كشفت مجلة شبيغل الألمانية أسباباً تتعلق باتباع الرئيس الأمريكي جو بايدن طريقة تعامل جديدة مع إسرائيل، لا سيّما نتنياهو، وقالت المجلة بعد أن رصدت سلوك واشنطن الأخير في مجلس الأمن بخصوص غزة، إن السياسة الأمريكية تشهد تغيراً حقيقياً لأول مرة بخصوص التعامل مع إسرائيل، بحيث اضطر بايدن للتعامل بجدية مع بنيامين نتنياهو. مشيرة إلى أن الضغط على الرئيس الأمريكي أصبح أكبر من قدرته على الاحتمال، خاصة أن الضغوط عليه باتت داخلية أيضاً، وليست خارجية كما في السابق. وبحسب خبراء ألمان،
فإن مشهد سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد تصفق بعد اعتماد القرار 2728 في مجلس الأمن في نيويورك يعتبر بداية التحول لسياسة أكثر صرامة.
الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حاولوا أربع مرات التوصل إلى قرار بشأن حرب غزة. وفشلوا أربع مرات كذلك: ثلاث مرات بفيتو من الولايات المتحدة، ومرة واحدة- يوم الجمعة الماضي- بفيتو من الصين وروسيا.
في يوم الإثنين، تمت الموافقة على القرار 2728. تم تقديمه من قبل الأعضاء العشرة غير الدائمين في مجلس الأمن، ويطالب بـ “وقف فوري لإطلاق النار” ، الذي سيكون مؤقتًا في البداية لمدة شهر رمضان المبارك، ومن ثم سيتحول إلى “هدنة دائمة ومستدامة”. أصبح هذا ممكنًا لأن أربعة من أصل خمسة أعضاء دائمين وافقوا هذه المرة، وامتنعت الولايات المتحدة. هذا ليس اختراقًا وبمفرده لن تنتهي حرب غزة، بالذات لأنه لم يتم تحديد آلية لتنفيذ القرار.
مع ذلك، فإن القرار خبرٌ جيد، خاصة للأمم المتحدة نفسها، التي كانت شرعيتها، في عيون القوة العظمى باتت محل شك. كان من غير المألوف، ولكنه لم يكن مفاجئًا أن يصطف أعضاء مجلس الأمن أنفسهم بالتصفيق بعد التصويت يوم الإثنين.
لقد كان واضحاً للمراقبين أن اهتمام الحكومة الإسرائيلية بوقف إطلاق النار أمر مشكوك فيه. لقد أوضح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مراراً أن هدفه ليس وقف إطلاق النار، بل تحقيق “النصر الكامل” على “حماس”، حتى على حساب هجوم بري على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، حيث يقيم حالياً أكثر من مليون شخص. .
كما تحدث نتنياهو صراحةً ضد القرار رقم 2728 وانتقد الحكومة الأمريكية: فامتناعها عن التصويت يمنح “حماس” “الأمل في أن الضغوط الدولية ستسمح لها بالموافقة على وقف إطلاق النار، حتى بدون إطلاق سراح المختطفين”.
وفور التصويت في نيويورك، ألغى نتنياهو رحلة كان من المقرر أن يقوم بها اثنان من أقرب المقرّبين إلى واشنطن. إن عدم استخدام حق النقض ضد القرار كان بمثابة “تراجع واضح” من قبل الحكومة الأمريكية عن موقفها السابق، وسيضر بإسرائيل والرهائن.
وعارض جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في واشنطن، ذلك قائلاً: “سلوكنا التصويتي لا يعني، وأكرر، لا يعني تغييراً في سياستنا”، مقلّلاً من أهمية امتناع الولايات المتحدة عن التصويت. »لم يتغير شيء في سياستنا. لا شيء.”
رسالة خفية ولكن مباشرة إلى نتنياهو
وبحسب المجلة الألمانية، فإن التطمينات الأمريكية لإسرائيل غير صحيحة، إذ إنه، وللمرة الأولى، أثبتت واشنطن أنها قادرة على إحراز نقطة تحوّل في حرب غزة، ويرجع ذلك للاستياء الكبير من قبل الإدارة الأمريكية لتصرفات إسرائيل في الحرب. “لقد أجبرت إسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك”. بحسب الخبير جوان، وهو يشغل منصب رئيس مجموعة الأزمات الدولية في الأمم المتحدة، وواحد من أفضل خبراء الأمم المتحدة. ويتابع: “يجب على إسرائيل أن تتخلى الآن عن دعم الأمم المتحدة لمواصلة حربها، وضرورة البدء بمفاوضات جادة.
ويبدو أن الرئيس الأمريكي بايدن يواجه ضغوطاً دولية متزايدة بشأن الأزمة في فلسطين، ما دفعه لاتخاذ مواقف أكثر حزمًا ووساطة فعّالة للتصعيد وتحقيق السلام. كما يواجه بايدن أيضًا ضغوطًا داخلية في الولايات المتحدة، حيث يتوجب عليه التعبير عن مواقف أكثر توازنًا ومسؤولية بشأن الأزمة الفلسطينية، خاصة مع الدعم المتزايد لفلسطين من قبل الجماهير والسياسيين في الولايات المتحدة.
وقالت المجلة الألمانية: »كان فريق بايدن يعلم أن الامتناع عن التصويت، حتى على قرار يتضمن الإشارة إلى وقف إطلاق النار، سيثير غضب نتنياهو. وتفسير ذلك يبدو واضحاً للمحلّلين: هذا التصرف هو بمثابة رسالة خفية، ولكنها مباشرة إلى نتنياهو لحمله على تقليص حملته العسكرية. إن تغيّر اتجاه واشنطن واضح، حتى ولو لم يشكك في علاقتها مع إسرائيل ذاتها، بل في خططها العسكرية فقط.
إن الصور الفظيعة والأعداد المتزايدة من الضحايا من غزة لم تعزل إسرائيل دولياً فحسب. بل أضرّت أيضاً بشكل متزايد بسمعة حكومة بايدن في نظر العالم، وفي الولايات المتحدة، حيث ستجرى الانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني. وحتى خصم بايدن، دونالد ترامب، لفت الانتباه مؤخراً بتحذيره من أن إسرائيل يجب أن تنهي حربها، وقال في مقابلة مع منصة إخبارية إسرائيلية : “إن الدمار الذي تحدثه إسرائيل يقدّم صورة سيئة للغاية بالنسبة للعالم. العالم يرى هذا”.
ونظراً لهذه الصور، التي تزعج دونالد ترامب أيضاً على ما يبدو، فإن الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد يبدو إجراءً حذراً نسبياً. سيكون لدى واشنطن بلا شك وسائل أخرى لفرض إرادتها، مثل حظر الأسلحة المحدود، والذي استخدمه رؤساء الولايات المتحدة الآخرون في فترات سابقة، بما في ذلك ضد إسرائيل.
ولكن هذا الامتناع عن التصويت يشكل أيضاً وسيلة لممارسة الضغوط، وهو بمثابة تذكير بأن الأمم المتحدة لا تزال بمثابة منتدى عالمي يمكنك من خلاله إرسال إشارة سياسية إلى العالم أجمع، وفي هذه المرة فإن الأنظار باتت موجهة صوب الرد الإسرائيلي القادم.