمثل هذه العملية وإنجاز المهمة بهذه الدقة وإيقاع مجزرة من هذا النوع.
هناك تداخل في الفرضيات يقود إلى اعتقاد التسهيل للمنفذين بالقيام بهذه العملية، وهو الأقرب إلى الفهم، كون التنظيم الآن في حالة غياب مركزية التخطيط كما كان قبلاً.
حرب «داعش» الطويلة
ما هو متفق عليه أن الهجوم كان بأدوات ذات طابع «متطرف»، إذن في كل الأحوال فإن الهجوم مبني على أساس نظرية العمل الإرهابي التقليدية، لكن ما هو مختلف عليه من هي الجهة التي حركت هذه الأدوات؟ بالنسبة لروسيا ليست لديها فكرة لمهاجمة التنظيم في أي مكان آخر، خصوصاً أنه بلا رقعة جغرافية، وبالنسبة لروسيا الملعب الوحيد لها هو أوكرانيا.. وفي الوقت نفسه ثمة مخاوف من إعادة ظهور «الذئاب المنفردة» التي دخلت في حرب صعبة مع قيصر روسيا.
لكن ما يجب أن نلفت له الأنظار أن حرب «داعش» الطويلة ليس في حسبانها البعد الروسي، وهذا يعني بشكل أو بآخر أنها ضربة واحدة موجعة أرسلت لروسيا رسالة مفادها أن الخطر قد يصل إلى قلب «القيصرية».